كتبت – إيناس صقر
مع تزايد وتنوع حالات الطلاق في مصر والعديد من الدول العربية، سواء عن طريق الخلع أو للضرر، يتم طرح الكثير من التساؤلات حول أسباب تلك الظاهرة، وما هي المكاسب والخسائر التي تعود على الرجل أو المرأة من وراء عملية الطلاق.
وتعليقا على تلك التساؤلات، تقول هبة قطب، استشارية العلاقات الأسرية، ربما يتساوى الرجل والمرأة في حالة الطلاق من الناحية المعنوية، وقد تكون المرأة هى الخاسر الأكبر نتيجة الوضع المجتمعي الذي نعيش فيه، فلا تزال نظرة المجتمع للمرأة المطلقة غير جيدة، علاوة على أن عملية الإنفاق على الأبناء قد تتأثر.
وفي بعض الأحيان يمتنع الرجل عن الإنفاق، وهذا يمثل عبئا إضافيا على المرأة المطلقة، حيث تصبح مطالبة بالقيام بدور الأب والأم وأن تؤمن حياة أطفالها، لهذا تحدث لها معاناة كبيرة جدا.
وحسبما ذكرت وكالة “سبوتنيك”، توضح “قطب”، أنه من حق المطلقة أن يكون لها زوج بعد الطلاق، لكن المجتمع يضغط عليها بصورة كبيرة جدا حتى لا تتزوج مرة أخرى من أجل تربية أولادها، كما ينظر المجتمع للمرأة التي تزوجت مرة أخرى وكأنها مرتكبه لجرم، وإن تركت الأولاد لطليقها توصف بأنها تخلت عن أولادها، فالمرأة المطلقة متهمة في كل الأحوال وفق النظرة المجتمعية.
ولفتت استشارية العلاقات الأسرية، إلى أنها قضية مركبة، وللأسف الشديد في مجتمعاتنا لا تزال المرأة تفكر مليون مرة قبل أن تطلب الطلاق حتى وإن كانت صاحبة حق ويطالها أذي من الزوج، مشيرة إلى أن نسب الطلاق المرتفعة هى في الغالب في المستويات الاجتماعية العالية، نظرا لأن المرأة في تلك الطبقة يكون لديها استقلال مادي أو تجد من يساعدها من الأسرة، أما في الطبقة المتوسطة فإن الطلاق يكون صعب جدا، لأن خسارة المرأة تكون من جميع النواحي.
وأشارت “قطب”، إلى أن القضية في مجملها تعود إلى الضمائر، ولا يمكن أن نتحدث عن ثوابت فيها، وكما قلنا إن الخسارة الأكبر من عملية الطلاق تكون من نصيب المرأة، لكن هذا لا يمنع أن هناك حالات ونسبة ليست ضئيلة يكون الرجل فيها مظلوم ويتذوق مرارة الذل من أجل أن يرى أولاده، ويتم استخدامهم كسلاح ضده ويتم ابتزازه في بعض الحالات.
لكن في معظم الأحيان، يحدث العكس، وتحضرني هنا قصة أستاذة جامعية كبيرة ومستواها الاجتماعي ميسور جدا ولديها ميراث من أسرتها وعلى مستوى عال من الثقافة والتعليم، وفوجئت بأنها تقول أن عمر زواجها وصل إلى 25 عام، ومنذ فترة خطوبتها وزوجها يتعدى عليها بالضرب.
ومنذ أيام قليلة قام بركلها في وجهها ما أفقدها السمع مؤقتا، فكانت إجابتي عليها، بأن ليس لديها حجة لأنها فرطت في حقها منذ اليوم الأول، فالرجل الذي يعتدي على امرأة بالضرب غير أمين عليها، وهذا الكلام للمتزوجات والمقبلات على الزواج، فالقانون يعطي الحق في أن تختصميه وتأخدي عليه تعهدات، فقالت تلك الأستاذة الجامعية لا أستطيع فعل ذلك.
وحول تأثير العقوبات المادية والمعنوية على تلك الظاهرة الأسرية، قالت “قطب”، تشديد العقوبات المادية والمعنوية هى فكرة جيدة، لكن هناك رجال يعتدون على المرأة معنويا ونفسيا و يسببون لها كل أنواع الضغط حتى تتنازل عن كل حقوقها الشرعية وتبرئه منها.
