إنفراد ـ بسمة البوهي
في لحظه طال انتظارها، تفتح مصر أبواب المتحف المصري الكبير، ليكون نافذة حضارية تطل منها العالم حاملة إرثًا فرعونيًا لا يضاهى، ولم يكن افتتاح هذا المتحف مجرد حدث أثري، بل هو نقطة تحول استراتيجية في مسار التنمية الإقتصادية والسياحية، حيث يعد من أكبر المتاحف في العالم المخصصة لحضارة واحدة، ويضم كنوزًا أثرية لا تقدر بثمن أبرزها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون.
ومع تزايد الإهتمام العالمي بالسياحة الثقافية، يمثل المتحف المصري الكبير فرصة ذهبية لتعزيز مكانة مصر على خريطة السياحة الدولية، وزيادة معدلات تدفق السياح، وهذا الأمر ينعكس بشكل مباشر على نمو الدخل القومي، ويدعم قطاعات اقتصادية متعددة مثل الطيران والخدمات والإستثمار.
نصف مليون متر من الإبداع.. هنا يروى مجد الفراعنة
أكد الدكتور عبد الرحيم ريحان خبير الآثار وعضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية أن المتحف المصرى الكبير مجمع ثقافى تعليمى سياحى ترفيهى متكامل على مساحة 500 ألف متر مربع، منهم المبنى ذاته مساحته 45 ألف متر مربع، وباقي المساحة فهي للمراكز الخدمية المرافقة للمبنى الرئيسي.
رحلة من قلب الزمن.. 12 قاعة تسرد قصة الإنسان المصري
وأوضح الدكتور عبد الرحيم، أن المبنى الرئيسي يضم 12 قاعة عرض مزودة بأحدث التقنيات الصوتية والضوئية والدرج العظيم، ويتواجد في منطقة البهو الرئيسية، كونها مركز الاستقبال ميدان المسلة أول مسلة مصرية قديمة معلقة بالعالم، وحائط الأهرامات الذى يمتد بعرض 600 م حيث يؤدي إلى تمثال الملك رمسيس الثاني.
ونوه “ريحان” إلى أسم مصر المحفور على أربعة أعمدة تحمل المسلة المعلقة الخاصة برمسيس الثانى بكل لغات العالم، والواجهة الهرمية المميزة المقسمة إلى مثلثات متفاوتة الأحجام ارتفاعها 45م وعرضها 600م مزينة بخراطيش عليها أسماء ملوك مصر، وكشافات بألوان الطيف الأساسية.
رمسيس الثاني يعود ليستقبل العالم من جديد
يستكمل الدكتور أنه يتصدر البهو العظيم تمثال رمسيس الثانى بطل الحرب والسلام الذى نقل فى احتفالية كبرى إلى المتحف، ويمتد البهو على مسافة 64 م بأرتفاع 25م ليضم أكثر من 60 تمثالًا ملكيًا، ويؤدى الدرج إلى عدة مستويات، بأول دور قاعة عرض افتراضية، الثانى متحف الطفل حيث تسمح للأطفال برؤية الألعاب فى مصر القديمة ومستنسخات الألعاب، الثالث الجدار الزجاجى العملاق الذى نرى من خلاله الأهرامات الثلاثة وكأنها جزء من المتحف.
كما يضم المتحف 5 قاعات عرض دائمة، منها 3 قاعات مساحتهم 18 ألف متر مربع يعرض بهم التسلسل التاريخى للحضارة المصرية القديمة من عصر ما قبل التاريخ حتى العصر اليونانى والرومانى، ثم قاعتين مساحة كل قاعة 7 آلاف متر مربع مخصصة لمجموعة توت عنخ آمون، وتضم 5300 قطعة تعرض لأول مرة فى مكان واحد، جاءت من المتحف المصري بالتحرير ومتحف الأقصر والمتحف الحربي.
وراء الكواليس.. حديقة أرض مصر وأكبر مركز ترميم في العالم
يشير الدكتور ريحان إلى الجزء التعليمى بالمتحف والذى يضم الحديقة المتحفية بإسم “حديقة أرض مصر”، يقوم العمل فيها على زراعة مختلف أنواع الأشجار، التي كان يحتفي بها المصريون القدماء.
