تحقيق ـ بسمة البوهي
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الكثير من الشباب، أصبح الزواج حلم مؤجل لدى عدد كبير منهم بسبب غلاء الذهب، وهذا لإعتباره رمزاً للزواج، ويعتبر جزءاً أساسياً وأهم من مهر العروسة، ويعد الذهب رمزاً للتقدير والإلتزام، وأيضاً يعبر عن مدى حب الزوج لزوجته أو العريس للعروس.
ومع الإرتفاع الكبير في أسعار الذهب خلال الفترة الأخيرة، أصبح هذا الشرط يشكل عبئاً مادياً ونفسياً على الشباب المقبلين على الزواج، وأدى هذا إلى تغيرات ملحوظة في العادات والتقاليد المرتبطة بالزواج، مما أثر على العلاقات الاجتماعية وزاد من الضغوط النفسية والاقتصادية.
أراء المواطنين في هذا الموضوع
يقول “أحمد إبراهيم” انا خاطب منذ سنة بشبكة رمزية لحين تحسن ظروفي المادية، وقد كنت أنوي إستكمال ما تبقى من الشبكة قبل عقد القرآن، ولكن كلما حاولنا تحديد موعد لكتب الكتاب كان والدها يصر على أن أكمل الشبكة أولاً قائلاً « ده حق بنتي».
ويستكمل أحمد، وقد وصل هذا الإصرار الذي جعلني أفكر عدة مرات لفسخ الخطوبة، لأنهم لا يقدرون الظروف الاقتصادية التي أمر بها، ولا الإرتفاع الكبير في أسعار الذهب، وكل ما يشغلهم هو مظهرهم أمام الناس.
ويوضح “سامح عاشور” أرى أن الزواج أصبح مسؤولية ضخمة جداً، حيث أن أقل تكلفة للزواج قد تصل إلى نصف مليون جنية، وغير ذلك من المفترض أن أشتري ذهب يليق بي وبالعروسة، وحتى لا تكون أقل من بنات العائلة أو أصحابها، وهذا يجعلني أفكر قبل إتخاذ هذه الخطوة التي سوف تجعلني مديوناً لجميع الناس.
يضيف الحاج “إبراهيم سعيد” يجب على الأهالي مراعاة الشباب وتخفيف العبء عليهم وتسهيل الأمور حتى يتم زواج على خير، لان ليس بالذهب أو ما يملكة الشاب بل بأخلاقه الحسنة، ومدى حبه لهم ولزوجته المستقبلية، لأن الذهب مع مرور الزمن سوف يأخذه الزوج لبناء مستقبلهم، وأهم ما يقوله الأهل لشاب «أحنا بنشتري راجل» وهذا ما يكفي لبناء حياة زوجية سعيدة.
تجمعت اراء الناس على أن الذهب ليس مقياس للزوج المناسب، ويجب النظر للشباب نظرة عطف، وأيضاً أعادة النظر في العادات والتقاليد التي تعتبر عائق كبير بالنسبة لمعظم الشباب، ويمكن إستبدال الشبكة الذهب بالفضة أو بشبكه رمزية لتسهيل الأمور على شباب، ومع غلاء الذهب جعل شباب يقولون «وبعدين معاك يا جرام الذهب» للتعبير عن مدى غلائه وصعوبة شرائه.
رأي الدكتور النفسي في هذا الموضوع
يوضح الدكتور “عاطف الشوبكي” استشاري الطب النفسي ومدير مستشفى العزازي للصحة النفسية، أن غلاء الذهب لا يؤثر فقط على الجانب المادي، بل يمتد ليشكل ضغطاً نفسياً كبيراً على الشباب، وكثير منهم يشعرون بالعجز أو الإحباط خاصةً عندما يرتبط نجاح العلاقة أو قيمتها بقدرتهم على شراء شبكة باهظة، وهذا الضعط قد يؤدي إلى أعراض نفسية مثل القلق والتوتر واضطرابات النوم.

الدكتور عاطف الشوبكي طبيب نفسي
ويستكمل الدكتور النفسي أن الضغط المجتمعي من أخطر العوامل النفسية، لأن الشاب عندما يشعر أنه مطالب بإرضاء توقعات لا تتناسب مع إمكانياته، يبدأ الدخول في دوامة من المقارنة واللوم الذاتي، وهذا قد يتطور إلى اضطرابات مثل القلق المزمن ويصل إلى الاكتئاب، خاصةً إذا شعر بأنه غير قادر على تلبية هذه المعايير.
