إنفراد – روفيدا يوسف
في زمن تتزايد فيه تحديات المعيشة وتغيب فيه المساحات الخضراء عن أعين سكان المدن، ظهرت زراعة الأسطح كأمل جديد يتسلل فوق رؤوسنا بصمت، لم تعد الأسطح مجرّد أماكن منسية أو مستودعات للأغراض القديمة.
بل تحوّلت إلى مصدر غذاء، وتنفس بيئي، ومساحة للسلام النفسي، بين أزمات الغلاء، وتلوث الهواء، وبعد المسافة عن الطبيعة، وجد كثير من الناس في زراعة الأسطح ملاذًا يعيد التوازن إلى حياتهم، ويزرع الخير في أيديهم.
حلول ذكية فوق رؤوسنا لمواجهة الغلاء والتلوث
زراعة الأسطح هي استخدام المساحات غير المستغلة فوق المنازل أو المباني لزراعة نباتات مختلفة، سواء خضروات، فواكه، أعشاب طبية أو حتى نباتات زينة، تتم هذه الزراعة في عبوات بلاستيكية، أو براميل، أو صناديق خشبية.
لا تحتاج زراعة الأسطح إلى تربة زراعية تقليدية، حيث تُستخدم أحيانًا بدائل مثل “البيتموس” أو الرمل أو التربة المُحسّنة، وتعتمد زراعة الأسطح على أفكار بسيطة لكن مبتكرة، وتُعد خيارًا مثاليًا للمواطن البسيط الذي يبحث عن الاكتفاء الذاتي أو على الأقل تقليل مصاريف الغذاء.
سطح منزل يتحول إلى حديقة مع أول تجربة زراعة شخصية
يروي “محمد شحاته” قائلًا: كانت الفكرة في البداية أقرب إلى المزاح مع النفس، لكنه وجدها تتردد في ذهنه بإلحاح، لاسيما بعد غلاء الأسعار وتدني جودة الخضروات.
وبدأ يبحث عن تجارب أشخاص آخرين في زراعة الأسطح، وجد مقاطع مصورة توضح كيف يمكن استخدام عبوات المياه الفارغة، والصناديق الخشبية، وأدوات بسيطة لتحويل السطح إلى حديقة صغيرة، لم يكن يملك خبرة زراعية تُذكر، لكنه قرر أن يبدأ بخطوة صغيرة، متسلحًا بالرغبة والتجربة.
ويستكمل حديثه قائلًا: “جمعت بعض الجراكن البلاستيكية الفارغة وقامت بقصها وتنظيفها، وذهبت إلى المشتل واشتريت كمية بسيطة من التربة الزراعية وبعض شتلات النعناع والجرجير، لسهولة زراعتهما وسرعة حصادهما.
في البداية، وضعت الأحواض بالقرب من الحائط لحمايتها من الرياح، وبدأ يرويها يوميًا باستخدام جردل ماء، ويؤكد واجهت عدة تحديات، أولها تسرب المياه من بعض الأحواض، مما أثار القلق من إمكانية تلف سقف البيت.
بحثت عن حلول واستعان بأحد أصدقائه في مجال البناء، فنصحه باستخدام طبقة عازلة بلاستيكية أسفل كل وعاء، وهو ما أنقذ الوضع قبل أن يتفاقم، كذلك عانى من ذبول الشتلات في بعض الأيام شديدة الحرارة، لكنه تعلّم تدريجيًا متى وكيف يسقي النباتات، وبدأ يفهم احتياجات كل نوع منها.
أول حصاد.. من ورق الجرجير إلى نعناع يعطر الأجواء
وبعد شهر تقريبًا، ظهرت أولى علامات النجاح، أوراق الجرجير النضرة، ورائحة النعناع التي ملأت المكان، وألوان الخضرة التي كسرت رمادية السطح، شعر بفرحة عارمة، لمجرد أنه أصبح ينتج غذاءه بيده، وبجودة يثق بها.
شيئًا فشيئًا، توسّع في زراعة الخيار والطماطم والفلفل، وصنع نظام ري بسيط باستخدام أدوات متاحة، بعدما قرأ عن “الري بالتنقيط” وأدواته البسيطة.
زراعة توفر المال وتحمي البيئة وتنعش النفس
زراعة الأسطح ليست فقط حلًا للغلاء، بل تحمل فوائد بيئية كبيرة، إذ تساهم في تقليل التلوث وتنقية الهواء داخل المدن، كما تساعد في خفض درجات الحرارة خاصة في فصل الصيف، مما يقلل من الاعتماد على التكييف، أما على المستوى الاقتصادي، فهي تتيح للأسرة تقليل مصاريف شراء الخضروات والفواكه، بل وربما تحقيق دخل إضافي في بعض الحالات، خاصة إذا تم إنتاج كميات فائضة وبيعها.
وعلى الجانب الصحي والنفسي، فإن التعامل مع النباتات يخفف التوتر والضغط العصبي، ويُشعر الإنسان بالراحة والهدوء، كما أنها وسيلة مفيدة لتعليم الأطفال عن الطبيعة والاهتمام بالبيئة، اجتماعيًا، تعزز زراعة الأسطح من الترابط الأسري، وتشجع الجيران على تبادل الخبرات، ما يخلق نوعًا من التكافل والتعاون داخل المجتمع.
جمعيات ومبادرات لدعم المزارعين فوق الأسطح
في السنوات الأخيرة، بدأت مبادرات أهلية ومؤسسات مجتمع مدني في دعم فكرة زراعة الأسطح، بعض الجمعيات توفّر أدوات الزراعة بأسعار رمزية، وتنظّم ورشًا تدريبية للمبتدئين، كما أطلقت جامعات مصرية وعربية مشاريع بحثية تهدف إلى دعم الزراعة الحضرية.
قال الدكتور أحمد جابر الباحث الزراعي ومؤسس مبادرة “سطح أخضر”، إن المبادرة تهدف إلى استغلال المساحات غير المستغلة فوق أسطح المنازل في زراعة الخضروات والفاكهة ونباتات الزينة، بما يسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية.
وأضاف أن المبادرة تسعى أيضًا إلى الحفاظ على البيئة من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية، حيث تعمل النباتات على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون وتنقية الهواء.
وأشار “جابر” إلى أن الزراعة فوق الأسطح لا تقتصر فقط على توفير الغذاء، بل تساهم كذلك في خفض درجات حرارة المنازل خلال فصل الصيف، ما يساعد في تحسين جودة الحياة داخل المدن.
زراعة الأسطح لم تعد رفاهية أو هواية، بل تحوّلت إلى ضرورة معيشية وبيئية، وهي دعوة لأن نصعد إلى فوق، لا هربًا من الواقع، بل بحثًا عن بديل أفضل، ربما لن نحل أزمة الغذاء من فوق أسطحنا، لكننا سنخطو خطوة، وخطوة الأمل ليست صغيرة.