تحقيق ـ بسملة الجمل
أقر الإسلام حق المرأة في الميراث بنصوص واضحة تكفل لها نصيبها المشروع، حيث قال الله تعالى: “تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا”، ورغم ذلك تحرم كثير من النساء من هذا الحق بفعل الأعراف والتقاليد التي تكرّس التمييز وتفرض عليهن التنازل لصالح الذكور، وبين التهديد بالقطيعة الأسرية والضغوط المجتمعية، تجد المرأة نفسها مضطرة للتخلي عن حقها، في مخالفة صريحة لما أقره الشرع من عدل وإنصاف.
نساء الشرقية في معركة الميراث المفقود
في أعماق قرى محافظة الشرقية، حيث تتشابك العادات والتقاليد مع الحقوق الشرعية، تخوض العديد من النساء معارك شاقة لاستعادة ما سُلِبَ منهن دون وجه حق، وبين حرمان كامل، ومساومة غير عادلة، وتحايل قانوني، تتعدد الأساليب لكن النتيجة واحدة: حرمان المرأة من حقها في الميراث.
بين وصية الأب وجحود الإخوة
لم تتخيل “فاتن.م”، ابنة إحدى قرى مركز فاقوس، أن كلمات والدها قبل وفاته ستنسى بمجرد رحيله، فقد أوصى الأب أبناءه الرجال بالعدل في توزيع الميراث، لكنه لم يكن يعلم أن الموت سيقلب القلوب.
بعد رحيله، استولى أشقاؤها الذكور على الأراضي الزراعية والمنازل، قائلين إن تقسيم الميراث لا يجوز طالما أن والدتهم على قيد الحياة، رغم أن كل واحد منهم حصل على نصيبه كاملاً، لم يكن الأمر مجرد تأجيل، بل كان خداعًا متعمدًا.
ومرت السنوات ورحلت الأم، لكن بدلاً من رد الحقوق لأصحابها، قسم الإخوة الممتلكات بينهم، تاركين شقيقاتهم بلا نصيب يُذكر سوى “المواسم والزيارات” كتعويض عن حقهن الضائع.

مشكلة الميراث
جهاز العروس بدلًا من الميراث في زنكلون
وفي قرية زنكلون التابعة لمركز الزقازيق، هناك عُرف سائد لا يجرؤ أحد على كسره: “البنت تُجهَّز ولا ترث”، هذا ما عاشته “محاسن.م”، التي لم تحظَ بنصيبها من الميراث، بل حصلت بدلًا منه على أجهزة كهربائية ومستلزمات زواج لا تحتاجها، فقط لأن أهل قريتها يرون أن المرأة لا تستحق نصيبًا في الأراضي والعقارات.
“جهزوني بثلاث غسالات، وأشياء لا قيمة لها، وكان يمكن أن يكفي جهازي لثلاث عرائس غيري”، تروي محاسن بأسى، مشيرة إلى أن هذه العادة ترسخت حتى باتت أمرًا مسلمًا به، فلا يُناقش أحد حق الفتاة، ولا يُذكر أن ما يحدث ظلم بيّن.
المرأة التي تتزوج من “الغريب” لا ترث
وفي مدينة أبو كبير، تسود قاعدة غير مكتوبة لكنها صارمة: “البنت التي تتزوج من خارج العائلة لا حق لها في الميراث”، هكذا وجدت “هالة.ال”، نفسها محاصرة بين العادات الجائرة والقوانين التي لا تنفذ، ورغم أن بعض النساء حاولن كسر هذه القاعدة برفع دعاوى قضائية، إلا أن التنفيذ غالبًا ما يصطدم بالرفض القاطع من الأشقاء، حتى لو صدر الحكم لصالح المرأة، فالنتيجة واحدة: “القطيعة مدى الحياة”.
المجتمع المصري بين الالتزام الديني والعادات الموروثة
ومن خلال الحديث مع بعض المواطنين تنوعت آرائهم، فأوضحت “سلمى هاني” أن حرمان النساء من الميراث ليس مشكلة منتشرة في مجتمعنا، مشيرة إلى أن المجتمع المصري بطبيعته مجتمع إسلامي يحترم تعاليم الدين، التي تضمن للمرأة جميع حقوقها، بما في ذلك الميراث.
مضيفة: “الإسلام وضع قواعد واضحة للميراث تضمن العدل بين الجميع، وأعتقد أن الغالبية العظمى من الأسر المصرية تلتزم بهذه التعاليم. ربما توجد حالات فردية، لكنها لا تمثل ظاهرة عامة، بل استثناءات تتعلق بعادات قديمة أو خلافات أسرية نادرة.”
كما أكدت أن الالتزام بالتعاليم الدينية والقيم المجتمعية كفيل بحفظ حقوق المرأة، مشيرة إلى أن المشكلة الحقيقية ليست في القانون أو الدين، بل في بعض التصرفات الفردية التي تخالف المبادئ الإسلامية وتعاليم العدالة، وترى أن الحل يكمن في تعزيز الثقافة الدينية الصحيحة والتوعية القانونية لضمان حصول كل فرد على حقوقه دون الحاجة إلى النزاعات.
