تحقيق – وفاء العسكري
يعتقد البعض منا أن داء الكلب هذا هو مرض يصيب الحيوانات فقط، وخصوصًا الكلاب، أو ربما ينتقل عن طريق الكلب فقط، ولكن هذا غير صحيح، فهو قد يصيب الإنسان أيضًا، وبطرق عديدة ومختلفة ومن حيوانات أخرى، لا تخطر على عقلك.
حيث وصفت “بدر محمد” تجربتها مع داء الكلب، قائلًة: “منذ الصغر وأنا اقوم بتربية كلب بداخل منزلي، ومن طفولتي وأنا اختلط بالكلاب، حتى كلاب الموجودين بالشارع، وفي أحد المرات وأثناء اللعب مع كلبي “روكي”، قام بعضي من باب اللعب، وبدءت أشعر بالعديد من الأعراض غير الطبيعية في يومي”.
وتابعت “بدر”: “مثل الصداع المستمر على فترات متقاربة، وفرط الحركة المستمر برغم عدم معاناتي من مرض فرط الحركة، والشعور المعاكس تمامًا وهو الخمول غير متوقع، وفي بعض الأحيان أشعر بفقدان الطاقة والميل إلى العزلة، فذهبت لأحد أطباء المخ والأعصاب، وبعد الكشف وبعض الفحوصات”.
وأضافت “بدر محمد”: “سألني هل امتلك اي حيوان أليف في المنزل أو اختلط مع حيوانات الشارع كثيرًا، وبالطبع إجابتي كانت نعم امتلك كلبًا، وبعد الكثير من الفحوصات ظهر لي أنه من المفترض أن للكلب بعض التطعيمات الواجب تناولها، وبالانتقال إلى دكتور طب بيطري”.
واستطردت “بدر”: “اكتشفت أنه يجب اخذ التطعيمات حتى لو كلب منزلي لا يخرج للطريق، وبالطبع تابعت تطعيمات حيواني الأليف، وتابعت مع طبيب المخ والأعصاب لسرعة علاج حالتي قبل تدهورها، وبالفعل بعد تقريبًا عام، تم شفائي بنجاح”.
وقامت “مريم فؤاد” بإضافة بعد الكلمات إلى الحديث، قائلًة: “لقد تعرضت أيضًا لمرض داء الكلب، ولكن عندما سألني الطبيب عن الحيوان الأليف لم يكن كلبًا، بل كانت قطة في عمر الخمسة أشهر، وكانت بصحة وحالة جيدة تمامًا ولم يظهر عليها أية أعراض مرض، وبعد الحديث مع الطبيب عرفت أن كل هذا بسبب الإهمال أيضًا بصحة القطة والتطعيمات اللازمه”.
عرفت سهيلة عرفات طالبة في كلية الطب البيطري بجامعة الزقازيق، ماهو داء الكلب بالصيغة العلمية، قائلًة: “داء الكلب أو rabies هو عبارة عن عدوى من النوع الفيروسي تصيب العقل، وتنتقل عن طريق الحيوانات، وتسبب التهابًا في الدماغ”.
وأضافت “سهيلة”: “وليس العقل فقط بل تصيب أيضًا الحبل الشوكي، وبمجرد وصول الفيروس إلى الحيل الشوكي والعقل أو الدماغ، يصبح ذلك المرض الفيروسي قاتل بشكل حاد ودائم تقريبًا، ويظهر عن طريق الأشعة والفحص الأشعاعي، على هيئة كتلة من الإلتهاب بعد فترة محددة”.
وتابعت “طالبة الطب البيطري” حديثها: “هنالك العديد من الدراسات التي تثبت أن عدم علاج الحالة في أسرع وقت قد يؤدي إلى الوفاة، حيث يرجع تسمية هذا المرض الذي يخشاه البشر منذ القدم إلى أن 99% من المصابون كان سببه كلب مسعور”.
وأضافت “الطالبة”: “وذلك يرجع لعدم اهتمام أصحاب الحيوان الأليف أو الكلب الخاص بهم بتطعيماته الدورية والسنوية، وتقدر بعض الدراسات أنه يسبب 60 ألف حالة وفاة بين البشر سنويًا في أكثر من 150 دولة حول العالم، وتقدر تكلفة هذا الداء بنحو 8,6 مليار دولار أمريكي على مستوى العالم”.
أوضحت وعد محمد خريجة كلية الطب البيطري بجامعة الإسكندرية بعض الأسباب لحدوث داء الكلب، قائلًة: “في البداية يجب معرفة أن هذا الفيروس هو فيروس معدي أي ينتقل كالعدوى البشرية، وليس لأنه يسمى داء الكلب فهو يأتي من الكلب فقط، إذ يتواجد أيضًا في العديد من الحيوانات البرية والداجنة في معظم أنحاء العالم”.
أضافت “الخريجة”: “وتموت الحيوانات المصابة بداء الكلب بعد عدة أسابيع، وغالبًا تنشر المرض خلال تلك الفترة، وقد تنقلها لحيوان مثلها أو أي بشري متواجد في مساحتها، وينتقل هذا الفيروس عن طريق عض الحيوان المصاب للفرد، ولا يمكن أن ينتقل عن طريق اللعق، ومعنى هذا أنه لا يمر عن طريق الجلد السليم”.
