تحقيق – مريم ناصر
قد لا يبدو لك أن إهمال غسيل الأسنان، الذي يعتبره البعض مجرد تقصير في النظافة اليومية، يمكن أن يكون شرارة لانفجار مشكلات صحية خطيرة، فالفم المهمل لا يتسبب فقط في رائحة كريهة أو مظهر غير محبب، بل قد يتحول إلى ممر صامت لعبور البكتيريا إلى مجرى الدم، مهددًا القلب والرئتين بتسمم خطير أو التهابات قد تصل إلى حد الوفاة.
وبالإضافة إلى ذلك، قد تبدو القهوة للكثيرين رفيقًا يوميًا لا يستغنى عنه، ومصدرًا للطاقة والتركيز، لكن الإفراط في تناولها قد ينقلب على الجسم بنتائج عكسية، تبدأ باضطراب ضغط الدم ولا تنتهي عند إرهاق القلب، وبين هذه العادات المتكررة التي نمارسها دون تفكير، قد تختبئ مخاطر حقيقية لا تظهر إلا بعد فوات الأوان.
ابتسامتك ليست مجرد مظهر.. كيف يمكن لغسيل الأسنان أن ينقذ حياتك من الهلاك
يعتقد كثيرون أن تنظيف الأسنان مجرد روتين جمالي يهدف لتحسين رائحة الفم أو شكل الابتسامة، إلا أن الواقع الطبي يكشف عن جانب أكثر خطورة لهذه العادة المهملة، إذ أثبتت الأبحاث أن الفم يمكن أن يكون بوابة صامتة تدخل منها البكتيريا إلى الجسم، مسببة مضاعفات صحية قد تصل إلى القلب والرئتين وتهدد الحياة.
وعند إهمال تنظيف الأسنان، تتراكم البكتيريا في اللثة والأسطح الداخلية للفم، هذه البكتيريا قد تجد طريقها إلى مجرى الدم عبر جروح صغيرة غير محسوسة، لتسبب حالة طبية خطيرة تعرف بإسم “تسمم الدم”، وهي استجابة مناعية مفرطة قد تؤدي إلى فشل في الأعضاء إن لم تكتشف مبكرًا.
ولا يتوقف خطر البكتيريا عند هذا الحد، إذ تشير تقارير طبية إلى إمكانية انتقالها إلى القلب، مما قد يؤدي إلى التهاب في بطانته أو صماماته، وهي حالة تعرف بـ”التهاب الشغاف”، هذا الالتهاب قد يضعف عضلة القلب ويعرض المريض لمضاعفات قلبية شديدة، خصوصًا لدى من يعانون من أمراض مزمنة أو لديهم صمامات صناعية.
وبالإضافة إلى ذلك لا تسلم الرئتان أيضًا من هذا الخطر، فاستنشاق البكتيريا الفموية، خاصة لدى كبار السن أو المرضى ذوي المناعة الضعيفة، قد يؤدي إلى الإصابة بالالتهاب الرئوي، وهو من أكثر العدوى التنفسية وقد يتدهور الحال بسرعة عند الإهمال.
ٱراء البعض من أطباء الفم والقلب والرئتين
يحذر الدكتور “ياسر النحاس” أستشاري في جراحة القلب والصدر، من أن التهابات اللثة قد تفتح الطريق أمام البكتيريا الفموية للتسلل إلى مجرى الدم، وقد تستقر تلك البكتيريا في بطانة القلب أو صماماته، مسببة التهابات خطيرة، خصوصًا لدى مرضى القلب أو من لديهم صمامات صناعية، ويوضح أن هذا النوع من العدوى قد يستدعي تدخلًا جراحيًا معقدًا في حال تأخر اكتشافه.
