تحقيق – إيمان أشرف
يحتل الفول السوداني مكانة كبيرة بين المواطنين، نظرًا لانخفاض سعره، حيث يحظى بشعبية واسعة بين الصغار تفوق إقبال الكبار عليه، لما يتمتع به من طعم جذاب وسهولة تقديمة على الموائد الطعام، وبالرغم أنه يعد من الأغذية الشائعة، إلا أنه بالغ الخطورة، فقد يصاب ببعض الفطريات السامة، التي تؤثر على جسم الإنسان وقد تسبب الوفاة في بعض الأحيان.
ولعل أشد السموم الفطرية خطرًا هي مادة “الأفلاتوكسين Aflatoxin”، الذي تتخذ حبة الفول السوداني موطنًا لها وتنمو وتتكاثر عليه، وبدور هذا الموضوع سيتم تسليط الضوء على آليات التلوث، وتاثير تلك السموم على الصحة والاقتصاد، وما تفعله الدول لمواجهة هذه المشكلة.

الفول السوداني
التعريف العلمي لـ مادة الأفلاتوكسين “Aflatoxin”
تعد مادة الأفلاتوكسين “Aflatoxin” واحدة من أخطر السموم الطبيعية التي تهدد صحة الكائنات الحية بصفة عامة، سواء إنسان أو حيوان، فهي تعتبر مصدر مقلق عالمي؛ بسبب تأثيرها وأضرارها الصحية الخطيرة على أجهزة وأعضاء جسم الإنسان، لا سيما تأثيرها على الكبد.
تُنتج مادة الأفلاتوكسين من خلال فطريات معينة خاصة وهي “Aspergillus Flavus”، و”Aspergillus Parasiticus”، حيث تنمو هذه الفطريات وتظهر على سطح الحبوب أو بداخلها، وذلك في ظروف درجة الحرارة العالية، اي فوق 25 درجة مئوية، والرطوبة العالية، أي أكثر من 7%، بالإضافة إلى التخزين السيئ، أي مغلق وغير جيد للتهوية.
تصيب الـ Aflatoxin غالبًا الفول السوداني، والذرة، والمكسرات مثل الفستق واللوز، والبقوليات والحبوب مثل القمح والأرز، وفي بعض الأوقات تتلف منتجات الألبان، واللحوم، وهذا إذا كانت الحيوانات قد تناولت أعلافًا ملوثة، ولكن يعد ذلك أقل إنتشارًا.
كيف يتلوث الفول السوداني بمادة الـ Aflatoxin السامة
يتلوث الفول السوداني بالأفلاتوكسين عندما تتوفر الظروف المناسبة لنمو الفطريات عليه، ويأتي في بداية التلوث أثناء الزراعة، حيث إذا كانت التربة رطبة جدًا، أو تعرض المحصول للجفاف ثم المطر، تبدأ الفطريات بالنمو، بالإضافة لإصابة النباتات بحشرات أو آفات تؤدي لتشقق القشرة، فتسمح بدخول الفطر، وأيضًا نقص التهوية حول الثمار النامية في التربة.
أما عند تلوث الفول السوداني أثناء الحصاد، فيعد التأخر في الحصاد سببًا في تشقق القشرة ونمو الفطريات داخل الثمرة، أو الحصاد في أوقات الأمطار يُسرع من تكاثر الفطر، أو استخدام أكياس وأدوات غير نظيفة، أما عند التجفيف، فإذا تم تجفيف المحصول في ظل رطوبة عالية أو أماكن ملوثة يُحفز ذلك من نمو المادة بداخله.
يعد تخزين المحصول من أهم المراحل التي يجب مراعاتها، فيجب تخزينه في أماكن جيدة التهوية، وفرز الحبوب المتعفنة أو المصابة بالفطريات، حتى لا تنتقل العدوى للمحصول السليم، بالإضافة لتوافر شحنات وأدوات مجهزة لنقل المحصول دون التلف في الطريق.
تصنيف منظمة الصحة العالمية لشدة سُمومه الـ Aflatoxin
صنفت منظمة الصحة العالمية “WHO” بالتعاون مع الوكالة الدولية للأبحاث السرطان “IARC” مادة الأفلاتوكسين ضمن المواد المسرطنة للبشر من الدرجة الأولى، ويوجد أكثر من 13 نوع معروفًا لتلك المادة، ويعد من أخطر تلك الأنواع هو “B1” الذي يصنف الأعلى سُمّية، ومسرطن قوي، ويوجد عادة في الذرة والفول السوداني.
المخاطر الصحية لـ مادة الأفلاتوكسين
تعتبر مادة الأفلاتوكسين من أخطر السموم الطبيعية على صحة الإنسان، وذلك لأنها توجد في الأغذية دون طعم، أو رائحة، أو مظهر غريب، مما يجعلها خطرة، حيث يعد أخطر الأضرار التي تنتجها هي سرطان الكبد، فهي تتسبب في تحورات جينية في خلايا الكبد، تؤدي إلى تكون أورام سرطانية.
وقد تسبب تلك المادة تسمم حاد عند تناول كمية كبيرة منها في وقت قصير، ومن اعراض التسمم هو الغثيان، والقيء، وآلام البطن، وتضخم الكبد، واصفرار الجلد، ونزيف داخلي، بالإضافة إلى الحالات الشديدة في فشل الكبد والتي تؤدي إلى الوفاة.