ويضيف الدكتور إن فترة الخطوبة من المفترض أن تكون مرحلة بناء الثقة والتفاهم، لكن عندما يدخل عنصر الذهب كمصدر خلاف يتحول الأمر إلى صراع غير معلن، وبعض الفتيات تشعر بالإحباط وبعض الشباب يشعرون بالضغط، مما يؤدي إلى التوتر الذي يهدد إستمرار العلاقة.
ويختتم “الشوبكي” أن كثير من الثقافات يربط مفهوم الرجولة بالقدرة المالية، وعندما يعجز الرجل عن شراء الذهب قد يشعر بأنه غير كافيٍ أو غير مؤهل للزواج، مما يؤثر على ثقته بنفسه وهذا الشعور قد ينعكس على سلوكه، فيصبح أكثر إنفعالاً أو إنسحاباً وقد يؤثر على أسلوب العلاقة بشكل عام.
رأي الدين في هذه الظاهرة
يقول الشيخ “محمد حسبو” أن الزواج من النعم العظيمة التى أمتن الله بها على خلقه وقال تعالى “ومِنَ آيَاتهِ أَنَ خَلَقَ لَكُمَ مِنَ أَنَفَسُكُمَ أزَواَجًا لَتَسَكُنَوُاَ إِلَيِهَا وجَعَلَ بَيِنِكُمَ مَوُدَةً ورَحَمَةً”، وأن من ضمن إجراءات الزواج هناك ما يسمى ” الصداق ” أو المهر وهو حق للمرأة عند الرجل قال تعالى ” وآتَيِتُمَ أَحَدَاَهُنَ قَنَطَاَرَاً فَلَاَ تَأْخَذَوُاَ مَنَهُ شَئَيِاً”.
ويضيف الشيخ أن المهر تقديراً من الرجل للمرأة يؤثر حتماً فى نفسية المخطوبة أن رأته أقل من مثيلاتها، وقد رأينا المرأة التى جادلت أمير المؤمنين “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه وأنتصرت لرأيها فى أمر المهر عندما أراد سيدنا عمر رضي الله عنه أن يحدد سقفاً للمهر فردت عليه بالآية “وآتَيِتُمَ أَحَدَاَهُنَ قَنَطَاَرَاً فَلَاَ تَأْخَذَوُاَ مَنَهُ شَئَيِاً”، فقال سيدنا عمر رضي الله عنه “أخطأ عمر وأصابت إمرأة “.
ويوجه “حسبو” رسالة أن الشخص الناضج والذى ينظر إلى جواهر الأمور، وليس شكلها تتضاءل قيمة الماديات عنده، حتى أصبحت رمزاً للتقدير لا أكثر، وقال صلى الله عليه وسلم “التمس ولو خاتماً من حديد “، وأوصى النبي بعدم المغالاة في متطلبات الزواج، حيث ذكر صلى الله عليه وسلم قائلا ً “أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة”.
يضطر الكثير من الشباب لتأجيل خطوة الزواج، لعدم قدرتهم على شراء الذهب وللتكلفة الباهظة، وهذا يجعل الشباب يعملون لساعات طويلة دون راحة لتلبية متطلبات الزواج، وهذا يجعلهم يشعرون بأنهم في “سباق لا ينتهي”، ويترتب عليها شعور الشاب بالعجز والتوتر أمام توقعات المجتمع، مما يؤثر على ثقته بنفسه، وينتج عنه زيادة نسبة العنوسة في المجتمع بالنسبة للبنات أو الشباب.
نشر الوعي وسط الأسر بأن قيمة الزواج لا تقاس بالذهب، ونشجع الشباب على الزواج بدون قلق أو حمل عبء المصاريف، وتقديم حلول وبدائل للشبكة الذهبية، مثل الهدايا الرمزية أو استبدال الشبكة بشيء يستفاد منه كلاً من الطرفين، ويجب على البنات تقليل طموحاتها على حساب الشباب.
وفي النهاية نستنتج أن غلاء الذهب ليس مجرد أزمة اقتصادية بل أزمة اجتماعية، والذي كشف عن خلل في بعض العادات الاجتماعية، التي تربط الزواج بالمظاهر المادية، ومع تغير الظروف الاقتصادية أصبح من الضروري أعاده النظر في هذه التقاليد، والتركيز على جوهر العلاقة الزوجية المبنية على الحب والتفاهم لا على وزن الذهب، ويبقى الحل هو التفاهم والتيسير لأن الزواج ليس سباقاً للمظاهر، بل شراكة للحياة.