الميراث بين الأنانية وصلة الرحم
وأشار “عمر سامح” إلى أن الأشخاص الذين يرفضون إعطاء النساء حقوقهن في الميراث غالبًا ما تحركهم الأنانية وحب الذات، حيث يقدمون مصالحهم الشخصية على تعاليم الدين والعدالة، مضيفًا: “الميراث ليس مجرد مال أو ممتلكات، بل هو حق شرعي وقانوني، ومن يمنعه يكون مدفوعًا بالطمع ورغبة في الاستحواذ، دون أي اعتبار للعدل أو لصلة الرحم.”
موضحًا أن هذه التصرفات لا تعكس فقط جشعًا ماديًا، بل تكشف عن خلل أخلاقي واجتماعي، حيث يتجاهل البعض أن ما يأخذونه بغير حق سيؤدي إلى خلافات عائلية تدوم لسنوات، وربما قطيعة بين الإخوة والأقارب، مؤكدًا أن الحل لا يقتصر على تطبيق القانون فقط، بل يحتاج إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة، وترسيخ ثقافة العدالة والحق، حتى لا يترك المجال لمن يبررون أفعالهم بحجج واهية.
التشريعات أقوى من التقاليد في حماية حقوق المرأة
وأكد “أيمن محمد” أن القوانين أقوى من العادات والتقاليد في قضية حرمان النساء من الميراث، مشيرًا إلى أن الدولة المصرية تستمد قوانينها من الشريعة الإسلامية، التي تحمي المرأة وتضمن حصولها على حقوقها كاملة دون أي تمييز.
كما يرى أن المشكلة ليست في قوة القانون، بل في تمسك البعض بعادات قديمة تخالف تعاليم الدين نفسه، قائلًا: “القانون واضح وصريح، لكنه يحتاج إلى وعي مجتمعي أكبر حتى يُطبق دون تردد. البعض يخشى المواجهة العائلية، لكن في النهاية، الحقوق لا تضيع في ظل وجود دولة تحميها.”
مضيفًا أن الدولة لا تتهاون في هذه القضايا، ومع تزايد الوعي القانوني، أصبح من الصعب استمرار ممارسات حرمان المرأة من الميراث كما كان يحدث في الماضي، موضحًا “المشكلة ليست في غياب القانون، بل في استغلال الجهل به، ومع الوقت، سيتراجع تأثير العادات أمام قوة التشريعات التي تضمن العدالة للجميع.”
حرمان المرأة من الميراث بين القانون والعادات
وأوضح المستشار “حامد الشيخ” أنه لا يوجد شيء يسمى “حرمان النساء من الميراث” في أي دين سماوي، فجميع الأديان أقرت حق المرأة في الميراث وجعلته جزءًا من منظومة العدل الإلهي، التي لا يمكن التلاعب بها أو إنكارها.
مضيفًا أن القوانين الوضعية، سواء في النظام اللاتيني أو الإنجلو سكسوني، لم تخالف هذا المبدأ، بل عززته بتشريعات واضحة تمنع أي محاولة لانتقاص حقوق المرأة، مؤكدًا أن الدولة المصرية وضعت نصوصًا قانونية صارمة لمعاقبة من يحرم المرأة من ميراثها الشرعي.
كما أكد أن المشكلة الحقيقية ليست في القوانين، بل في بعض العادات والتقاليد التي تحاول فرض نفسها على حساب التشريعات، مشددًا على أن الحل يكمن في تطبيق القانون بحزم، إلى جانب التوعية المجتمعية التي تضمن احترام الحقوق دون الحاجة إلى اللجوء للقضاء.
التقاليد في مواجهة القانون وتأثيرها على حقوق المرأة
وأشار المستشار القانوني إلى أن رفض بعض العائلات إعطاء البنات حقهن في الميراث ليس سوى إرث قديم وفكر متوارث لم يعد له مكان في مجتمع اليوم، حيث أحدثت التغيرات الاجتماعية والتعليمية ثورة في المفاهيم، وأصبح الوعي بالقوانين والحقوق أقوى من أي تقاليد بالية.
وأكد أن هذا النهج كان شائعًا في الماضي، عندما كانت النظرة إلى المرأة مختلفة، لكن مع التطور والتقدم العلمي، أدركت المجتمعات أن العدل لا يتجزأ، وأن حقوق الميراث ليست مسألة خاضعة للأهواء الشخصية، بل هي نصوص شرعية وقانونية لا يمكن تجاوزها.
كذلك أوضح أن التغيير لا يأتي فقط من القوانين، بل من وعي الأفراد بحقوقهم، مشيرًا إلى أن الأجيال الجديدة أصبحت أكثر إدراكًا لحقوق المرأة، وأكثر قدرة على رفض الضغوط الاجتماعية التي كانت تمنعها من المطالبة بحقوقها المشروعة.
