كتبت – بسمة غربية
بالرغم من اختلاف خطورة وأعراض مرض التوحد من حالة إلى أخرى، إلا أن جميع اضطرابات الذاتوية تُؤثر على قدرة الطفل على الاتصال مع المحيطين به وتطوير علاقات متبادلة معهم.
يُعرف التوحد بإسم الذاتوية أو اضطراب التوحد الكلاسيكي، هو اضطراب النمو العصبي الذي يتصف بضعف التفاعل الاجتماعي والتواصل اللفظي وغير اللفظي وأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة، وتتطلب معايير التشخيص ضرورة أن تصبح الأعراض واضحة قبل بلوغ الطفل ثلاث سنوات من العمر، ويؤثر التوحد على عملية معالجة البيانات في المخ وذلك بتغييره لكيفية ارتباط وانتظام الخلايا العصبية ونقاط اشتباكها، إلا أن كيفية حدوث ذلك غير مفهوم تماماً حتى الآن.
يعتبر التوحد واحدًا من بين ثلاثة اضطرابات تندرج تحت طيف التوحد (ASDs)، ويكون الاضطرابان الثاني والثالث معًا متلازمة أسبيرجر، التي تتميز بتأخر النّمو المعرفي واللّغوي لدى الطّفل، أو ما يعرف بإضطراب النمو المتفشي ويتم تشخيصه في حالة عدم توفر معايير تشخيص مرض التوحد أو متلازمة أسبرجر.
ويرجع للتوحد أسس وراثية قوية، على الرغم من أن جينات التوحد معقدة، ومن غير الواضح ما إذا كان يمكن تفسير سبب التوحد من خلال الطفرات النادرة وحدها، أم من خلال تظافر مجموعات نادرة من المتغيرات الجينية المشتركة، وفي بعض الحالات النادرة يرتبط التوحد ارتباطًا وثيقًا مع العوامل المسببة للتشوهات الخلقية، وتحيط الخلافات بالمسببات البيئية الأخرى، مثل المعادن الثقيلة والمبيدات الحشرية أو لقاحات الطفولة، ولا يمكن تصديق افتراض اللقاح بيولوجيًا؛ لقلة الأدلة العلمية المُقنعة.
تُفيد التقديرات على المستوى العالمي أن مرض التوحد يؤثر على 24.8 مليون شخص اعتبارًا من عام 2015، في العِقد الأول من القرن العشرين، قُدّرت نسبة الأشخاص المتأثرين عالمياً بـ 1-2 لكل 1000 شخص في جميع أنحاء العالم في البلدان المتقدمة، يتم تشخيص نحو 1.5% من الأطفال الذين يعانون من طيف التوحد اعتبارًا من عام 2017 وذلك بزيادة من نسبة 0.7% في عام 2000 في الولايات المتحدة.
يظهر التوحد للمرة الأولى في مرحلة الطفولة، فهو اضطراب متغير بدرجة ملحوظة في النمو العصبي، ويتبع مسارًا ثابتًا دون سكون، تبدأ الأعراض الظاهرة تدريجيًا بعد عمر الستة أشهر، وتثبت في عمر العامين أو ثلاثة أعوام، وتميل إلى الاستمرار خلال مرحلة البلوغ، على الرغم من أنها في كثير من الأحيان تظهر في شكل أكثر فتورًا أو ضآلة، ويتميز المرض بوجود ثلاثة أعراض محددة: ضعف في التفاعل الاجتماعي، وضعف في التواصل، واهتمامات وأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة. وهناك جوانب أخرى شائعة مثل وجود نمط معين في تناول الطعام ،ولكن هذا لا يعتبر عاملاً في تشخيص المرض، وتنتشر أعراض التوحد بين عامة السكان، والظاهر أنها ليست مقترنة بهم بشكل كبير، ولا يوجد خط فاصل يميز بين المصابين بالمرض بشدة وبين من توجد لديهم الأعراض الشائعة.
