تقرير – وفاء العسكري
يعتبر الوسواس القهري أو ما يعرف طبيًا باسم obsessive-compulsive” “disorder، ويتسم اضطراب الوسواس القهري “OCD”، بنمط من الأفكار والمخاوف غير المرغوب فيها، وماهى إلا “وساوس” تدفعك إلى القيام بسلوكيات تكرارية “سلوكيات قهرية”، التي تعيق هذه الوساوس والسلوكيات القهرية، الأنشطة اليومية، وتتسبب في ضيق شديد.
ويمكنك محاولة تجاهل وساوسك أو إيقافها، لكن لن يؤدي هذا سوى لزيادة شعورك بالضيق والقلق “Anxiety”، وفي النهاية تشعر بأنك مدفوع لأداء السلوكيات القهرية، في محاولة لتخفيف التوتر، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتجاهل هذه الأفكار أو الدوافع المزعجة أو التخلص منها، فأنك تستمر في التفكير فيها، ويؤدي هذا إلى مزيد من السلوك الطقوسي، وهى عبارة عن حلقة المفرغة لاضطراب الوسواس القهري.

الوسواس القهري
ويعتبر الوسواس القهري كمفهوم هو نوع من الإضطرابات النفسية المرتبطة بالقلق، تتميز بأفكار ومخاوف غير منطقية “وسواسية”، تؤدي إلى تكرار بعض التصرفات بطريقة إجبارية ولا إرادية “قهريًا”، مما يعوق الحياة اليومية، ويحاول المصابون بالوسواس القهري إيجاد طريقة لأقناع أنفسهم، أن ذلك أمر طبيعي، وأنه لا يوجد أي خطأ.
وهنالك العديد من أنواع الوسواس القهري وهى الأكثر انتشارًا في المجتمع، مثل وسواس النظافة وهو قلق الشخص الدائم من عدم نظافة المكان من حوله، ودائمًا ما يحاول تنظيف المكان عدة مرات، ووسواس التأكد وهنا يتأكد المريض كل دقيقة من نفس الشئ، وفي كل مرة يفعل نفس التصرف دون توقف، وذلك لشعوره بالقلق من النسيان، ووسواس الترتيب والتناسق وهو الأكثر انتشارًا فالمريض هنا عندما ينظر لشئ غير مرتب أو غير منظم، يشعر وكأن هنالك شئ خطأ في المكان، وعلى الفور يتحرك لتنظيم كل شئ من حوله، ووضع كل شئ في مكانه بدقة.
ومن الأشياء التي يقوم بها المصاب غسل اليدين حتى تؤلمه بشرته من كثرة الفرك، وفحص الأبواب بشكل متكرر للتأكد من قفلها، وفحص الموقد بشكل متكرر للتأكد من إيقاف تشغيله، والعد بأنماط معينة، ترتيب المعلبات بحيث تأخد نفس الشكل، ترتيب الطاولة بحيث يتطابق كل طبق بجانب الأخر، والكثير من وساوس النظام والترتيب والصحة، وكل ذلك نتيجة لقلق المصاب.
وعادةً ما يشمل اضطراب الوسواس القهري كلًا من الوساوس والأفعال القهرية، ولكن من الممكن أيضًا أن تظهر عليك أعراض وسواس فقط أو أعراض أفعال قهرية فقط، وربما لا تدرك أن وساوسك أو أفعالك القهرية مفرطة أو غير معقولة، ولكنها تستهلك قدرًا كبيرًا من الوقت، وتتداخل مع روتينك اليومي، وأدائك الإجتماعي أو في العمل.

اعراض الوسواس القهري
وغالبًا ما تتمحور هذه الوساوس حول مواضيع معينة، مثل الخوف من التلوث أو القاذورات، الشك ومواجهة صعوبة في تحمل عدم اليقين، الحاجة إلى أن تكون الأشياء بشكل منظم ومتناسق، أفكار عدوانية أو مروعة حول فقدان السيطرة، وإيذاء نفسك أو الآخرين، أفكار غير مرغوب فيها، بما في ذلك العنف أو الموضوعات الدينية.
وتتضمن أعراض ومؤشرات الوسواس القهري ما يلي: الخوف من التعرض للتلوث عبر لمس أشياء قام آخرون بلمسها، الشك في أنك أغلقت الباب أو أطفأت الموقد، التوتر الشديد عندما تكون الأشياء غير مرتبة أو في اتجاه معين، صور لقيادة سيارتك وسط حشد من الناس، أفكار حول الصراخ بألفاظ بذيئة أو التصرف بشكل غير لائق في الأماكن العامة، تجنب المواقف التي يمكن أن تحفز الوساوس، مثل المصافحة بالأيدي.