بالإضافة إلى تأخر النمو البدني، وانخفاض الوزن والطول، وضعف المناعة لدى الأطفال والمصابين بالأمراض المزمنة، وزيادة نسبة إصابة الأطفال بأمراض الكبد في سن مبكر، بالإضافة إلى تأثيرها غير المباشر على الحيوانات، فعند تغذي الماشية على أعلاف ملوثة تظهر بقايا الأفلاتوكسين في الحليب الذي ينتقل إلى الإنسان، مما يزيد من خطر إصابة الأطفال بالأخص.
أفضل الأصناف في العالم.. الفول السوداني سببًا في إرتفاع الاقتصاد المصري
نجحت جهود المجلس التصديري للحاصلات الزراعية في إضافة الفول السوداني للصادرات المصرية خاصةً إلى دول الإتحاد الأوروبي، وذلك نظرًا لجودة المحاصيل المصرية الكبيرة مقارنة بباقي الأصناف التي تنتجها دول العالم، حيث صدرت مصر في الآونة الأخيرة ما يقرب من 41 ألف طن من الفول السوداني، بقيمة مالية تتراوح بين 68 لـ 70 مليون دولار، أي تمثل 1% من قيمة الصادرات المصرية.
بيان وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي للحد من تلوث الفول السوداني بمادة الأفلاتوكسين
أصدرت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي في مصر بيان يهدف إلى الحد من تلوث الفول السوداني بمادة الـ Aflatoxin، لا سيما في ظل الأهمية الاقتصادية لهذا المحصول، حيث تعد مصر هي المصدر رئيسي لتصدير الفول السوداني إلى دول الإتحاد الأوروبي، ولذلك يقع على عاتقها فحص السموم الفطرية في المحاصيل، خاصةً سموم الأفلاتوكسين.
وجاءت التوصيات كلآتي: « تطبيق منظومة جديدة للإنتاج والفحص والتخزين، وإعداد الفول السوداني للتصدير، بالتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة، وتحديد الحدود القصوى لتركيز الأفلاتوكسين في الفول السوداني، بالإضافة إلى اعتماد معامل تحليل معترف بها دوليًا، حيث يعتبر المعمل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات والسموم الفطرية “QCAP” أول معمل مصري معتمد من دول الإتحاد الأوروبي لتحليل الأفلاتوكسين».
الإجراءات الوقائية للحد من إصابة الفول السوداني بمادة الأفلاتوكسين
حددت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي ووزارة التجارة والصناعة في مصر، إجراءات رسمية للحد من إصابة الفول السوداني بمادة الأفلاتوكسين، تتمثل في تسجيل واعتماد المزارع ومحطات التعبئة ومراكز التجميع ، وتوفير نظام للسجلات يشمل قائمة بالمبيدات المصرح باستخدامه، وتدريب المتخصصين في عمليات الرش وسجلات توضح تاريخ عمليات الرش والحصاد.
وذلك بالإضافة لتوفير مخازن مناسبة للمبيدات، وتطبيق نظام مكافحة متكامل لآفات المحاصيل التصديرية، وتوفير نظام تبريد سريع لاستقبال المحصول القادم من المزارع، وذلك بجانب منح أكواد محددة توضع على الكرتونة وطلب الفحص والشهادة الزراعية؛ لتسهيل عمليات التتبع.
بالإضافة إلى توصيات وزارة الزراعة للمواطنين، فيجب شراء تلك الثمار وخاصةً الفول السوداني من أماكن موثق منها، وتجنب الحصول على الفول السوداني الرطب أو المتعفن أو ذو رائحة كريهة، فقد يظهر العفن على هيئة بقع خضراء، أو زرقاء، أو رمادية، أو سوداء على القشرة أو الحبة نفسها، وفي بعض الأوقات يظهر “زغب” أو طبقة قطنية خفيفة، التي تعتبر مؤشرًا على نمو فطري، بالإضافة إلى هشاشه وتفتت الحبوب المصابة عند اللمس.
لذلك يجب وضع تلك الثمار في الثلاجات وجعلها جيدة التهوية، لا سيما يجب تحميص الفول السوداني قبل تناوله لأن ذلك يقلل من نسبة الأفلاتوكسين السامة، ولكن لا يزيلها تمامًا، حيث تعد تلك مادة السامة مستقرة حراريًا ولا تتكسر بسهولة بالحرارة، لكن التحميص الجيد يقلل من نسبة الرطوبة، مما يُحد من فرصة نمو الفطريات في المستقبل أثناء التخزين.
ومن خلال ذلك يتضح أن خطورة مادة الأفلاتوكسين السامة لا تؤثر فقط على الحالة الصحية، بل تتسع لتشمل جميع جوانب الحياة، فهي تعد قضية علمية وتنظيمية متشابكة، وإن الحد من تلك الفطريات يتطلب نهجًا توعويًا، ومراقبة المزارعين، وسن القوانين الصارمة للتقليل من نسب التلوث، والحد من الخسائر الاقتصادية لضمان سلامة المنتج المحلي والمصدر، ولهذا فالوقاية من الأفلاتوكسين تبدأ بالمعرفة وتنتهي بالمسؤولية.