تحقيق – مريم ناصر
في يومنا هذا، أصبح البلاستيك جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، كل ما نأكله أو نشربه، من زجاجات المياه إلى عبوات الأطعمة الجاهزة، وحتى في أغلفة المنتجات الطازجة، هذا الانتشار الواسع جعله يبدو عنصرًا عاديًا لا يثير الشك، لكن خلف هذا القبول المتكرر، تكمن حقيقة صادمة عن البلاستيك.
ويحتوي بعض أنواع البلاستيك على مركبات منها، “البيسفينول BPA”، “الفثالات”، وهي مواد يمكن أن تتفاعل مع الطعام خاصة عند التعرض للحرارة أو التخزين الطويل، وإن كانت غير محسوسة، إلا أنها تدخل الجسم وتؤثر على الهرمونات، وقد ترتبط بظهور أمراض خطيرة تشمل اضطرابات النمو والخصوبة، ومشاكل أخرى أيضًا.
وتمثل مصدر قلق حقيقي، حيث بدأ الباحثون يرصدون وجود آثار الميكروبلاستيك حتى في الدم، ومع تزايد الاعتماد على البلاستيك في الصناعات الغذائية، تتزايد أيضًا التحديات التي تواجه الصحة، مما يتطلب وعيًا مجتمعيًا ورقابة أكثر للحد من التعرض اليومي لهذه المواد.
أنواع البلاستيك.. أيها آمن لغذائك وأيها خطر صامت يهدد حياتك
غالبًا نهمل النظر إلى الرموز الموجودة أسفل عبوات الطعام، رغم أنها قد تكون الفارق بين التغذية السليمة والتعرض لمواد مسرطنة، يشير كل رمز إلى نوع بلاستيك محدد، ولكل نوع خصائصه ومدى أمانه عند ملامسته للأطعمة.
ويستخدم بولي إيثيلين تيرفثالات “PET”، على نطاق واسع في زجاجات المياه والعصائر، وعبوات التوابل، شفاف، متين، ومقاوم للرطوبة، ويعتبر آمنًا نسبيًا طالما لم يعاد استخدامه أو تعريضه للحرارة، ولكن بعض الحاويات منه مناسبة للاستخدام في الميكروويف إذا صنعت لذلك.
وأيضًا شائع البولي إيثيلين عالي الكثافة “HDPE”، في عبوات الحليب والعسل والزبدة، ويعد من الأنواع الآمنة نسبيًا لتخزين الأطعمة والمشروبات، إلا أن أيضًا له ضرر تخزين الماء فيه لفترات طويلة غير مستحب، لا ينصح باستخدامه مع الأطعمة الساخنة أو كمادة تغليف مباشرة.
ويندرج البولي فينيل كلورايد “PVC”، استخدامه في الأثاث، أنابيب الصرف، وبعض الأدوات المنزلية، لكنه مرفوض غذائيًا، أوقفته الجهات الصحية مثل “FDA” في التغليف الغذائي، وذلك بسبب تسرب جزيئات خطيرة منه إلى الأطعمة عند التخزين السيئ أو الحرارة العليا.
بولي إيثيلين منخفض الكثافة “LDPE”، مرن وشفاف ويستخدم في زجاجات الكاتشب وأكياس تجميد الطعام، مناسب للبرودة، لكن عند تعرضه للحرارة، أو التخزين طويل المدى، قد يطلق مواد كيميائية ضارة، يفضل تجنبه مع الأطعمة الساخنة.
ويعتبر البولي بروبيلين “PP”، من أكثر الأنواع أمانًا في الاستخدام الغذائي، نجده في عبوات الزبادي، زجاجات الدواء، وحاويات تخزين الطعام غالبًا، مقاوم للحرارة ولا يتفاعل مع الأطعمة، لذا يعد خيارًا مثاليًا لحفظ الطعام المتكرر.
بالإضافة إلى البولي ستايرين “PS”، متوفر في أطباق الفوم، وأكواب القهوة، وصحون الاستخدام الواحد، هش، وقد يسرب مواد خطرة عند التلامس مع الأطعمة الساخنة، ينصح بعدم استخدامه لتخزين أو تسخين الطعام.
وتمثل البوليمرات المختلطة “Others”، مجموعة من المواد المركبة مثل البولي كربونات، والبولي يوريثان، استخدامها في الغذاء يتفاوت حسب التركيبة، لذا من الأفضل تجنبها إن لم تكن العبوة محددة بوضوح بأنها آمنة غذائيًا.
تحذيرات المختصين.. كيف يهدد البلاستيك صحة الإنسان
أكد الدكتور “محمود عمر” مؤسس مركز السموم، أن إعادة استخدام زجاجات المياه البلاستيكية أكثر من ثلاث مرات قد يؤدي إلى تسرب جزيئات بلاستيكية ضارة إلى المياه، ما يمثل تهديدًا مباشرًا للصحة، وأوضح أن الزجاجات الزجاجية المصنوعة في درجات حرارة عالية لا تتحلل بسهولة، وتعد خيارًا أكثر أمانًا في الاستخدام اليومي.
وأشاد “عمر”، بمبادرة بعض الشركات التي بدأت في تعبئة الألبان داخل عبوات زجاجية، واصفًا الخطوة بأنها إيجابية ومطلوبة، لتقليل الاعتماد على البلاستيك في تعبئة الأغذية، وخاصة مع تزايد القلق من مخاطره الصحية.
