تحقيق – نسمة هاني
في زاوية المنزل حيث يسود الهدوء، تمضي الزوجة يومها كالمعتاد بين الأعمال المنزلية واللقاءات الاجتماعية، غير مدركة أن كلمة أو رسالة من زوجها قد حسمت مستقبل زواجها قبل أن تعلم الطلاق الغيابي، ظاهرة لا يرى أثرها إلا بعد فوات الأوان، يطرح أسئلة هامة عن كيفية إنهاء حياة مشتركة دون علم الطرف الآخر، وما انعكاساته النفسية والاجتماعية والدينية.
هذه الظاهرة تجسد تداخلًا بين التقاليد الشرعية والواقع المعاصر الذي تهيمن عليه التكنولوجيا، بين سلطة الزوج وحق الزوجة في المعرفة، وبين الرسائل النصية والوسائط الرقمية وتداعياتها ليس فقط الطلاق، بل الصمت بعده، وعدم الإعلام، أو التردد في الإعلان، كل هذه العوامل تضيف بعدًا معقدًا للعلاقة الزوجية.
رأي الشيخ عربي محمد.. الطلاق الغيابي ليس مجرد رسالة
يشدد الشيخ العربي محمد، على أن الطلاق الغيابي يمكن أن يقع شرعًا، لكنه يخضع لشروط دقيقة يجب توافرها حتى يكون صحيحًا، فالرسائل المكتوبة تُعد كناية عن الكلام الفعلي، ويعتمد وقوع الطلاق على نية الزوج في اللحظة التي كتب فيها الرسالة، فإذا كتب الزوج عبارة “أنت طالق” بنية حقيقية للطلاق، يصبح الطلاق واقعًا شرعًا، أما إذا كانت الرسالة مجرد تهديد أو وسيلة للضغط، فلا يعتبر الطلاق صحيحًا.
ويؤكد الشيخ على أهمية الإدراك والوعي عند إرسال الرسائل، مشيرًا إلى أن الغضب أو فقدان التحكم قد يبطل الطلاق شرعًا، ويضيف أن من واجب الزوج إبلاغ الزوجة فور وقوع الطلاق لضمان بدء العدة الشرعية وتحقيق العدالة والشفافية في العلاقة الزوجية، ويحذر الشيخ عربي من التعامل مع الوسائط الحديثة كأداة للتخلص من المسؤولية، مشيرًا إلى أن الطلاق عبر الرسائل يحمل تبعات شرعية كبيرة، بما في ذلك حقوق الزوجة وإمكانية الرجعة إذا كان الطلاق رجعيًا.
الطلاق الغيابي.. ظاهرة اجش تهز الأسرة والمجتمع
توضح الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن الطلاق الغيابي لا يُمثّل فقط مشكلة فردية أو دينية، بل هو ظاهرة اجتماعية تعكس أزمات أعمق داخل الأسرة والمجتمع، ترى الدكتورة سامية خضر أن هذه الظاهرة علامة على ضعف الحوار داخل الأسرة، حيث يفشل الأزواج في معالجة المشكلات بشكل مفتوح، مما يدفع بعضهم إلى البحث عن حلول صامتة لإنهاء العلاقة دون مواجهة مباشرة.

الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الإجتماع
وترى الدكتورة أيضًا أن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية تلعب دورًا في ارتفاع حالات الطلاق الصامت، لأن التحديات المالية والثقافية تجعل الحوار أو الصلح أقل جاذبية، كما تشير إلى تأثير الإعلام والدراما في تشكيل تصورات غير واقعية عن الزواج، ما يزيد من خيبة أمل الأزواج والزوجات ويؤدي إلى الطلاق، حتى في حال كان غيابيًا، ومن هذا المنظور، الطلاق الغيابي ليس مجرد قرار فردي أو ديني، بل ظاهرة اجتماعية تحتاج إلى معالجة على مستوى الثقافة الأسرية، ودعم الحوار داخل المنزل، وربما إصلاح في القوانين والتوعية الأسرية لمنع استغلال هذا النوع من الطلاق.
