متابعات – مريم ناصر
أصبح الحديث في وقتنا الحالي عن الاقتصاد والمال حاضرًا في كل بيت، حيث يعيش المصريون حالة من القلق الاقتصادي، انعكست بشكل مباشر على طريقة تعاملهم مع مدخراتهم، ومع تراجع قيمة الجنيه، وارتفاع معدلات التضخم، باتت مسألة الحفاظ على قيمة الأموال أولوية قصوى للأسر المصرية، التي أخذت تبحث عن ملاذات أكثر أمانًا.
وفي ضوء ذلك، برز “الذهب والدولار” كخيارين أساسيين، لحماية المدخرات من التآكل، فبينما ينظر البعض إلى الدولار باعتباره العملة الأقوى والأكثر تداولًا على مستوى العالم، ظل الذهب عبر العصور رمزًا للأمان، والاستقرار، حتى صار “خزينة البيت”، لدى كثير من العائلات.
واتضح من هذا الواقع أن تحركات الأسواق أصبحت حديث الناس اليومي، فارتفاع سعر الدولار، أو الذهب لم يعد مجرد خبر اقتصادي، بل حدث ينعكس على تفاصيل حياة المواطن من أسعار السلع الغذائية، وحتى تكاليف الزواج، وهذه التغيرات دفعت خبراء الاقتصاد إلى تفسير أسباب انجذاب المصريين نحو الذهب والدولار.
الشافعي: الذهب والدولار ملاذ المصريين الآمن في مواجهة الأزمات
أكد “الدكتور خالد الشافعي” الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية، في بداية حديثه أن هناك أسبابًا واضحة وراء توجه المصريين إلى الذهب، والدولار بدلًا من الاحتفاظ بمدخراتهم بالجنيه المصري.

الدكتور خالد الشافعي” الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية
قفزات الدولار المتتالية وفقدان الثقة في الجنيه المصري.. فما السبب
وأوضح الدكتور خالد الشافعي أن الدولار شهد قفزات كبيرة عبر السنوات، فبعدما كان يساوي 5 أو 6 جنيهات، ارتفع تدريجيًا ليصل إلى 15 و20 جنيهًا بعد تحريك سعر الصرف، ثم إلى 30 جنيهًا، قبل أن يقفز مؤخرًا إلى 50 و60 جنيهًا، وهذا الارتفاع جعل المواطنين يعتبرونه وسيلة، لحماية قيمة أموالهم.
الذهب الملاذ التاريخي للمصريين في مواجهة الأزمات
وقال الخبير الاقتصادي أنه يرى كثيرون أن الذهب هو الملاذ الأكثر أمانًا عبر العصور، لأنه يحافظ على القيمة الشرائية للنقود مهما مر الزمن، أو تغيرت الظروف الاقتصادية، لذلك اتجهت شريحة واسعة من المصريين، لشراء الذهب وتخزينه.
وتطرق “الشافعي” إلى تأثير النظام الاقتصادي العالمي على حياة المواطن المصري، موضحًا أن الأزمات العالمية مثل “التضخم، واضطراب سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار النفط والشحن”، كلها انعكست بشكل مباشر على السوق المصري.
الأزمات العالمية تقود المصريين إلى الذهب والدولار كخزينة أمام التضخم
وأشار الدكتور خالد الشافعي إلى أن بعض الدول الكبرى استحوذت على السلع الأساسية مثل “القمح، والزيوت، والسكر”، وغيره ما تسبب في نقص، أو ارتفاع أسعار هذه السلع عالميًا، وهو ما تأثر به المصريون الذين يعتمدون بدرجة كبيرة على الاستيراد.
واستكمل مبينًا أن المصريين يتابعون تحركات الأسواق العالمية باهتمام، وخاصة تقلبات سعر الدولار، وارتفاع تكاليف الشحن والسلع، لأنها عوامل تحدد بدقة الأسعار داخل السوق المحلي، سواء للسلع الجاهزة، أو للمواد الخام، وقطع الغيار اللازمة للصناعة.
وأشاد الدكتور خالد إلى أن الذهب ما زال حتى الآن هو الملاذ الآمن الحقيقي ليس فقط للمصريين، بل وللمستثمرين حول العالم، خاصة في ظل تقلب أسعار الدولار، والاضطرابات الجيوسياسية، التي تزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي عالميًا.
وأضاف أن تراجع الثقة في العملة المحلية دفع الأسر المصرية إلى تغيير أنماط الادخار والاستثمار، حيث لم يعد الجنيه يمثل وعاءً آمنًا للمدخرات بعد تراجع قيمته المتكرر أمام الدولار، وهو ما جعل المواطنين يبحثون عن بدائل أكثر استقرارًا مثل “الذهب والدولار”.
وشدد “الشافعي” على أن قرارات البنوك المركزية العالمية تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد المصري، خصوصًا ما يتعلق برفع أو خفض أسعار الفائدة، حيث تنعكس تلك القرارات على تكاليف الاستيراد، وبالتالي على أسعار السلع داخل السوق المحلي.
واختتم الخبير الاقتصادي حديثه بأن هذه التغيرات الاقتصادية العالمية والمحلية مجتمعة، تجعل المواطن المصري في حالة تأثر دائم بما يحدث خارجيًا، سواء في أسعار الغذاء، أو الوقود، أو السلع الأساسية، ما يزيد من أهمية وجود سياسات اقتصادية داخلية قادرة على امتصاص هذه الصدمات.
والنهاية يبقى واضحًا أن المصريين أصبحوا أكثر وعيًا بكيفية حماية مدخراتهم، وتحويل تركيزهم نحو “الذهب والدولار” كملاذات آمنة في مواجهة تقلبات الجنيه والأسواق العالمية، وهذه التحولات تعكس حجم التأثير المباشر للأزمات الاقتصادية على حياتهم اليومية.
ويظل دور البنوك المركزية دورًا محوريًا في حماية المواطنين من تقلبات الأسواق العالمية، من خلال سياسات واضحة لضبط الأسعار، وتوفير بدائل استثمارية آمنة، فوجود آليات فعالة داخلية يمكن أن يمنح المصريين شعورًا بالاستقرار، ويخفف من تأثير الصدمات الاقتصادية على حياتهم اليومية.