بالإضافة إلى مركز الترميم الذى يعد متحفًا تعليميًا خاصًا داخل المتحف الكبير، باعتباره أكبر مركز ترميم في العالم على مساحة 32ألف متر مربع، يشتمل على 19 معمل ترميم للحفاظ على استدامة المعروضات الأثرية منها معمل المومياوات ومعمل الميكروبيولوجي ومعمل الميكروسكوب الإلكتروني ومعمل الأحجار الكريمة، ومعمل الخزف والزجاج ومعمل الأخشاب وصناعة التوابيت ومعمل الآثار الجلدية، كما تشمل الساحة الخارجية للمبنى الرئيسي مركز تدريبي للعديد من الكوادر البشرية المتخصصة في مجال المتاحف والإرشاد السياحي.
وينوه خبر الآثار إلى الجزء السياحى والترفيهى الذى يشمل الممشى السياحي، وهي منطقة تستهدف نقل السائحين بين المتحف المصري الجديد، والأهرامات الثلاثة بواسطة الطفطف، كما يمتد هذا الممشى ليشمل كلًا من بداية طريق الفيوم ونادي الرماية ومنطقة ترفيهية تقع بمساحة 25 فدان تضم شتى الأماكن الترفيهية والمحلات التجارية والمطاعم.
ويشمل محيط المتحف الرئيسي العديد من المراكز الأثرية والخدمية، مثل متحف الطفل ومركز المؤتمرات ومتحف ذوي الاحتياجات الخاصة، ومكتبة علم المصريات وسينما ثلاثية الأبعاد، ومزارات وفندق فاخر.
احتفالية من زمن الأساطير.. مصر تكتب فصلًا جديدًا في تاريخها
أضاف الدكتور ريحان بأنه من المتوقع أن تكون احتفالية المتحف المصرى الكبير، والتى ستستمر عدة إيام احتفالية عالمية بكل المقاييس تسجل فى ذاكرة تاريخ مصر المعاصر، بحروف من نور وتعيد إلى الأذهان احتفالية افتتاح قناة السويس منذ 156 عام، الذى تم فى حفل مهيب بمدينة الإسماعيلية يوم 19 نوفمبر عام 1869 بحضور عدد كبير من ملوك أوروبا وأمراؤها وعظماؤها وعلماؤها وأدباؤها، وأبرزهم أوجينى إمبراطورة فرنسا، وفرنتز جوزيف إمبراطور النمسا، وفردريك ويلهلم ولى عهد التاج البروسى وقرينته ابنة الملكة فكتوريا.
وستكون الاحتفالية بمثابة رسالة سلام إلى كل شعوب العالم، من بلد فجر الضمير بأنها ليست آمنة فقط مصداقًا لقول يوسف الصديق “أدخلوا مصر إن شاء الله أمنين”، بل رسالة من خلال القوى الناعمة المتمثلة فى الآثار والحضارة المصرية، بأن العالم يجب أن يجتمع على أسس البناء لا الهدم والتدمير وأسس الالتقاء والحوار لا التفرقة، والتشرذم لأن العالم يبحر فى سفينة واحدة فإذا غرقت أهلكت الجميع.
ويتوقع الدكتور أن تصل أعداد السياح إلى 20 مليون بعد أفتتاح المتحف المصري الكبير، ومشروع التجلى الأعظم ومن المتوقع أن يجذب افتتاح المتحف 3 مليون، ومشروع التجلى الأعظم 2 مليون، بشرط توافر طاقة فندقية كافية وأسطول طيران يستوعب هذا العدد، تمهيدًا لتنفيذ خطة الدولة للوصول بالسياحة إلى 30 مليون سائح 2030.
وفي النهاية لا يعد أفتتاح المتحف المصري الكبير مجرد حدث ثقافي، بل هو رسالة حضارية تعيد مصر إلى قلب المشهد السياحي العالمي، ويثبت أن التاريخ حين يحسن تقديمه يتحول إلى قوة اقتصادية هائلة، فبفضل ما يحمله من كنوز أثرية وتجربة حضارية فريدة يسهم المتحف في جذب ملايين الزوار، ويعزز من مكانة مصر السياحية العالمية كوجهة سياحية رائدة، وأن المتحف ليس فقط بوابة إلى الماضي، بل هو جسر نحو مستقبل اقتصادي واعد، تشارك فيه الحضارة المصرية العالم من جديد.