ويوضح أيضًا إلى أن البكتيريا الفموية قد تسهم في رفع مستويات الالتهاب بالجسم، مما يؤدي إلى تضييق الشرايين مع الوقت، وهذا يزيد من احتمالات الإصابة بالجلطات القلبية والسكتات المفاجئة عند كبار السن، ويؤكد أن العناية بصحة الفم تمثل وسيلة وقائية فعّالة لحماية القلب.
ويشير الدكتور “شادي علي” أخصائي طب الأسنان، إلى أن التهابات اللثة قد يؤدي بها إلى مشاكل في المخ والقلب معًا ولا تعد مجرد مشكلة موضعية، فالبكتريا الناتجة عن ضعف العناية بصحة الفم قد تدخل الدورة الدموية وتستقر في القلب، مسببة التهابات في الصمامات.
وينبه الدكتور أيضًا إلى أن خطورة هذه الحالة تتضاعف لدى مرضى الأمراض المزمنة أو من يحملون صمامات قلبية صناعية، أن إهمال صحة الفم قد يقود إلى مضاعفات تفوق بكثير فقدان بعض الأسنان، ويدعو إلى وعي حقيقي بترابط الفم بالقلب.
وينبه الدكتور “نور الدين مصطفى” طبيب الأسنان، من تجاهل علامات التهابات اللثة، وعلى رأسها نزيف اللثة الذي يعد مؤشرًا أوليًا لمشكلة صحية، ويؤكد أن هذا النزيف ليس عرضًا بسيطًا، بل يُشير إلى وجود التهاب اللثة قد تؤدي لاحقًا إلى انحسار اللثة أو تآكل العظام المحيطة بالأسنان، ما يستدعي التعامل معه بجدية.
ويوضح “مصطفى” أن التهاب اللثة لا يعتبر مرضًا مستقلًا، بل هو عرض لحالة أكثر تعقيدًا ناتجة عن تراكم طبقات من الجير، وتشير الإحصاءات إلى أن نحو 99% من الأشخاص يصابون بـ التهاب اللثة دون أن يدركوا ذلك، نتيجة ترسب الأملاح المعدنية الموجودة في اللعاب على جذور الأسنان، وتكوّن هذه الترسبات بشكل تدريجي بين اللثة والأسنان.
ويضيف أن تنظيف الأسنان المنتظم رغم ضرورته، لا يمنع بالكامل تكوّن طبقة الجير بمرور الوقت، ما يجعل زيارة طبيب الأسنان كل ستة أشهر أمرًا لا غنى عنه، فإزالة الجير ليست مسألة جمالية، بل إجراء طبي يهدف إلى الوقاية من أمراض اللثة والحفاظ على صحة الفم.
ويُشير إلى أن تكون الجير يبدأ منذ مرحلة الطفولة، بعد تبديل الأسنان اللبنية، ومع غياب التنظيف العميق، تتراكم هذه الطبقة وتسبب التهابات متكررة، لذا ينصح بالمتابعة الدورية مع طبيب الأسنان منذ الصغر، لأن الوقاية والعناية المبكرة تمثلان خط الدفاع الأول ضد أمراض اللثة ومضاعفاتها.
ويفسر الدكتور “مصطفى عبد الهادي” استشاري الأمراض الصدرية والعناية المركزة، أن التهابات اللثة قد تتيح للبكتيريا فرصة الدخول إلى مجرى الدم، ومنها إلى الرئتين، وأن هذه العدوى قد تتسبب في أمراض رئوية حادة، مثل الالتهاب الرئوي، خاصة لدى الفئات الأكثر عرضة مثل كبار السن أو أصحاب المناعة الضعيفة.
ويعد تنظيف الأسنان مرتين يوميًا بإستخدام معجون غني بالفلورايد هو خط الدفاع الأول ضد التهابات اللثة، لكن الفرشاة وحدها لا تكفي، فالمناطق بين الأسنان تحتاج إلى عناية خاصة بإستخدام الخيط الطبي، وتراكم بقايا الطعام والبكتيريا في هذه المناطق قد يؤدي إلى التهابات مزمنة في اللثة.