ويواجه الأشخاص الذين يعانون من أعراض الـ “OCD” تدخلها في كل جوانب الحياة اليومية، وتؤثر عليه بالسلب، إذ قد تؤثر على إنتاجية العمل، أو علاقات الطفل في المدرسة، أو العلاقات الشخصية بوجه عام، وترتبط الأعراض الوسواسية بالخوف والقلق من مواقف أو أشياء معينة، ويمكن أن تنطوي على ما يلي: الخوف من التلوث والجراثيم، أفكار عدوانية تجاه النفس أو الآخرين، ترتيب الأشياء بصورة متماثلة، أو بترتيب مثالي.
وتنقسم أعراض الوسواس القهري إلى نوعين، الأول هو الأعراض الوسواسية وهى أفكار وتخيلات متكررة مرارًا، أو عنيدة ولا إرادية، أو دوافع لا إراديّة تتسم بأنها تفتقر إلى أي منطق، وهذه الوساوس يثير الإزعاج والضيق عند محاولة توجيه التفكير إلى أمور أخرى، أو عند القيام بأعمال أخرى، وأما الثاني فهو أعراض قهرية وهى تصرفات متكررة نتيجة لرغبات ودوافع جامحة، لا يمكن السيطرة عليها، هذه التصرفات المتكرّرة.
ويفترض بها أن تخفف من حدة القلق أو الضائقة المرتبطة بالوسواس، فمثلًا الأشخاص الذين يعتقدون بأنهم دهسوا شخصًا آخر يعودون مرارًا إلى مسرح الأحداث، إذ أنهم لا يستطيعون التخلص من الشكوك، وأحيانًا قد يخترعون قوانين وطقوسًا، تساعد على التحكم بالقلق المستثار، نتيجة للأفكار الوسواسية، تشمل الأعراض المرتبطة بالتصرف القهري: فحص متكرر للفرن للتأكد من أنّه مطفأ، العد والإحصاء بأنماط معيّنة.
وهنالك عدة عوامل لأسباب الوسواس، وتنقسم إلى عوامل بيولوجية وهى توفر بعض الأدلة التي تشير إلى أن اضطراب الوسواس القهري، هو نتيجة لتغير كيميائي يحصل في جسم الشخص المصاب، أو في أداء دماغه، كما أن هنالك أدلة على أن الإضطراب قد يكون مرتبطًا بعوامل جينية وراثية معينة، لكن لم يتم تحديد وتشخيص الجينات المسؤولة عن اضطراب الوسواس القهري.
بالإضافة إلى عوامل بيئيّة وهى يعتقد بعض الباحثين بأن اضطراب الوسواس القهري، ينتج عن عادات وتصرفات مكتسبة مع الوقت، ودرجة غير كافية من السيروتونين، والسيروتونين هو إحدى المواد الكيميائية الضرورية لعمل الدماغ، إذا كان مستوى السيروتونين غير كاف ٍ، وأقل من اللازم، فمن المحتمل أن يُساهم ذلك في نشوء الإضطرابات.
وتبين أن أعراض اضطراب الوسواس القهري تتقلص وتخف حدتها لدى الأشخاص المصابين، ويتعاطون أدوية ترفع من فاعلية السيروتونين، والجراثيم العقدية “Streptococcus” في الحنجرة، فهنالك أبحاث تدعي بأن الوسواس قد تطوّر لدى أطفال معينين عقب الإصابة بالتهاب الحنجرة، الناجم عن الجراثيم العقدية في الحنجرة، لكن الآراء انقسمت حول مصداقية هذه الأبحاث.
وقد لا يؤدي علاج اضطراب الوسواس القهري إلى التخلص من المشكلة، ولكنه يمكن أن يساعد في السيطرة على الأعراض، حتى لا تتحكم في حياتك اليومية، واعتمادًا على شدة اضطراب الوسواس القهري، قد يحتاج بعض الأشخاص إلى علاج طويل الأمد أو مستمر أو أكثر كثافة.
والعلاجان الرئيسيان لاضطراب الوسواس القهري هما العلاج النفسي والأدوية، وغالبًا ما يكون العلاج أكثر فاعلية عند الجمع بين هذين النوعين من العلاج، فالعلاج النفسي هو العلاج السلوكي المعرفي “CBT”، وهو خيار فعال للعديد من الأشخاص المصابين، وينطوي التعرض ومنع الإستجابة “ERP” على تعريضك تدريجيًا، لعنصر مخيف أو وسواس ما مثل الأوساخ، وتعريفك بوسائل مقاومة الرغبة في القيام بطقوسك القهرية.
وهنالك أيضًا برامج علاج مكثفة للمرضى الخارجيين، والمرضى المقيمين، وقد تكون برامج العلاج الشاملة، التي تركز على مبادئ العلاج بأسلوب التعرّض ومنع الاستجابة “ERP” مفيدة للأشخاص المصابين باضطراب الوسواس القهري، الذين يجدون صعوبة في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، نظرًا لحدة الأعراض لديهم، وتستمر هذه البرامج عادةً لعدة أسابيع، والتنبيه العميق للدماغ “DBS” وهو أسلوب معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لعلاج اضطراب الوسواس القهري، لدى البالغين من عمر 18 عامًا فأكثر، ممَن لا يستجيبون لأساليب العلاج التقليدية.