تحقيق – لبنى عسكورة
مما لا شك فيه أن الحضارة المصرية هى أقدم الحضارات في العالم، ومهدًا لجميع الثقافات والأديان، حيث تمتاز بتاريخها الغني والمتنوع من بين مكونات هذا التاريخ، تُشكل الجالية اليهودية جزءًا لا يتجزأ من النسيج الثقافي والديني للبلاد على مدار القرون.
مصر بلد مجمع الأديان ومهد الحضارة
في هذا التحقيق، نأخذكم في جولة حول أهم الأماكن التي يوجد بها الآثار اليهودية في مصر، من المعابد القديمة والمقابر والتي تمثل شواهد حية على تاريخ التعايش والتفاعل بين الثقافات، نستكشف تاريخ هذه المواقع، وأهميتها الثقافية الوطنية، وكيفية احترام التعايش بين مختلف الشعوب في مصر، وسنسلط الضوء على هذه الكنوز التاريخية التي لا تزال تحكي حكايات عبر الزمن.
دكتور الآثار يوضح المعلومات التاريخية للآثار اليهودية
أكد خبير الآثار الدكتور “عبدالرحيم ريحان” عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، أن تعامل وزارة السياحة مع الآثار اليهودية بمصر باعتبارها آثارًا مصرية تتساوى مع الأماكن الأثرية المصرية القديمة واليونانية والرومانية والمسيحية والإسلامية من حيث الحفاظ عليها وترميمها وتطويرها وتوثيقها علميًا.

الدكتور “عبدالرحيم ريحان” عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة
معبد “إلياهو حنابى” بالإسكندرية
وأشار الدكتور “ريحان” إلى أن المعابد اليهودية هى متاحف فى حد ذاتها حيث يضم الدولاب المقدس بكل معبد الأسفار اليهودية، ومنها معبد “إلياهو حنابى” بالإسكندرية الذى يضم 36 سفر من أسفار اليهود ومجموعة مقتنيات مثل المينورا وهى الشمعدان السباعى العبرى القديم ذى المدلول الخاص فى اليهودية.
كنيسة تحولت إلى معبد يهودي
وغيرها من المقتنيات المرتبطة بالمعبد نفسه وكذلك تحفة إسلامية شهيرة بمعبد بن عزرا بمصر القديمة وهى ثريا نحاسية تتدلى من السقف على شكل مخروط من إهداء السلطان المملوكى قلاوون الذى حكم مصر من عام (678 – 689 هـ) الموافق (1280- 1290م )، وعليها اسماء الخلفاء الراشدين وقد كان هذا المعبد كنيسة تسمى كنيسة الشماعين مؤرخة بالقرن السادس إلى التاسع الميلادى وباعتها الكنيسة الأرثوذكسية للطائفة اليهودية وارتبطت هذه التحفة بالكنيسة والمعبد تاريخيًا.
المعبد الأقدم والأشهر في الشرق الأوسط
وأوضح “خبير الآثار” أن معبد إلياهو هانبي بالإسكندرية يعد من أقدم وأشهر معابد اليهود في الشرق الأوسط ويقع في شارع النبي دانيال ويجاور مسجد النبي دانيال والكنيسة المرقسية أقدم كنيسة في مصر وأفريقيا والمركز الثقافي الفرنسي، شيد عام 1354، وتعرض للقصف من الحملة الفرنسية عام 1798، وأعيد بناء المعبد مرة أخرى وزيادة مساحته إلى 4200 م2 عام 1850م بتوجيه ومساهمة من أسرة محمد علي باشا.
البناء الهيكلي للمعبد
وصمم على الطراز البازيليكي من بناء مستطيل الشكل مدخله الرئيسي في الواجهة الغربية ويعلوها نجمة سداسية، ويتكون المعبد من طابقين الأول للرجال مكون من صفوف من المقاعد الخشبية تسع 700 شخص وبه صناديق من الرخام مخصصة لجمع التبرعات وعدد من الحجرات مستخدمة كمكاتب، والطابق الثاني للسيدات.
تحتلف المعابد باختلاف الطوائف اليهودية
وأشار الدكتور “عبدالرحيم” إلی أن معابد اليهود في مصر كانت حسب الطائفة فمنهم طائفة «الربانيين»، وهم من يؤمنون بالتوراة كتاب الرب والتلمود كلام البشر ومن معابدهم معبد«بن عزرا» بمصر القديمة، وطائفة «القرائين»، وهم من يؤمنون بالتوراة فقط وصلاتهم بها ركوع وسجود ومعابدهم مفروشة بالسجاد ويخلعون أحذيتهم خارج المعبد، وطائفة «الأشكناز» وهم اليهود من أصل أوروبى.