لذا يجب العناية الدقيقة بالأسنان عادة لا تهمل في جدولك اليومي، تجاهل الفحص الدوري لدى طبيب الأسنان قد يسمح بمضاعفات لا تظهر أعراضها إلا بعد فوات الأوان، زيارة كل ستة أشهر كافية لاكتشاف أية التهابات أو تسوسات في مراحلها المبكرة، الطبيب لا يعالج فقط بل يوجهك إلى طرق وقاية فعالة تناسب حالتك الصحية.
وتساهم المتابعة في الحفاظ على توازن فموي صحي يدوم، التدخين، ضعف التغذية، والضغط النفسي من أبرز العوامل التي تضعف مناعة اللثة، والإقلاع عن التدخين وتناول غذاء متوازن غني بالفيتامينات يعزز من صحة الفم، فيتامين C والكالسيوم أساسيان للحفاظ على اللثة قوية وسليمة.
حين يتحول النشاط إلى توتر.. الوجه الخفي لفنجان القهوة
يرتبط الصباح لدى الكثير برائحة القهوة ونكهتها المنبهة، وأصبحت عادة يومية لا يستغنى عنها لبدء اليوم بحيوية، ورغم ما تمنحه من شعور مؤقت بالتركيز والنشاط، فإن هذا المشروب المفضل لا يخلو من جوانب خفية قد تتحول إلى مصدر قلق صحي في حال الإفراط في استهلاكه.

مشاكل القهوة
القهوة بين الفوائد الصحية والمخاطر المحتملة
تعتبر القهوة من أكثر المشروبات استهلاكًا حول العالم، فهي لا تقتصر على الكافيين فقط، بل تحتوي أيضًا على العديد من المركبات النشطة بيولوجيًا، أبرزها مضادات الأكسدة مثل حمض الكلوروجينيك، الذي يساهم في تقليل الالتهابات ومكافحة الجذور الحر.
وتحتوي أيضًا على فيتامينات B مثل B2 وB3 وB5، وبعض المعادن مثل المغنيسيوم، والبوتاسيوم، هذه المكونات تمنح القهوة قيمة غذائية عالية، مما يجعلها مشروبًا محببًا للجميع.
ويساعد الكافيين في القهوة على تنشيط الجهاز العصبي، زيادة التركيز وتحسين المزاج، وأظهرت الدراسات أن تناول القهوة بشكل معتدل قد يقلل من خطر الإصابة بأمراض مثل السكري من النوع الثاني، أمراض القلب وبعض أنواع السرطان.
وتحتوي أيضًا على البوليفينولات مثل حمض الكلوروجينيك التي تساهم في تقوية المناعة ومكافحة الالتهابات، بالإضافة إلى فوائدها في العناية بالبشرة والشعر حيث تُستخدم كمقشر طبيعي بفضل خصائصها المضادة للأكسدة.
وتساهم القهوة أيضًا في تعزيز اللياقة البدنية، وتعزيز الأداء الرياضي من خلال زيادة معدلات الأيض وتحفيز حرق الدهون، مما يجعلها خيارًا مساعدًا في برامج التنحيف بشرط الاعتدال في تناولها.
ويمكن أن يؤدي الإفراط في شرب القهوة إلى بعض المشاكل مثل الأرق، تسارع ضربات القلب، ارتفاع ضغط الدم، واضطرابات هضمية، مما يجعل الاعتدال في استهلاكها أمرًا أساسيًا للاستفادة منها دون التعرض للأضرار.
ويسبب الإفراط في شرب القهوة تحفيز الجهاز الهضمي بشكل مفرط، نتيجة تأثير الكافيين على إفراز هرمون الغاسترين، يؤدي هذا الهرمون إلى زيادة العصارات الهضمية وحركة المعدة، مما يسرع عملية الإخراج ويؤدي في بعض الحالات إلى الإسهال.