وأرى أنه من حق كل ولي أمر لفتاة أن يضع لها مؤخرا جيدا، إن لم تكن تعمل وليس لديها دخل، وأرى أنه يجب تغيير المؤخر الذي يكتب بالنقود وقت الزواج، فلو كانت المرأة متزوجة منذ 30 عام مثلا وفي النهاية حدث الطلاق ولم يكن لديها دخل، فهل يتناسب المؤخر مع الوضع الراهن؟.
وهناك قصص كثيرة رأيتها، أن المرأة تكون حياتها مع الزوج هادئة طالما أن الأب أو الأخ موجود على قيد الحياة، وإن غاب هؤلاء تجد افتراء واعتداء من الزوج على الزوجة.
ما هي أنواع الطلاق؟
أما أستاذ علم الاجتماع وخبير الصحة النفسية، طه أبو حسين، فيرى أن هناك نوعين من الطلاق، طلاق للضرر وطلاق للمصلحة، حيث أن طلاق الضرر تكون فيه الزوجة متضررة من الرجل لأنه صاحب السطوة والقرار في مسألة الطلاق، نظرا لأن هناك أشياء في الرجل غير سوية مثل النظافة الشخصية وصفات شخصية غير مرغوبة ويترتب عليها استحالة العشرة، وتكون النهاية إما بالخلع أو غيره، لكن يجب أن تكون تلك الأمور في إطار الواقع.
وأضاف حسبما ذكرت وكالة “سبوتنيك”، أن الطلاق الثاني”المصلحة”، وهذا يعني أن الزوج لا ينفق من مال الزوجة والزوجة لا تنفق من مال زوجها، وهنا يتفق الطرفين على الطلاق، وهناك شق مادي في طلاق المصلحة، بأن تقول الزوجة لزوجها طلقني ولك مني مبلغ مالي على سبيل المثال.
وإذا قبل الرجل ذلك فله الحرية في ذلك وهذا ليس ممنوعا، ويمكن أن يكون منشأ الطلاق اتفاق أو اختلاف، ويمكن أن تكون الزوجة لها دور فاعل في الحفاظ على الأسرة بتحملها الزوج الغبي أو الفظ والبخيل من أجل الأولاد، وهنا نطلق على الزوجة بأنها “عامود الخيمة”، لأنها تحافظ على الأسرة من الانهيار.
وتابع أبو حسين: “هناك سيدات يقمن بالزواج من أشخاص ثم بعد فترة وجيزة وبعد إنجاب طفل أو طفلين يطلبن الطلاق من أجل الحصول على الشقة والنفقة وغيرها، وهذا الأمر ليس عيب الأزواج وإنما عيب القانون، فالزوجة لها في ذمة الرجل ميراث إذا مات، و لها ولأولادها نفقة في حياة الأب أو الزوج”.
أما ما دون ذلك من قوانين فهي باطلة ومفسدة للحياة الزوجية، وسوف تسبب أزمة مادية كبيرة بين الزوج والزوجة، يكون فيها الزوج هو الخاسر الوحيد، والاقتداء بما يحدث في الغرب بأن تحصل الزوجة على نصف أموال الرجل في حالة الخلاف أو الطلاق، هذا كلام غير منطقي وغير مقبول في مجتمعاتنا.
ودعا أستاذ علم الاجتماع، الأزواج والزوجات إلى الصبر على الحياة الزوجية كما أننا نصبر على أشياء كثيرة، فالطلاق أبغض الحلال في الإسلام، لكنه مشروع إذا تحققت الأشياء السابقة التي تحدثنا عنها، ويجب أن تدعم القوانين التماسك الأسري لا التفكك، لأن هدم الأسرة قد يؤثر كثيرا على الانتماء للوطن.
مكسب المرأة من الخُلع
قالت منه وحيد، رئيسة حملة تمرد سيدات مصر ضد قانون الأسرة المصرية، إنه لا يوجد مكسب بوقوع الطلاق، خاصة مع وجود الملايين من الضحايا من “أطفال الشقاق” الذين يخسرون حياتهم الآمنة المستقرة فى ظل وجود الأبوين.