المعابد اليهودية في مصر
10 معابد يهودية مسجلة في عداد الآثار
وأشار أيضا دكتور الآثار إلى وجود 10 معابد يهودية مسجلة في عداد الآثار في مصر، 9 بالقاهرة، ومعبد بالإسكندرية، وتعامل شأنها شأن الآثار المصرية القديمة والمسيحية والإسلامية كجزء من التراث الحضارى المصرى، ومنها معبد«بن عزرا» بمصر القديمة المسجل عام 1984، ومعبد«موسى بن ميمون» بحارة اليهود بالموسكى، والمسجل عام 1986، و«حاييم كابوسى» بحارة اليهود والمسجل عام 1987، و«شعار هشمايم» بشارع عدلى ومسجل عام 1987، ومعبد«نسيم أشكنازى» بشارع الجيش المسجل عام 1995.
ومعبد اليهود «الأشكناز»، بشارع الجيش مسجل عام 1999، ومعبد«كرايم» بالظاهر المسجل عام 1996، ومعبد«موسى الدرعى» بالعباسية والمسجل 1997، ومعبد«حنان» بقنطرة غمره والمسجل عام 1997، ويوجد بالإسكندرية معبدواحد مسجل وهو معبد«إلياهو النبى» بشارع النبي دانيال ومسجل عام 1987.
وثائق تاريخية تكشف عن حياة اليهود الإقتصادية والاجتماعية في مصر
وأضاف الدكتور ريحان أن المقبرة الوحيدة المسجلة كأثر هى «حوض موصيرى»، المسجل عام 1989 والمدفون به عائلة «موصيرى» الشهيرة بمقابر اليهود بالبساتين، كما كانت مقبرة «للجنيزاه»، وهى الوثائق الخاصة بطائفة اليهود في مصر والتي تكشف عن حياتهم الاقتصادية والاجتماعية في مصر، وكانت هناك حجرة بالدور الثانى بمعبد«بن عيزرا» تخزن بها الأوراق غير المستخدمة والتي تحتوى على اسم الله لأنها لا تحرق وبعد امتلاء هذه الحجرة تؤخذ «الجنيزاه» لتدفن في مقابر البساتين في احتفال كبير.
وينوه ريحان إلى وثائق الجنيزا اليهودية فى مصر والمستخرج جزء منها من معبد بن عزرا بمصر القديمة عام 1896وجزء آخر من مقابر الجنيزا بالبساتين عام 1987، تلقى الضوء على حياة اليهود فى مصر فى العصر الحديث وتم دراسة أجزاء منها.
جهود وزارة السياحة والآثار لتطوير آثار اليهود
تقوم الحكومة المصرية ممثلة في وزارة السياحة والآثار بترميم الآثار المصرية المسجلة عبر خطة تم إدراجها في قطاع المشروعات بالوزارة، وتقتصر عملية الترميم حاليًا على الآثار المسجلة فقط، ففي الفترة الأخيرة حرصت الدولة على إعادة تأهيل المعالم الدينية التراثية بعمليات ترميم وصيانة شاملة، حيث أن الوزارة بدأت بالأثر الأكثر ضررا لإنقاذه سواء معبد يهودي أو كنيسة أو مسجد.

الآثار اليهودية في مصر
أعلن وزير الآثار خالد العناني، في ديسمبر 2018، أن السيسي أمر بتخصيص أكثر من 71 مليون دولار لإحياء التراث اليهودي في البلاد، وفي الشهر ذاته وعلى عكس السنوات السابقة أقيم حفلان لإضاءة شموع “عيد الأنوار” في معبدين يهوديين بالقاهرة، وحضر أحد الحفلين السفير الإسرائيلي لدى مصر دافيد غوفرين، والذي كان قد زار أيضًا وبشكل علني خلال الفترات الأخيرة الأماكن المقدسة اليهودية بما في ذلك كنيس إلياهو هانبي في الإسكندرية، وقبر الحاخام يعقوب أبو حصيرة في شمال مصر.
جهود الدولة في ترميم الآثار اليهودية
شرعت الإدارة المصرية خلال الفترة الماضية على رفع كفاءة المناطق الأثرية لتستعيد رونقها والذي فقدته على مدى سنوات عانت خلاله من الإهمال، كجزء من خطة التنمية والتطوير الشامل، وعملية التطوير هذه لم تقتصر فقط على منطقة أثرية بعينها ولا قطاع واحد من الآثار، فقد شمل جميع المناطق الأثرية والقطاعات، سواء كانت أثار إسلامية أو قبطية أو يهودية أو فرعونية، وهي دليل قاطع أن هذا البلد بهويته الوطنية كان ولا يزال جامع لكل الثقافات والأديان.
ومن أبرز عمليات الترميم، ترميم معبد “إلياهو هانبي” بمحافظة الإسكندرية، و”المعابد اليهودية” هي خطوة هامة للتعايش بين الأديان والجذب السياحي، فقد أكد من قبل الرئيس السيسي تأكيدًا على أن مصر تحتضن جميع الأديان وتبين ذلك في قوله: “لو إحنا عندنا في مصر ديانات أخرى كنا هنبني لهم دور عبادة، لو في يهود سنبني لهم”
وأضاف: “إن الدولة أصبحت معنية ببناء الكنائس لمواطنيها لأن لهم الحق في العبادة”، جاء ذلك خلال جلسة “دور قادة العالم في بناء واستدامة السلام” ضمن فعاليات منتدى شباب العالم في نسخته الثانية بمدينة شرم الشيخ، بعام 2018.
