تحقيق – وفاء العسكري
يمكن تعريف التعلم الإجتماعي “التربية المجتمعية”، بأنه التعلم من خلال ملاحظة سلوكيات الآخرين، وهى عملية تغيير إجتماعي يتعلم فيها الناس من بعضهم البعض، بأساليب يمكن أن تفيد نظم إيكولوجية إجتماعية أكبر.
وتتيح السياقات الإجتماعية المختلفة للأفراد باكتساب سلوكيات جديدة، من خلال مراقبة ما يفعله الناس داخل تلك البيئة، ويؤكد التعلم الإجتماعي والتربية الإجتماعية على التفاعل الدينامي النشط بين الناس والبيئة، في بناء المعنى والهوية.
وتبدأ عملية تعلم سلوك جديد من خلال ملاحظة سلوك ما، ثم حصد المعلومات عنه ثم تبنيه، وتعد المدارس ووسائل الإعلام وأفراد الأسرة والأصدقاء من الأمثلة على السياقات البيئية، التي تعزز التعلم الإجتماعي.
قالت أمينة محمد أحد الأمهات وطالبة دراسات عليا في علم الإجتماع: “إن مفهوم التربية يتمحور بالمرتبة الأولى حول دور الوالدين في تنشئة الأبناء، ورعايتهم وحثهم على الأخلاق الطيبة، والصفات الحسنة، وأهم المهارات الحياتية التي تنعكس على السلوك والفكر للأبناء، حاضراً ومستقبلاً”.
وأكملت الأم: “مفهوم التربية أو التنشئة يتوسع ليمتد من الأسرة إلى المدرسة والمجتمع، إذ يتمكن الفرد من التكيف تدريجيًا بمخالطته للمجتمع، دون أن يتم إغفال دور المجتمع في نمذجة السلوكيات العامة، وقولبتها أو تأطيرها بالقبول أو الرفض، بحيث تصبح بمثابة المعيار المرجعي، الذي يحتكم له الأفراد تلقائيًا، بوصفها معايير المجتمع، وضوابطه العامة وأعرافه”.
وأضافت “أمينة”: والعوامل المؤثرة في العملية التربوية تتداخل، ويعد المجتمع واحدًا من أهم تلك العوامل، فمنذ مرحلة مبكرة يبدأ الطفل بالتفاعل مع مجتمعه المصغر، أي أسرته، ليبدأ مرحلة إدراكية جديدة، ويبدأ معها أثر هذا التفاعل بالظهور على سلوكيات الطفل البسيطة، بحيث تتطور كفاءات الطفل، وتنمو شخصيته وإدراكه، بالتزامن مع تطور تفاعله الإجتماعي.
وفسر الأستاذ عبد الرحمن خطاب “المسيه” أستاذ مادة الفرنساوي بمدرسة الثانوية بنات طبيعة تأثير المجتمع على الطفل، قائلًا: “في الطبيعي أن وجود الطفل في المجتمع أكثر من وجوده في بيته، والتكوين النفسي للطفل يجعله يحب أن يستمع لمن هم خارج المنزل أكثر من الداخل، وأسلوب تعامل الأهل في المنزل هو بأسلوب خوفهم على طفلهم، فيظهر الأسلوب كأنه أسلوب أمر”.
وأضاف “خطاب”: “أما الوضع مع زملاءه مختلف تمامًا، فالطفل يحب الحوار مع زملاءه لأنهم من نفس العمر ونفس تفكيره، وأيضًا الطفل يريد تجربة أشياء جديدة، وهذا لن يحدث مع الأهل بسبب خوفهم، أن يقع طفلهم في خطأ أو أن يحدث له شئ، ولكن الطفل يريد التجربة بنفسه، بطبيعة الحال من هم في الخارج، لديهم تأثير أقوى على الطفل أكثر من عائلته”.
وأوضح الأستاذ: “أن مشكلة الطفل هى ميوله، وهذا هو دور الأهل، أن يقوموا بزرع ميول جيدة وإيجابية في طفلهم، وبذلك يميل الطفل لمن هم جيدون، وذات صفات أخلاقية جيدة، وأن لم يزرع الأهل به ميول جيدة، سيميل الطفل للأشخاص السيئة، ويلتقط منهم الصفات السيئة، لأن العائلة لم تنبه طفلها أن يتجنب الخطأ”.
وأكد “عبد الرحمن خطاب”: “أن التعليم في المنزل هو الأساس، والتربية في المنزل هى الأساس، والتقرب من الطفل تصرف أساسي أيضًا، وبذلك عند خروج الطفل للمجتمع سيأخذ صفات عائلته أكثر من صفات من هم في المجتمع، ويبدأ الطفل بتجربة من هم في المجتمع، وسيختار من هم الأفضل وليس الأسوأ”.
وللتصرف مع الطالب “سئ الطباع” أوضح المعلم: “في تلك فئة العمرية، يرى الطالب أنه بدء استقلاليته، والاعتماد على ذاته، وفي تلك المرحلة لا يقبل الطالب أي أسلوب من التعنيف أمام زملاءه، فقال سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام “المشورة في الجمع إهانة”، بمعني أوضح النصيحة في الجمع إهانة، بمعني أن لا تنصح أحد أمام الجميع، ولكن أنصحه في الود بينكما”.
