إنفراد – مريم ناصر
أصبح الحديث في وقتنا الحالي عن الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على الشركات الكبرى، بل أصبح واقعًا يوميًا يلامس تفاصيل حياتنا، من التعليم والترفيه، إلى طرق التواصل واللعب، وباتت الخوارزميات شريكًا في تشكيل عالم الطفولة، ويثير هذا الاندماج المبكر موجة واسعة من الجدل.
ويرى البعض أنه يفتح أمام الأطفال أبوابًا لفرص غير محدودة في تطوير المهارات، يعتبره آخرون خطرًا على التوازن النفسي للصغار، وتظل الطفولة اليوم على مفترق طرق بين التفاؤل والتحذير، إما الاستفادة من الذكاء الاصطناعي كأداة للنمو وتطوير الذات، أو الوقوع في فخ إدمان الشاشات وفقدان جوهر التجربة الإنسانية في التربية والتعلم.
الدكتور محمد الحارثي: يحذر من مخاطر الذكاء الاصطناعي على الأطفال
أكد الدكتور “محمد الحارثي” خبير تكنولوجيا وأمن المعلومات، أن تؤثر تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر على تركيز الأطفال عند الإفراط في استخدامها بشكل يومي، إذًا تقل قدرتهم على الانتباه مع طول فترة التصفح، أو اللعب على الأجهزة الذكية.

الدكتور محمد الحارثي
وأوضح الدكتور محمد الحارثي أن الذكاء الاصطناعي يجعل تجربة التصفح أكثر إغراءً عبر تخصيص المحتوى بما يتوافق مع اهتمامات الطفل، مما يدفعه إلى البقاء أمام الشاشة لساعات طويلة دون إدراك، ويدفع هذا التخصيص الأطفال تدريجيًا نحو الإدمان بدون علم، ويجدون صعوبة في الانفصال عن التطبيقات، أو الألعاب الإلكترونية التي تشبع فضولهم اللحظي.
وأشار دكتور الذكاء الاصطناعي أن يفرض هذا الإدمان الرقمي والتكنولوجي نمط حياة سلبي للأطفال، إذًا يبتعد الطفل عن التواصل المباشر والواقعي مع أسرته وأصدقائه، ويميل أكثر إلى العزلة والانغماس في العالم الرقمي والإلكتروني.
ويفتح الاعتماد المتزايد في الذكاء الاصطناعي على المنصات التفاعلية الباب أمام مخاطر الابتزاز الإلكتروني، خاصة مع سهولة التواصل مع الغرباء في الألعاب التكنولوجيا، أو شبكات التواصل الاجتماعي، أو عبر تطبيقات التعلم عبر الدردشة، ويؤدي هذا الانغماس في العالم الافتراضي إلى تراجع القدرات الإبداعية، ويحرم الطفل من التجارب الواقعية التي تنمي الخيال، وتساعده على الابتكار.
وأضاف خبير تكنولوجيا وأمن المعلومات أن بعض الأطفال أصبح لديهم مخاوف من الذكاء الاصطناعي، نتيجة تداول المعلومات الغير دقيقة، وهنا يبرز دور الأهل في المشاركة في التعلم، إلى جانب أطفالهم، لتوجيههم نحو الاستخدام الآمن والمفيد، وقدمت تصورًا متكاملًا، وذلك لاستخدام التطبيقات بحسب الفئات العمرية.
ورأى أن الخطورة الحقيقية لا ترتبط بالتقنية ذاتها، بل بطريقة التعامل معها، موضحًا أن الاستخدام المفرط والعشوائي لهذه الأدوات جعل بعض الأطفال يميلون إلى الاستسهال، وهو ما يترك أثرًا سلبيًا على شخصياتهم وقدراتهم في المستقبل.
ويبقى الذكاء الاصطناعي أداة مزدوجة الأثر في حياة الأطفال، بين وعود التطوير ومخاطر الإدمان، فهو قادر على أن يفتح أمامهم أبوابًا جديدة للتعلم وتنمية المهارات، لكنه في الوقت نفسه قد يحرمهم من أبسط مقومات التربية الإنسانية إذا استخدم بلا وعي.
ولعل التحدي الحقيقي لا يكمن في التقنية ذاتها، بل في كيفية إدارتها وتوجيهها بما يخدم مصلحة الطفل، فالتربية لم تعد مسؤولية الأسرة أو المدرسة وحدهما، بل أصبحت مسؤولية مشتركة مع أدوات رقمية تحتاج إلى إشراف وحكمة في التعامل.
وفي النهاية، يظل مستقبل الأجيال القادمة مرهونًا بقدرتنا على تحقيق التوازن، بين تكنولوجيا تفتح أبواب المعرفة، ولكن دون أن تغلق أبواب الطفولة الطبيعية التي تبنى على التواصل، الخيال، والإبداع.