القانون يحمي حقوق المرأة في الميراث بعقوبات صارمة
وأوضح “الشيخ” أن القانون لم يترك حق المرأة في الميراث خاضعًا للأهواء الشخصية أو العادات القديمة، بل وضع عقوبات صارمة لكل من يحاول حرمانها من نصيبها الشرعي، مما يعكس التزام الدولة بحماية الحقوق وعدم السماح بالتلاعب بها.
خطوات قانونية لاسترداد حقوق المرأة في الميراث
وأشار “المستشار حامد الشيخ” إلى أن المرأة التي تتعرض للحرمان من الميراث تستطيع اللجوء إلى القضاء باتباع خطوات قانونية واضحة، تضمن لها استرداد حقها الشرعي دون أي تلاعب أو مماطلة.
وأوضح أن أولى الخطوات تبدأ برفع دعوى “عدم تسليم الحصة الميراثية”، حيث تقوم المرأة بإثبات نصيبها الشرعي في التركة عبر الوثائق الرسمية، مثل إعلام الوراثة والمستندات التي تثبت ممتلكات المتوفى، مع تقديم أي أدلة على امتناع الورثة الآخرين عن تسليمها حقها.
مؤكدًا أن القضاء ينظر بجدية في هذه القضايا، وفي حال ثبوت الامتناع المتعمد، يتم توقيع العقوبات القانونية على المخالفين، إلى جانب إلزامهم بتسليم الميراث فورًا، مشيرًا إلى أن اللجوء للقانون أصبح سلاحًا فعالًا يحمي المرأة من أي محاولات لانتزاع حقوقها المشروعة.
حق المرأة في الميراث لا يسقط بالتقادم
وأوضح المستشار القانوني أن حق المرأة في المطالبة بميراثها لا يسقط بالتقادم، مما يعني أنها تستطيع رفع دعوى قضائية لاسترداد نصيبها الشرعي في أي وقت، حتى لو مرّ وقت طويل على تقسيم التركة.
كما أشار إلى أن الميراث حق ثابت لا يمكن التلاعب به أو تقيده بمدة زمنية، فالقانون يمنح الورثة كامل الحق في المطالبة بنصيبهم متى اكتشفوا تعرضهم للحرمان أو التلاعب، مؤكدًا أن التأخير لا يُسقط الحقوق، بل يبقى الباب مفتوحًا أمام القضاء لإنصاف المتضررين.
مضيفًا أن اللجوء إلى المحاكم أصبح أكثر سهولة مع وجود إجراءات قانونية واضحة تحمي حقوق المرأة، مشددًا على أن التمسك بالعادات القديمة أو الخوف من المواجهة لا يجب أن يكون عائقًا أمام استرداد الحقوق المشروعة.
تنفيذ الأحكام القضائية في قضايا الميراث والعوائق المحتملة
وأكد “الشيخ” أن تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة بالميراث لا يواجه أي صعوبات قانونية، حيث تلتزم الجهات المختصة بتنفيذ الأحكام الصادرة لضمان حصول الورثة على حقوقهم، ولكن الأمر قد يختلف من محامٍ إلى آخر في سرعة وإجراءات التنفيذ.
موضحًا أن بعض المحامين يمتلكون خبرة واسعة في التعامل مع هذه القضايا، مما يساعد في تنفيذ الأحكام بسلاسة، بينما قد يواجه آخرون بعض التعقيدات الإجرائية التي تؤدي إلى تأخير التنفيذ، لكن في النهاية القانون واضح، والأحكام القضائية إلزامية ولا يمكن الالتفاف عليها أو تعطيلها.
الإعلام ودوره في توعية النساء بحقوقهن في الميراث
وأشار “حامد الشيخ” إلى أن تعزيز وعي النساء بحقوقهن في الميراث يبدأ من الإعلام والصحافة، باعتبارهما الأدوات الأكثر تأثيرًا في تشكيل المفاهيم وتصحيح المعلومات الخاطئة المنتشرة في المجتمع.
وأوضح أن الإعلام المرئي والمسموع والمقروء يلعب دورًا رئيسيًا في نشر الثقافة القانونية، من خلال البرامج التوعوية، والتقارير الصحفية، وحملات التثقيف التي تسلط الضوء على القوانين التي تحمي حقوق المرأة، وتوضح الطرق القانونية التي يمكنها اتباعها لاسترداد ميراثها.
في ظل الصراع القائم بين العادات والتقاليد من جهة، والتشريعات والقوانين من جهة أخرى، تظل قضية حرمان المرأة من الميراث واحدة من أكثر المشكلات الاجتماعية تعقيدًا، حيث تتشابك فيها المصالح العائلية مع المفاهيم الدينية والقانونية.
وعلى الرغم من أن القانون المصري المستمد من الشريعة الإسلامية واضح وصريح في حماية حقوق المرأة في الميراث، إلا أن التنفيذ العملي يظل التحدي الأكبر، خاصةً في المجتمعات الريفية التي لا تزال خاضعة لسلطة العرف أكثر من القانون.