إنفراد – روفيدا يوسف
شهدت الفترات الأخيرة طفرة غير مسبوقة في استخدام تطبيقات الذكاءالاصطناعي، حيث أصبح ملايين المستخدمين حول العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، يعتمدون على هذه التطبيقات للحصول على استشارات طبية فورية دون الحاجة للذهاب إلى الطبيب.
إلا أن هذه الظاهرة الحديثة تثير الكثير من التساؤلات، حول دقة التشخيص وسلامة العلاجات المقدمة، خصوصًا أن الذكاء الاصطناعي رغم تطوره، لا يمكنه دائمًا استبدال الفحص السريري المباشر.
في الوقت الذي يرى فيه البعض أن هذه التطبيقات توفر حلولًا سريعة ومريحة، يحذر الأطباء والخبراء من المخاطر المحتملة الناتجة عن الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي، في اتخاذ قرارات صحية حساسة، فالأخطاء في التشخيص أو العلاج يمكن أن تكون لها عواقب خطيرة.
تظهر الدراسات الحديثة أن الاستخدام المفرط لتطبيقات “الطب الافتراضي”، قد يؤدي إلى تجاهل العلامات التحذيرية، التي قد يكتشفها الطبيب من خلال الفحص السريري المباشر، كما يشير الخبراء إلى أن التكنولوجيا، مهما بلغت دقتها، تظل أداة مساعدة وليست بديلًا عن الخبرة الطبية البشرية، موضحين أن الجمع بين التشخيص الرقمي، والفحص التقليدي، يضمن أعلى مستويات الأمان للمرضى.
دكتور الذكاء الاصطناعي يؤكد: دمج الذكاء الاصطناعي في الطب واقع متطور وسريع
يؤكد الدكتور “أحمد بهاء خيري” أستاذ هندسة النظم بجامعة الإسكندرية، والرئيس والمؤسس الأول للجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا E-JUST، إن دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي ليس مجرد إدعاء، بل هو واقع يتطور بسرعة هائلة، حيث بدأت هذه الرحلة منذ عقود، وتحديدًا مع بدايات أنظمة الذكاء الاصطناعي في السبعينيات، لتصل اليوم إلى آفاق غير مسبوقة بفضل الثورة الصناعية الرابعة، والتقدم في مجالات مثل النانوتكنولوجيا.
وأوضح الدكتور أن بداية دمج الذكاء الاصطناعي في الطب هي نظام “MYCIN”، الذي تم تطويره في جامعة ستانفورد في منتصف السبعينيات، كان MYCIN نظامً خبيرً Expert System مصممًا لتحديد البكتيريا المسببة لالتهابات الدم، ووصف المضادات الحيوية المناسبة.
ولكن لم يكن “MYCIN” يهدف إلى استبدال الأطباء، بل إلى تقديم المشورة والدعم، بناءً على قواعد معرفية وبروتوكولات طبية محددة، رغم أنه لم يُستخدم على نطاق واسع في الممارسات السريرية، إلا أنه وضع حجر الأساس لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، في التشخيص الطبي.
وأشار الدكتور أحمد بهاء خيري أنه بعد “MYCIN”، تطورت نظم الخبرة الأخرى، لكنها واجهت تحديات كبيرة في التعامل مع تعقيدات البيانات الطبية، وتعدد المتغيرات في الحالات السريرية، حيث كان الاعتماد على قواعد “إذا…إذن” “If…Then” يحد من قدرتها على التعلم، والتكيف مع المعلومات الجديدة.
أشار دكتور هندسة النظم أنه مع التطور الهائل في القدرات الحاسوبية، وتوافر البيانات الطبية الضخمة، انتقل التركيز من نظم الخبراء إلى تقنيات التعلم الآلي، “Machine Learning” والتعلم العميق “Deep Learning”، هذه التقنيات مثل الشبكات العصبية الاصطناعية، قادرة على تحليل كميات هائلة من البيانات، مثل صور الأشعة، ونتائج التحاليل، والسجلات الطبية، والتعرف على الأنماط، والعلاقات المعقدة، التي قد يصعب على الأطباء اكتشافها.
شركات التكنولوجيا والدور المتقدم للتطبيب عن بعد
أكد الدكتور أن شركات التكنولوجيا الطبية الكبرى مثل فيليبس “Philips” أدركت إمكانات الذكاء الاصطناعي في تعزيز خدماتها، حيث تركز بشكل خاص على التطبيب عن بعد”Telemedicine” وأنظمة إدارة البيانات الصحية، تستخدم الشركة الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات المرضى من الأجهزة القابلة للارتداء، ومراقبة الحالات الصحية عن بعد، مما يسمح بالتدخل المبكر وتحسين الرعاية الوقائية، كما تُستخدم أنظمتها في تحليل صور الأشعة السينية، والرنين المغناطيسي، مما يسرّع عملية التشخيص ويزيد من دقتها.