ويرفع الكافيين كذلك من حموضة المعدة، ما قد يؤدي إلى مشكلات هضمية عند البعض، خاصة من يعانون من حساسية أو مشاكل في المعدة، وينصح بتقليل الكمية المستهلكة من القهوة لتفادي هذه الآثار الجانبية.
ويسبب الإفراط في تناول القهوة ارتفاعًا مؤقتًا في ضغط الدم، حتى لدى من لا يعانون من مشكلات مزمنة، يؤدي هذا التأثير إلى إجهاد القلب وقد يتسبب في تسارع أو عدم انتظام ضرباته، وهو ما يشكل خطرًا خاصًا على مرضى القلب.
رأي المختصين حول الإفراط في تناول القهوة
يشير الدكتور “أكرم حمدان” أخصائي التغذية العلاجية بالمعهد القومي للتغذية، إلى أن الإفراط في تناول القهوة بهدف تحسين التركيز قد يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة، فبدلًا من الشعور باليقظة، قد يعاني الشخص من ارتباك أو صداع أو حتى شعور بالغثيان بسبب ارتفاع نسبة الكافيين.
ويؤكد “حمدان” أن الكميات الزائدة من الكافيين لا تعزز التركيز كما يظن البعض، بل قد تجهد الجسم وتؤثر سلبًا على الأداء الذهني، لذا يُنصح بالاكتفاء بكمية معتدلة من القهوة في بداية اليوم، لتفادي هذه الأعراض المزعجة.
وأظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من الإسهال المزمن ينبغي عليهم الحذر عند تناول القهوة، إذ يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الحالة، فالكافيين الموجود في القهوة يزيد من إفراز الأحماض في المعدة، مما يسرع من حركة الأمعاء وقد يسبب تهيجًا بالجهاز الهضمي، وحتى القهوة منزوعة الكافيين لا تخلو من هذا التأثير، لذلك ينصح بتقليل استهلاك القهوة أو التوقف عنها مؤقتًا عند وجود اضطرابات هضمية.
وتسبب الكافيين في تأثيرات قوية على الأطفال تفوق تلك التي يحدثها في البالغين، ويؤدي ذلك إلى تسارع ضربات القلب، وزيادة التوتر، واضطرابات في الهضم، وضعف التركيز، كما قد تضعف القهوة من شهية الطفل، مما يؤثر سلبًا على حصوله على التغذية اللازمة، لذلك يفضل منع الأطفال تحت سن 12 عامًا من تناولها لتجنب المضاعفات المحتملة.
ويساهم الكافيين في إرخاء العضلة العاصرة الموجودة بين المعدة والمريء، وهو ما يسمح بإرتجاع الأحماض إلى المريء مسببًا الحموضة وأعراض الارتجاع المزعجة، لذلك ينصح مرضى الارتجاع المعدي المريئي “GERD”، بتقليل تناول القهوة أو تجنبها تمامًا، وقد يكون خيار القهوة منزوعة الكافيين أنسب لتخفيف تلك الأعراض وتحسين راحة الجهاز الهضمي.
وتبقى القهوة مشروبًا محببًا لدى الكثيرين، لكنها كغيرها تحتاج إلى وعي واعتدال في الاستهلاك، فالفائدة لا تتحقق بالإفراط، بل بالتوازن الذي يحمي الصحة ويمنح النشاط دون آثار جانبية.
وفي النهاية نقوم بتسليط الضوء على حقيقة قد يغفلها الكثيرون، أن ممارسات يومية بسيطة مثل تناول القهوة، أو إهمال غسيل الأسنان، قد تكون ذات أثر بالغ على الصحة العامة، فبينما تعد القهوة مشروبًا شائعًا ومحببًا، إلا أن الإفراط فيها يحمل مخاطر، كما أن إهمال صحة الفم قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل تسمم الدم أو مشاكل في القلب والرئة، الوعي بهذه التفاصيل يصنع الفارق بين عادة نافعة وعادة ضارة.