قرارات مشاريع ترميم التراث اليهودي
تقدمت 11 مؤسسة يهودية من مختلف دول العالم في فبراير 2016، تتزعمها “اللجنة الأمريكية اليهودية” بمذكرة للحكومة المصرية تطالبها بالاعتراف بالتراث اليهودي في مصر، وبالفعل تم الاستجابة لهذه المذكرة وقامت الحكومة بتشكيل لجنة لتسجيل التراث اليهودي بمصر.
وأعلنت في أغسطس 2017 عن مشروع لترميم المعبد اليهودي في الإسكندرية بتكلفة 100 مليون جنيه مصري، ضمن حزمة مشاريع ترميم تراث اليهود.
واعتمد المشروع على منحة مقدمة من المركز الأمريكي للأبحاث ARCE بالقاهرة، وتم الاستعانة بخدمات مجموعة من المقاولين، لمباشرة أعمال التطوير والصيانة، كما جرى تطوير معبد “مادجار” بمصر الجديدة الذى تم إنشاؤه عام 1928.
أقدم وأشهر المعابد اليهودية بالقاهرة
يُعتبر معبد بن عزرا من أقدم المعابد اليهودية في مصر، الذي يقع في منطقة الفسطاط بحي مصر القديمة، ويعد هذا المعبد واحدا من أكبر وأهم المعابد، ويرجح أنه كان في الأصل كنيسة قبطية أرثوذكسية تم بيعها لأحد أفراد الجالية اليهودية في مصر عام 882م، وتم تسميته على اسم إبراهام بن عزرا العالم الديني والفيلسوف اليهودي.
يتبع المعبد التخطيط البازيلكي الثلاثي، كل من جانبيه ذو مستويين العلوي مستغل كشرفة للنساء، وبوسط المعبد توجد البيما أو المنبر حيث تُقرأ الصلوات في منتصف المعبد، ويُوجد بالمعبد هيكل يمثل اتجاه الصلاة وهو أقدس عنصر في المعبد اليهودي، مُزين بأسلوب الأرابيسك ومُطعم بعرق اللؤلؤ في دمج للتقاليد الفنية المختلفة، كما كُتبت عليه الوصايا العشر باللغة العبرية، بالإضافة إلى زخارف مرتبطة بالديانة اليهودية كالمنوارة والكتابات العبرية.
اكتسب المعبد أهمية كبيرة بسبب الاكتشافات التي تمت به عام 1888، حيث عُثر بداخله على مجموعة كبيرة من الوثائق التاريخية التي أمدتنا بمعلومات هامة عن التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والديني للطائفة اليهودية، وأصبح هذا الاكتشاف معروفاً باسم جينيزا القاهرة.
كما يعد معبد “عدلي” من أشهر المعابد اليهودية بالقاهرة، يقع بشارع عدلي بوسط العاصمة، وبنى عام 1905 برعاية عدة عائلات يهودية أرستقراطية على رأسها عائلة “موصيري”، وتزخر مكتبته بنوادر المخطوطات التي جمعت من المعابد اليهودية المصرية المغلقة، وسميت “مكتبة التراث اليهودي”.
ومعبد “موسى بن ميمون”، الذي يقع في منطقة العباسية بمحافظة القاهرة، وكانت تقام فيه الشعائر الدينية حتى عام 1960، وفي عام 1986 سُجّل المعبد كآثار بسبب أهميته التاريخية والدينية والمعمارية، حيث شيّد هذا المعبد في نهاية القرن الـ 19 في نفس المكان الذي أقام فيه موسى بن ميمون إثر وصوله لمصر هاربا من الأندلس التي كان اليهود يتعرضون فيها للاضطهاد، وأيضا يأتي من أهم المعابد في القاهرة معبد “مائير عينايم” الذي أقامه اليهودي مائير بيطون.
التراث اليهودي في الإسكندرية
كان هناك 20 معبدا حتى عام 1930، منتمية إلى أعراق ومجتمعات متباينة ما بين يهود مغاربة وأتراك وإيطاليين وإسبان وفرنسيين ويهود مستعربين، كما كان للطائفة مجلس عام يتكون من حاخام باشي، ونائب الحاخام، ورئيس، ونائبه، وسكرتير.
وأسس البارون يعقوب عام 1860 بميدان المنشية معبد “منشه”، ومعبد “إلياهو حزان” بشارع فاطمة اليوسف بحي سبورتنج الذي أنشئ عام 1928.
وشيدت عائلة جرين “معبد جرين” بحي محرم بك عام 1901، ومعبد “يعقوب ساسون” الذي شُيّد خلال عام 1910 بمنطقة جليم بالإسكندرية، و“معبد كاسترو” الذي أنشأه موسي كاسترو بعام 1920 بحي محرم بك.
بالإضافة إلي معبد “نزاح اسرائيل الاشكنازي”، ومعبد “شعار تفيله” الذي أسسته عائلتا “انزاراوت” و”شاربيه” عام 1922 بحي كامب شيزار.