يعاني الأطفال المصابون بالتوحد بشعور قوي ومتكرر بالوحدة، وذلك مقارنة مع أقرانهم غير المصابين، على الرغم من الاعتقاد الشائع بأن الأطفال المصابين بالتوحد يفضلون أن يكونوا بمفردهم، وأثبت أن تكوين الصداقات والحفاظ عليها يصعب على هؤلاء، فبالنسبة لهم عدد الأصدقاء، وليس نوعية الصداقة، يجعلهم يشعرون بالوحدة، فالصداقات الفعالة مثل التي تتكون عن طريق الحفلات ربما تؤثر في حياتهم بشكل أعمق.
يجب تقليل حالات العجز المرتبطة بالطفل المصاب وتقليل ضيق الأسرة وزيادة جودة الحياة والاستقلال الوظيفي، ولا يوجد علاج يعتبر الأفضل، ويتم تفصيل العلاج عادة تبعًا لاحتياجات الطفل، وتعتبر الأسر والنظم التعليمية هي الموارد الرئيسية في عملية العلاج، وواجهت دراسات التدخل مشكلات منهجية حالت دون استنتاجات نهائية حول الفعالية، على الرغم من أن للعديد من التدخلات النفسية والاجتماعية أدلة إيجابية، وهو ما يشير إلى أن بعض أشكال العلاج أفضل من عدمها، فإن الجودة المنهجية لهذه الدراسات كانت سيئة بشكل عام، وكانت نتائجها الطبية في معظمها نتائج مؤقتة، وهناك القليل من الأدلة التي تبرهن على سوء فعالية خيارات العلاج.
يعد تقييم الذكاء لدى الأطفال المصابين بإضطراب طيف التوحد شيئًا ضروريًا من أجل تسليط الضوء على إمكانياتهم وبناء الخطط التعليمية والحياتية المناسبة لهم، وقد أوصى بعض الباحثين باستخدام مقاييس ذكاء غير لفظي، وعلى وجه التحديد مقياس لايتر-3 مع الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، حيث تشير الأدلة الحالية إلى أن الأطفال المصابين بالتوحد قد يكون أداؤهم في مقياس لايتر-3 أفضل من أداء بطاريات الذكاء التقليدية.
يوجد عددٌ من الأدوية لها تأثير فعال على علاج سلوك الطفل الذي يعاني من التوحد ومن هذا السلوك (فرط النشاط أو القلق أو نقص القدرة على التركيز أو الإندفاع) والهدف من الأدوية تخفيف هذا السلوك حتى يستطيع الطفل أن يمارس حياته التعليميه والاجتماعية بشكل سوي إلى حد ما وعند وصف أي دواء للآباء لا بد من ضمان الأمان الكامل لأبناءهم.
ونظراً لكون مرض التوحد حالة صعبة جدا ومستعصية ليس لها علاج شاف، يلجا العديد من الاهالي إلى الحلول التي يقدمها الطب البديل (Alternative medicine). ورغم ان بعض العائلات افادت بانها حققت نتائج ايجابية بعد علاج التوحد بواسطة نظام غذائي خاص وعلاجات بديلة أخرى، الا ان الباحثين لا يستطيعون تاكيد، أو نفي، نجاح هذه العلاجات المتنوعة على مرضى التوحد.
تسبب الإصابة بالحصبة الألمانية أثناء الحمل أقل من 1% من حالات التوحد، فإن التطعيم ضد الحصبة الألمانية يمكن أن يمنع الكثير من تلك الحالات.
جدير بالذكر أن ظهرت ثقافة التوحد، مصحوبةً بحركات الدفاع عن حقوق مرضى التوحد والحركات العصبية. تشمل الفعاليات: اليوم العالمي للتوحد وأحد التوحد ويوم فخر التوحد وغيرها، تشمل المنظمات المكرسة لتعزيز الوعي بالتوحد: اللجنة الوطنية للتوحد وجمعية التوحد الأمريكية. ويدرس علماء العلوم الاجتماعية المصابين بالتوحد على أمل معرفة المزيد عن “التوحد كثقافة، والمقارنات بين الثقافات والأبحاث حول الحركات الاجتماعية. وفي حين أن معظم الأفراد المصابين بالتوحد لا يتمتعون بمهارات قوية، فإن الكثير منهم نجحوا في مجالاتهم.