وأضافت حسبما ذكرت “سبوتنيك”: “لكن تزايد نسب الطلاق بطريقة غير مسبوقة، ومع وصول نسب الطلاق بالخلع إلى 88 في المئة، من إجمالي حالات الطلاق بالمحاكم، وذلك تبعا لاحصائيات صادرة من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
وبذلك يتجلى لنا أن الطلاق لم يعد بكلمة من الرجل، وأن الرجل أصبح الضحية ماديا ومعنويا، حيث يتيح الطلاق للمرأة الاحتفاظ بالأطفال إلى خمسة عشر عاما ثم يتم تخيير الطفل، وبالطبع فهو لايعرف غيرها، وهنا تكون الحضانة أبدية للمطلقة مع الاحتفاظ بشقة الحضانة ونفقات بأنواعها، ويتم زيادتها كل عام بما يمثل عبء على كاهل أي أب، فى ظل الظروف الاقتصادية وبالأخص للفئة المعدمة والحرفيين.
وأشارت رئيس حملة تمرد، إلى أن الطلاق بالنسبة للرجل أصبح عقاب مدى الحياة، لأنه لا يستطيع الوفاء بالتزاماته نتيجة أحكام قضائية تصل قيمتها أحيانا إلى كامل دخله الشهري، وفى أحيان كثيرة لا يجد مكان يؤويه، وأصبح بدون أولاد أو سكن، ولايستطيع الزواج مرة أخرى، لأنه لايستطيع الانفاق على نفسه من الأساس.
وأوضحت وحيد، أن الطلاق بالنسبة للمرأة هو الاحتفاظ بكل شئ مع عدم وجود مسئولية زوج على عاتقها، فالرجل فى مصر يقضى سنوات عمره فى تهيئة منزل للزوجية بغية الاستقرار، وفى لحظة يخسر كل شئ والأشد من ذلك هو خسارة أبوته.
يعيش الطفل لدى والدته وأهلها، وفي أحيان كثيرة زوج الأم يكون أقرب للطفل من والده الذى لا يوجد لديه إلا قضية الرؤية، التى تسمح برؤية الطفل فى أحد مراكز الشباب لمدة ثلاثة ساعات أسبوعيا، أي 92 يوما خلال خمسة عشر عاما.
وهذا فى حالة التزام الطرف الحاضن بالحضور بالطفل في المواعيد المحددة، وللأسف الشديد مكان الرؤية يكون في أقرب مكان للحاضن، وفي أحيان كثيرة يكون في أماكن لايوجد بها أي حماية، ويتعرض الأب للبلطجة والإهانة كي لا يفكر مرة أخرى برؤية الطفل، أو تنفيذ الرؤية.
وشددت وحيد، على أن الخسارة المعنوية الأكبر هى أن الرجل يكون بلا حول ولا قوة حينما يشاهد أهله كبار السن يتعرضون لكل أنواع الإهانات كي يقتربوا من حفيدهم وبلا أي جدوى، حتى أن البعض يموت وهو في اشتياق لرؤية الحفيد ولو للحظات، فقد أفقد القانون المصرى قوامة رجال مصر.
وأقر البرلمان المصري في نهاية العام 2019، تعديل المادة 293 من قانون العقوبات الخاصة بنفقة الزوجة والأبناء وتغليظ العقوبة على الزوج الممتنع.
واعتبرت المنظمات النسوية الرسمية هذا الإقرار من البرلمان المصري، نصرا جديدا في حين أكدت شخصيات نسائية ومنظمات أهلية أن آليات التنفيذ وسرعتها هي الأهم.
يذكر أن المادة (293) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 نصت على أن “كل من صدر عليه حكم قضائي واجب النفاذ بدفع نفقة لزوجه أو أقاربه أو أصهاره أو أجر حضانة أو رضاعة أو مسكن، وامتنع عن الدفع مع قدرته عليه مدة ثلاثة أشهر، بعد التنبيه عليه بالدفع يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ولا ترفع الدعوى عليه إلا بناء على شكوى من صاحب الشأن، وإذا رفعت بعد الحكم عليه دعوى ثانية عن هذه الجريمة فتكون عقوبته الحبس مدة لا تزيد على سنة”.
كما “يترتب على الحكم الصادر بالإدانة تعليق استفادة المحكوم عليه من الخدمات المطلوب الحصول عليها بمناسبة ممارسته نشاطه المهني، والتي تقدمها الجهات الحكومية والهيئات العامة، ووحدات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، والجهات التي تؤدي خدمات مرافق عامة، حتى أدائه ما تجمد في ذمته لصالح المحكوم له وبنك ناصر الاجتماعي حسب الأحوال”.