وأكمل مسيه عبد الرحمن: ” أن النصيحه في السر “عتاب”، ونصيحة الطالب في السر بينه وبين معلمه سيجعله يتقبل النصيحة، ويفعل بها أما إذا عاتبه معلمه أمام زملاءه لن يفعل بها، وربما يفعل عكس النصيحة تمامًا، وسيزيد في أسلوبه السئ لأنه يريد أن يظهر أمام الجميع، ولكن يجب على المعلم أن يعدل من أسلوبه للأفضل، بأن يشجعه على العمل الجيد في دراسته”.
وأشار المعلم “علي جمعه” معلم الرياضيات إلى أن تأثير المجتمع على الطالب ينقسم إلى إجتماعيًا وإقتصاديًا، فقال: “إجتماعيًا هى البيئة التي يعيش بها الطالب ولها تأثير كبيرًا جدًا، وتنقسم البيئة إلى قسمين البيئة المحيطة بالطالب، والبيئة التي يعيش بها “الأسرة”، ودور الأسرة هى توعية الطالب، وأن تعطي له ثوابت دينية لكي يسير عليها”.
وتابع “جمعه”: “أن الأسرة تترك الطفل يتعامل في المجتمع ولكن تحت إشرافها، بمعني أن تترك الطفل يتعامل مع الأخرين، وعند ملاحظة أي خطأ تبدء العائلة في تصحيحه للطالب، أي تتدخل عندما يلزم الأمر التدخل، وهنالك نوع أخر وهى أسرة تقوم بمساعدة طفلها من بداية خروجه للمجتمع، وهى أسرة تعطي تعليمات لطفلها أن يفعل الشئ أو لا يفعله، وهى أسرة تختار مسار الطالب”.
وأكمل معلم الرياضيات قائلًا: “الطالب في تلك الحالة يسير حسب تعليمات العائلة، ولكن تلك الحالة لا تنجح دائمًا، ويظهر خطأ كبير في تلك الحالة، وهى عدم قدرة الطالب على التفكير من تلقاء نفسه، وينتظر أن تعطيه عائلته التعليمات فقط، ولا يستطيع الإعتماد على ذاته، أما الطالب الذي تتركه الأسرة ثم تبدأ في ملاحظته، يستطيع الإعتماد على ذاته، ودائمًا يفكر في شئ إذا كان جيد أم سئ”.
وأشار “علي جمعه” إلى أن هنالك نوع أخر، قائلًا: “هنالك طالب لم تتابعه أسرته أو تعدل مساره، هذا الطالب سيفشل إلا في حالة واحدة، أنه يمتلك “فطرة التفكير”، أنه لديه علم أن هنالك أشياء جيدة وأشياء سيئة، وأن كانت شخصيته ضعيفة سيتأثر بالمجتمع تأثيرًا كليًا، وهولاء من يخرج منهم مفسدي المجتمع”.
وأنتقل المعلم إلى التأثير الإقتصادي، موضحًا: “أن كانت العائلة ميسورة الحالة ربما يؤثر ذلك على طالب بالسلب أو الإيجاب، بالسلب عن طريق إلا يكون متزن نفسيًا، وأن يكون مسرف في تصرفاته وأمواله، وأن ينحرف دراسيًا، ويرى أن أموال عائلته هى من تصنعه، أما الإيجاب أن ينشأ الطالب متزن نفسيًا في كل شئ مال عائلته، وتصرفاته ودراسته”.
وتحدثت الدكتورة دينا إبراهيم وهى دكتورة علم إجتماع عن غياب دور التربية والتنشئة الإجتماعية الصحيحة في تكوين الفرد، فقالت: “أن ذلك يؤدي إلى تغيير في سلوك الفرد وأفعاله، حيث أن سلوكه وأفعاله تتحدد من خلال تنشئة المجتمع الذي يعيش فيه، وأهم ما يربطه بالمجتمع تلك العلاقات الإجتماعية بينه وبين الجماعات، والأفراد في المجتمع المحلي والكبير”.
وأضافت “دينا”: “مسئولية ضبط المجتمع للناشئ تقع برمتها على عاتق الأسرة، حتى سن النضج تقريبًا، فالأسرة هى المدرسة التي تولد فيها العواطف، لما لدور الأم في بناء شخصية الطفل، فإن التغيير بصفة عامة سنة من سنن الكون، والمتتبع الحركة المجتمعات يلم بما أصاب الأمة الإسلامية جراء هذا التغيير، الذي شمل الحياة الإجتماعية والثقافية والإقتصادية”.
وأوضحت دكتورة علم الإجتماع: “تمت زحزحة الفرد في العالم المعاصر إلى مستوى السطحية، والعزلة عن طريق الصورة الآلية والميكانيكية، بشكل لم يسبق له مثيل، ويحاول الفرد الذي يعيش في هذه الظروف، أن يعود مرة أخرى إلى جذوره في حضارته الخاصة”.
وتابعت الدكتورة: “نشاهد التفكك الإجتماعي يوميًا في جميع دول العالم الغربية، ولم نأخذ حذرنا، فقد تبعناهم في المأكل والمشرب والتصرفات، فكان نتيجة ذلك ذوبان خصوصياتنا الإسلامية، وقيمنا الأخلاقية وعاداتنا الإجتماعية”.