وتابعت “وعد”: “ولكن ينتقل أيضًا عن طريق الفم أو الأنف بسبب التعرض المستمر لإستنشاق الكثير من الفطريات المتواجدة في محيط الحيوان المصاب، وكما ذكرنا أن هنالك بعض الحيوانات التي تنقل داء الكلب وليس الكلب فقط، بل القطة والخفاش وحيوانات الراكون والثعالب، والعديد من الحيوانات البرية وغيرها”.
وعن دراساتها في أمريكا حول الطب البيطري، قالت: “أثناء دراستي في جامعة أمريكية، وجدت معلومة بداخل الكتاب أن اللقاح في الولايات المتحدة أدى إلى القضاء على داء الكلب تقريبًا، وأن المصدر الوحيد لهذا الداء هو الغابات والحيوانات البرية، وغالبًا تكون الخفافيش وفي المرتبة الثانية الثعالب ثم الراكون”.
وأشارت “خريجة الطب البيطري” إلى الحالات التي مرت بها خلال دراستها: “وتحدث بعض الحالات في أمريكا بسبب التعرض للعض من قِبل الخفافيش المصابة، وفي البلدان التي لا يتم فيها تطعيم الكلاب بشكل مستمر”.
واختتمت “وعد” حديثها، قائلًة: “مثل بلاد أمريكا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط، والصدمة هنا كانت ظهور حالات داء الكلب لأشخاص تمتلك القرود، ونادرًا ما يصيب الداء القوارض والطيور وبعض الزواحف”.
فسرت الدكتورة أسماء عبد اللطيف مدرس التوليد والتناسل والتلقيح الإصطناعي في كلية الطب البيطري بجامعة الزقازيق، ماهى سيكولوجية أو ديناميكية داء الكلب، موضحًة: “سيكولوجية هذا المرض تبدء عن طريق دخول الفيروس بعد عضة الحيوان المصاب إلى الأعصاب المحيطة بمنطقة العض، ثم ينتقل الفيروس للجهاز العصبي المركزي عن طريق الأوعية الدموية”.
وتابعت “أسماء” بعد سؤالها عن ما مدة فترة الحضانة: “فترة الحضانة للفيروس قد تطول أو تقصر على حسب مكان العضة وعمقها أيضًا، وكمية الفيروسات المنتقلة من لعاب الحيوان المصاب إلى الإنسان، وأيضًا قرب تلك العضة أو الإصابة من الجهاز العصبي المركزي، فكلما كانت أقرب كلما كانت فترة الحضانة أقصر، وتتراوح بين 20 – 100 يوم تقريبًا”.
واستطردت “الدكتورة”: “وفي بعض الحالات النادرة قد تصل تلك الفترة إلى أعوام أي من 7 أعوام إلى 20 عامًا، ولكن في أكثر الحالات بنسبة 92% تكون فترة الحضانة أقل من عام، وفي فترة الحضانة ينتقل الفيروس عبر السيالات العصبية في الأعصاب المحيطة بمعدل 12 – 16 مللي متر في اليوم الواحد، حتى يصل إلى العقد القاعدية ويبدأ في تلك العقد بالتضاعف”.
وأكملت “مدرس الطب البيطري”: “وهنا في تلك المرحلة تبدأ الاعراض السريرية للمرض مثل ألم وخدر وتخميل وبعض من الخمول في جميع الجسد، وعندها ينجح الفيروس في الوصول إلى الجهاز العصبي المركزي، وتزداد سرعته حتى تصل إلى 400 مللي متر في اليوم الواحد، وذلك يزيد من الالتهاب الدماغي الفيروسي سريع الانتشار، حتى يصل إلى الغدد اللعابية وباقي الأعصاب بسرعة مدهشة”.
وأما عن الأعراض التي تظهر على الإنسان أوضحت “الدكتورة”: “الأعراض هنا على مرحلتين الأولى تستمر من يوم إلى 4 أيام وفيها تظهر الحمى، الصداع، التعب، الغثيان، ويصبح حلق المريض يؤلمه، والسعال الجاف، أما في المرحلة الثانية تظهر سيلان اللعاب، التعرق، فرط الحركة، الخوف، انعدام النوم، والتوتر المستمر”.
وتابعت “عبد اللطيف”: “والمصابون برهاب الماء هنا في خطر بسبب احتقان الحلق لا يستطيعون شرب الماء، وبالإضافة إلى حساسية المريض من حركة الهواء أو الضجيج، ويحدث الموت خلال أيام قليلة أو يصاب المريض بحدوث شلل نومي في عضلات الرأس، وهنالك أشخاص يقضي المرض عليها خلال 5 أيام بسبب الشلل القلبي والتنفسي الناجم عن الفيروس”.
واردفت “الدكتورة أسماء”: “وفي الوقت الحالي لا يوجد تشخيص واضح إلا بعد ظهور الأعراض السريرية السابقة، وربما يكون من الصعب تشخيصها أيضًا، ولكن هنالك طرق وقاية يمكن اتباعها مثل الغسل واسع النطاق والعلاج الموضعي فور العض مباشرة، ويكون الغسل لمدة لا تقل عن 15 دقيقة مع الصابون والماء ومنظفات اليود”.
واختتمت “مدرس التوليد” حديثها: “وبالطبع يجب الكشف الفوري على الحيوان الأليف المصاب، ومتابعة حالته بشكل دوري ومستمر، وللوقاية قبل الإصابة، يجب متابعة التطعيمات والأدوية الخاصة بالحيوان الأليف، وتعقيم الأيدي بعد اللعب مع الحيوان وتجنب ملامسة لعابه عين الفرد أو فمه وحتى أنفه للحفاظ والوقاية”.