إنفراد – نسمة هاني
أشعل الهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة صدمة مدوية في المنطقة العربية، إذ لم يكن متوقعًا أن تمتد الضربات إلى دولة خليجية حافظت طويلًا على الحياد السياسي في ملفات الصراع، هذا الاستهداف وضع المنطقة أمام معادلة جديدة؛ فإذا كانت دولة وسيط آمنة تتعرض للقصف، فماذا عن الدول الأخرى المنخرطة مباشرة في المواجهة.
المفارقة التي أثارت تساؤلات الشارع العربي تمثلت في سرعة التحرك الرسمي والدبلوماسي للدول العربية تضامنًا مع قطر، في حين ظل المشهد مختلفًا مع لبنان وسوريا اللتين عاشتا سنوات طويلة من القصف الإسرائيلي دون أن تحظيا بالزخم ذاته أو بالمواقف العربية القوية نفسها.
كل ذلك فتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول طبيعة الحسابات التي تحكم التحركات العربية؛ هل هو اختلاف في مكانة الدولة المستهدفة، أم حسابات مصالح معقدة، أم أن الضربة الإسرائيلية تجاوزت كل الخطوط الحمراء الممكنة لتفرض على الجميع رد فعل عاجل لا يحتمل التأجيل.
باحث في الشؤون الإيرانية.. استهداف الوسيط القطري خرق صريح للأعراف الدولية
أوضح الأستاذ أسامة حمدي أن من الناحية القانونية والدبلوماسية، فإن قطر دولة ليست منخرطة في الصراع مع إسرائيل، بل دولة “وسيطة” ترعى المفاوضات وتستضيف وفودًا لإسرائيل لتبادل وجهات النظر ووقف حرب غزة.

الأستاذ أسامة حمدي باحث في الشؤون الإيرانية وسياسات الشرق الأوسط
ولذا فالوسيط يفترض أن له “حصانة” ولا يمكن أن يتضرر من جهوده في تهدئة التوترات وحل النزاعات، وفق الأعراف الدبلوماسية والقانون الدولي، استهداف الدولة الوسيطة يعد خرقًا لمبدأ حسن النية في العلاقات الدولية، ويضع دور الوسطاء في العالم في موضع خطر، إذ قد يصبح استضافة وفود النزاع محفوفًا بالمخاطر.
عدوان على السيادة القطرية.. ودهس لاتفاقيات جنيف
وأشار “حمدي” إلى أن قطر تعرضت لعدوان مباشر على سيادتها، وهو ما يجعل الضربة خرقًا صريحًا لاتفاقيات جنيف، التي تحظر استهداف المدنيين والأعيان غير العسكرية، كما أن اجتماع وفد سياسي لحماس في قطر لا يدخل ضمن تعريف “الأهداف العسكرية المشروعة”، مما يضاعف خطورة هذا الاستهداف على المبادئ الدولية.
القواعد الأمريكية والتركية في الخليج.. حماية غائبة
وبيّن الأستاذ أسامة أن قطر تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية “قاعدة العديد” وقاعدتين عسكريتين لتركيا ضمن حلف الناتو، ودور هذه القواعد هو حماية حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، لذلك، فإن الاستهداف الإسرائيلي يمثل خرقًا للتفاهمات الأمنية والتعهدات بالحماية، كما أثار تساؤلات حول عدم تفعيل منظومات الدفاع الجوي الأمريكية والقطرية، وما إذا كان هناك علم مسبق أو تواطؤ أمريكي مع إسرائيل ضد قطر.
أول ضربة خليجية منذ غزو الكويت.. تهديد مباشر للأمن القومي العربي
وأشار الأستاذ أسامة حمدي إلى أن الاستهداف الإسرائيلي لقطر يُعد أول استهداف لدولة خليجية بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990، وهو تهديد للأمن الجماعي في الخليج وتهديد للأمن القومي العربي بشكل عام.
وأكد أن استهداف قطر كان غير متوقع، لأن قطر ليست طرفًا في الصراع مع إسرائيل، مثل إيران أو لبنان أو اليمن أو فلسطين وسوريا، رغبة إسرائيل في التوسع والهيمنة على الإقليم وامتداد هذا النفوذ إلى دول الخليج يمثل إنذارًا خطيرًا، ويكرّس قدرة إسرائيل على الوصول لأي دولة حتى لو كانت محايدة.
دعوة عاجلة لموقف عربي وإسلامي موحّد
واختتم بالتأكيد على ضرورة تبني مواقف قوية ضد الاستهداف الإسرائيلي، من خلال المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية، ووضع آلية للتنسيق الدفاعي والأمني المشترك بين الدول العربية، وأضاف أن قطر لم تعد مجرد وسيط محايد، بل تحولت إلى رمز لمدى جدية العرب في الدفاع عن أمنهم القومي وحماية حاضرهم ومستقبلهم من غطرسة القوة.
وبينما يبقى الهجوم الإسرائيلي على قطر صدمة لم تتوقعها المنطقة، فإن ما كشفه من هشاشة في المعادلات الأمنية والدبلوماسية يضع الجميع أمام اختبار تاريخي، فإما أن تتحول هذه الضربة إلى جرس إنذار يوقظ العرب نحو صياغة موقف موحد، يعيد الاعتبار للقانون الدولي ويؤسس لتضامن حقيقي يتجاوز الحسابات الضيقة، أو يظل المشهد أسير ردود فعل متفرقة تسمح لإسرائيل بمزيد من التمادي، في كل الأحوال، الدوحة لم تعد مجرد وسيط محايد، بل تحولت إلى رمزٍ لمدى جدية العرب في الدفاع عن أمنهم القومي، وحماية حاضرهم ومستقبلهم من غطرسة القوة.