أوضح الدكتور أحمد أنه في عصر الثورة الصناعية الرابعة، حيث تتكامل التكنولوجيا الرقمية والفيزيائية والبيولوجية، يتسع نطاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب، ليشمل مجالات جديدة ومبتكرة مثل النانوروبوت “Nanorobots” هذه الروبوتات المجهرية، التي تعمل بالنانوتكنولوجيا، يمكن برمجتها للتحرك داخل الجسم البشري لتوصيل الأدوية بدقة، إلى الخلايا السرطانية، أو إجراء إصلاحات دقيقة على مستوى الأنسجة، أو حتى إزالة الجلطات الدموية.
بالإضافة إلى الهندسة العكسية والتعويضات، حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي والهندسة العكسية في تصميم وتصنيع أعضاء وأطراف صناعية مخصصة بدقة فائقة، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل صور ثلاثية الأبعاد للعضو المتضرر وتصميم بديل يتناسب تمامًا مع احتياجات المريض، سواء كان ذلك لتعويض إصابات الحوادث في الأطراف أو الأسنان.
وأيضًا هندسة التصنيع “Additive Manufacturing” تُستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد، المدعومة بالذكاء الاصطناعي لإنشاء أعضاء صلبة مخصصة، مثل عظام الجمجمة أو مفاصل الركبة، مما يتيح تعويض الأجزاء المتصلبة في الجسم، بدقة وفعالية.
علاوة على ذلك رعاية كبار السن وبروتوكولات العلاج، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلل بيانات المرضى، من كبار السن، أو ذوي الاحتياجات الخاصة، لمراقبة التزامهم ببروتوكولات العلاج والرعاية، ويمكن للنظام أن يرسل تنبيهات للطاقم الطبي أو مقدمي الرعاية في حالة وجود أي انحراف، عن الخطة العلاجية أو ظهور علامات خطر، مما يضمن رعاية أفضل ومستمرة.
المخاطر والتحديات التي يجب الانتباه لها
رغم هذه الإمكانيات الهائلة يؤكد الدكتور أنه هناك مخاطر وتحديات كبيرة يجب التعامل معها بحذر، مثل دقة البيانات والتحيزات، حيث تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على البيانات التي تُغذى بها، إذا كانت هذه البيانات تحتوي على تحيزات “مثل نقص تمثيل لبعض الفئات السكانية أو الأعراق”، فإن النظام سيتعلم هذه التحيزات، وسيعطي توصيات غير دقيقة، أو متحيزة.
وأيضًا غياب اللمسة الإنسانية فالذكاء الاصطناعي لا يملك القدرة على التعاطف، أو فهم السياق الاجتماعي والنفسي للمريض، القرارات الطبية ليست مجرد تحليل بيانات، بل تتطلب تفاعلًا بشريًا، وثقة بين الطبيب والمريض.
والمسؤولية القانونية والأخلاقية ففي حالة حدوث خطأ في التشخيص، أو العلاج بسبب نظام ذكاء اصطناعي، من يتحمل المسؤولية، هل هو الطبيب، أم الشركة المطورة للنظام، أم المبرمج، هذا يثير تساؤلات قانونية وأخلاقية معقدة؟، والأمان والخصوصية إن تخزين وتحليل كميات هائلة من البيانات الطبية الحساسة، يفتح الباب أمام مخاطر أمنية كبيرة، يجب وضع بروتوكولات صارمة، لحماية خصوصية المرضى.
في النهاية يوضح الدكتور أحمد بهاء أنه لا يمكن للذكاء الاصطناعي، أن يحل محل الأطباء في الوقت الحالي، بل هو أداة قوية تساعد الأطباء في اتخاذ قرارات أكثر دقة وسرعة، إن الاعتماد الآمن على الذكاء الاصطناعي يتطلب التعاون بين الإنسان والآلة.
ويجب أن يظل الطبيب هو صانع القرار النهائي، مستخدمًا الذكاء الاصطناعي كمرشد ومحلل، وليس كمستبدل، فالمستقبل يكمن في دمج التكنولوجيا بذكاء، لتعزيز الرعاية الصحية، مع الحفاظ على دور الطبيب الأساسي، والمسؤولية الإنسانية.