الطلاق الغيابي.. قانونيًا نافذ لكن الزوجة محمية
ومن الناحية القانونية، توضح المحامية إيناس عبد المقصود الطلاق الغيابي في مصر يصبح نافذًا إذا استوفى الزوج الإجراءات الرسمية، مثل تسجيل الطلاق في المحكمة أو الشهر العقاري، حتى لو لم تبلغ الزوجة مباشرة، وتوضح أن القانون يضمن للزوجة حقوقًا محددة بعد الطلاق الغيابي، إذ يظل مؤخر الصداق مستحقًا إذا لم يُدفع عند العقد، ويلزم الزوج بالإنفاق على الزوجة خلال فترة العدة، سواء كانت على علم بالطلاق أم لا، كما أن حق الحضانة للأطفال لا يتأثر بالطلاق الغيابي، وتقرر المحكمة وفق مصلحة الطفل وظروف الأسرة.
وتضيف المحامية إيناس أن الزوجة يمكنها الطعن قانونيًا إذا ثبت تعسف الزوج في استخدام الطلاق الغيابي أو إذا حاول الإضرار بها، حيث يمكنها المطالبة بحقوقها وربما التعويض، كما تؤكد أن الطلاق عبر الوسائط الرقمية مثل الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني لا يُثبت قانونيًا إلا إذا تم التوثيق الرسمي أمام المحكمة أو الجهات القضائية، وهو ما يحمي الزوجة من أي إساءة استخدام محتملة للطلاق الغيابي.
“بين رسالة وزر إرسال”.. كيف حولت التكنولوجيا الطلاق إلى خبر مفاجئ للزوجة
أصبحت الوسائط التكنولوجية الحديثة، من رسائل نصية وتطبيقات المحادثة والبريد الإلكتروني، أداة جديدة لتنفيذ الطلاق الغيابي، فالزوج قد يكتب كلمة الطلاق في رسالة قصيرة، تصل أو لا تصل للزوجة، لتصبح هذه الرسالة مفتاحًا لمستقبل زواجها دون علمها.
هذه الوسائل لا تغير من الواقع القانوني للطلاق إلا إذا تم توثيقها رسميًا، لكنها تزيد من صدمة الزوجة وتفاقم شعورها بالعجز والخذلان، كما أنها ترفع المخاطر النفسية والاجتماعية، خصوصًا عندما يتم الطلاق بشكل مفاجئ وصامت، دون تفسير أو حوار، مما يضاعف آثار الصدمة النفسية على الزوجة والأطفال.
كما يرى المجتمع أن استخدام التكنولوجيا بهذه الطريقة قد يشجع بعض الأزواج على اتخاذ قرارات الانفصال الصامت، متجنبين المسؤولية المباشرة، وهو ما يطرح تساؤلات حول الثقافة الزوجية الحديثة، وضرورة توعية الأزواج والزوجات بأساليب التواصل القانونية والأخلاقية عند إنهاء الحياة الزوجية.
الطلاق الغيابي لم يعد مجرد مسألة دينية أو قانونية، بل أصبح ظاهرة اجتماعية تحمل انعكاسات عميقة على الأسرة والمجتمع، في عالم يهيمن عليه التواصل الرقمي، يمكن لكلمة قصيرة أو رسالة نصية أن تقلب حياة الزوجة رأسًا على عقب، وتترك أثرًا نفسيًا لا يزول بسهولة، هذه الوسائل الحديثة قد تجعل الانفصال أكثر سرعة، لكنها تزيد من شعور الزوجة بالعجز والخوف، وتطرح تساؤلات حول أخلاقيات التواصل الزوجي وأهمية الشفافية.
في الوقت نفسه، يظل القانون وسيلة حماية، لكنه وحده لا يكفي، فالوعي المجتمعي والحوار داخل الأسرة هما السبيل لتجنب الانفصال الصامت الذي يترك آثارًا على الأطفال والعلاقات الاجتماعية، الطلاق الغيابي يذكّرنا بأن التكنولوجيا يمكن أن تكون سلاحًا ذا حدين، وسيلة لتسهيل الحياة أو أداة لانتزاع الأمان، المسؤولية تقع على الجميع الأزواج، المجتمع، والقانون لضمان أن يبقى الانفصال خيارًا مدروسًا وعادلاً، لا صدمة مفاجئة تترك أثرًا طويل الأمد على نفوس من يُفترض أن تكون حياتهم المشتركة مبنية على الثقة والاحترام.