وحذر من التأثيرات العميقة للبلاستيك على الصحة الإنجابية، مبينًا أن استنشاق رائحته المحترقة قد يعرض النساء الحوامل، ومواليدهن لمواد سامة قادرة على تغيير التركيب الجيني للجنين، وأضاف أن هذه التغيرات قد تؤدي إلى أمراض صدرية أو تشوهات خلقية، لافتًا إلى أن ضرر البلاستيك يفوق تأثير المبيدات في بعض الحالات.
ويشير الدكتور “مجدي السماحي” الباحث البيئي، إلى أن النفايات البلاستيكية تمثل تهديدًا حقيقيًا للبيئة، نظرًا لقدرتها على البقاء في التربة والمياه لفترات طويلة دون تحلل، هذه النفايات تسبب مع مرور الوقت تدهور خصوبة الأرض، وتؤثر سلبًا على الكائنات الدقيقة التي تحفظ توازن النظام البيئي، والنتيجة تكون بيئة زراعية هشة وغير قادرة.
ويؤكد “السماحي”، إلى أن بعض المكونات تطلق مواد كيميائية ضارة قد تتسرب إلى التربة وتمتصها النباتات، ما يؤدي إلى دخولها في السلسلة الغذائية، وهذا التلوث غير المرئي يعد خطرًا حقيقيًا على صحة الإنسان، حيث يرتبط بزيادة معدلات الإصابة بأمراض مزمنة، خطورته تكمن في كونه تراكميًا وبطيئًا، ويتسلل إلى الجسم عبر الغذاء والماء دون ملاحظة واضحة.
ويوضح ضرورة التحول إلى بدائل آمنة للبلاستيك، مثل الزجاج والورق، للحد من التلوث، كما يدعو إلى توعية المجتمع بمخاطر الاستخدام المفرط للبلاستيك، ودعم الأبحاث التي تعنى بإعادة التدوير، ويرى أن مواجهة الأزمة تتطلب تعاونًا فعّالًا بين الأفراد والحكومة، لوضع سياسات بيئية أكثر صرامة.
كيف يتحوّل البلاستيك من حافظة للطعام إلى ناقل للسموم
تعريض العبوات البلاستيكية للحرارة، تبدأ المواد الكيميائية غير المستقرة داخل البلاستيك في الانفصال والتسرب إلى الطعام، خصوصًا في حال إعادة التسخين في الميكروويف، أو صب الطعام الساخن مباشرة داخلها، ويشمل هذا مركبات مثل “البيسفينول BPA”، و”الفثالات”، التي ترتبط بمخاطر على الغدد الصماء والجهاز العصبي، وكلما زادت الحرارة، زادت كمية هذه المواد المسممة.
تختزن السموم بصمت الأطعمة الغنية بالدهون، مثل الجبن، الزبدة، واللحوم، تعد أكثر عرضة لامتصاص المواد الكيميائية المتسربة من البلاستيك، لأن كثيرًا من تلك المركبات تذوب بسهولة في الدهون، عند تخزين طعام دهني في عبوات بلاستيكية غير مخصصة لذلك، فإنك تعطي تلك المواد فرصة مثالية للانتقال إلى غذائك دون أن تلاحظ.
ويزداد التخزين في زمن تتحول العبوة فيه إلى مصدر تلوث، حتى دون وجود حرارة أو دهون، فإن بقاء الطعام لفترات طويلة داخل عبوة بلاستيكية، قد يؤدي إلى تسرب بطيء للمواد الكيميائية إلى الطعام، مع مرور الوقت على المدى الطويل.
وتضعف بنية البلاستيك وتتآكل جزيئيًا، خاصة عند تعرضه لأشعة الشمس أو درجات حرارة متغيرة، وهذا التآكل غير المرئي قد يحمل مخاطر تراكمية مع الاستهلاك المتكرر، ولذلك يجب اختيار النوع الصحيح لكي نقلل من الخطر.
دور المؤسسات الرقابية في استخدام البلاستيك في الصناعات الغذائية
تفرض القوانين المصرية غرامات تصل إلى 500 ألف جنيه على من يستخدم مكونات بلاستيكية ضارة في صناعة الأكياس أو التغليف، طبقًا لقانون تنظيم إدارة المخلفات، وتقوم جهات مثل الهيئة القومية لسلامة الغذاء والهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، بمراقبة الأسواق وتحليل المواد البلاستيكية الملامسة للأطعمة لضمان سلامتها.
وتشدد المؤسسات الصحية والرقابية على ضرورة التثقيف المجتمعي بمخاطر استخدام البلاستيك، خصوصًا في حفظ الأطعمة الساخنة أو طويلة التخزين، كما تدعم المبادرات الهادفة إلى تقليل الاعتماد على البلاستيك أحادي الاستخدام، وتشجع على استخدام بدائل أكثر أمانًا كالزجاج والمعادن.
وبات من الضروري إعادة النظر في استخدام البلاستيك مع الأطعمة، لما يحمله من مخاطر صحية وبيئية مؤكدة، فالمواد الضارة قد تتسرب للطعام وتؤثر على الجسم بصمت، الوعي بخطورة الأمر هو الخطوة الأولى نحو التغيير، الرقابة مهمة، لكنها لا تغني عن دور الفرد في الاختيار الآمن.