تقرير – وفاء العسكري
بداخل دولة هى نقطة التقاء رافدي نهر النيل النهر الأطول في العالم، نشأت علاقات رسمية مع العدو المحتل للبلاد التي تحتضن أبرز المعالم الدينية، دولة هى الخامسة في التطبيع مع العدو، وإقامة علاقات قوية ودبلوماسية معه.
نتحدث عن دولة السودان التي بدأت علاقات مع إسرائيل رسميًا في 23 أكتوبر 2020، وقبل هذه الفترة لم تكن هناك علاقات رسمية قائمة، ولكن ووفقًا لنائب وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي “أيوب قرا” فإن السودان وإسرائيل كانا يحتفظان بعلاقات سرية.
وأعلنت إسرائيل في 23 أكتوبر 2020 إقامة علاقات دبلوماسية رسمية لأول مرة مع السودان، مما جعل السودان خامس دولة تطبع مع إسرائيل بعد مصر والأردن والإمارات والبحرين اللتين طبعتا في 2020.
وبالرجوع للتاريخ القديم فلقد خاض السودان رسميًا الحرب مع إسرائيل في حرب 1948، بين العرب وإسرائيل وحرب الأيام الستة عام 1967 على الرغم من عدم مشاركتها في أزمة السويس، في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، كان للسودان الذي كان آنذاك غير مُستقل علاقات تجارية نشطة مع إسرائيل.
ولم تُشارك السودان بنشاط في حرب يوم الغفران، حيثُ وصلت القوات السودانية مُتأخرة جدًا عن المُشاركة، وقد دعمت إسرائيل الميليشيات المسيحية التي حاربت الحكومة السودانية في الحربين الأهليتين السودانيتين الأولى والثانية.
وطرح “إبراهيم غندور” وزير الخارجية السوداني، في يناير 2016 تطبيع العلاقات مع إسرائيل بشرط رفع الحكومة الأمريكية العقوبات الاقتصادية، وأعقب “عمر البشير” الرئيس السوداني، ذلك في مقابلة مع صحيفة عكاظ السعودية.
حيث قال “البشير”: “لو أن إسرائيل اليوم احتلت سورية، لم تكن ستدمر كما حصل الآن، ولم تكن ستقتل كما هى الأعداد المقتولة الآن، ولن تشرد كما شرد الآن”، وأرسلت إسرائيل طائرة بمُسعفين ومُعدات إلى السودان في محاولة لإنقاذ دُبلوماسي متواجد في السودان.
وتم الكشف أنه في مطلع سبتمبر 2016 تواصلت إسرائيل مع الحكومة الأمريكية، وبعض الدول الغربية لتشجعهم على تحسين العلاقات بين إسرائيل والسودان، بعد انقطاع العلاقات بين إيران والدول العربية في أفريقيا عام 2015.
وفي حدثٍ أُقيم في “بئر السبع” فإن “أيوب قرا” كشف أنه على اتصال ببعض المسئولين السودانيين، ولم ينفِ الأخبار التي ترددت بخصوص قيام مسئول سوداني بزيارة إسرائيل، وفي فبراير 2020 التقى بنيامين نتنياهو بعبد الفتاح البرهان في أوغندا.
حيث اتفقا على تطبيع العلاقات بين البلدين، ولاحقًا في نفس هذا الشهر، سُمح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في أجواء السودان، وفي أكتوبر 2020 زار وفد إسرائيلي السودان، والتقوا بعبد الفتاح البرهان لإجراء محادثات حول تطبيع العلاقات بين البلدين.
وتم الإعلان في 23 أكتوبر 2020 عن الاتفاق السوداني الإسرائيلي، والذي سيعمل على تسوية العلاقات بين البلدين وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينهما، وجاء في البيان أنهم قد اتفقوا على بدء علاقات اقتصادية وتجارية مع التركيز في البداية على الزراعة.
إلى جانب العديد من المجالات المختلفة منها مجالات التكنولوجيا الزراعية والطيران والهجرة وغيرها، وقد جاءت اتفاقية التطبيع في نفس اليوم الذي وقع فيه دونالد ترامب الرئيس الأمريكي على إزالة السودان من قائمة الإرهاب.
وعلق “دونالد ترامب” على اتفاق التطبيع، قائلًا: “فوز كبير للولايات المتحدة والسلام في العالم، وافق السودان على اتفاق سلام وتطبيع مع إسرائيل! مع الإمارات والبحرين، قامت الثلاث دول هذه بذلك في غضون أسابيع فقط، والمزيد سوف يتبعهم!”.
ونص اتفاق التطبيع الإسرائيلي السوداني على تسوية العلاقات بين البلدين، وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينهما، والجدير بالذكر أن السودان أرسل قوات لقتال القوات الإسرائيلية، ويُعتبر إسرائيل دولة معادية.
وتم تعريف التطبيع هذا على أنه معاهدة السلام حسب القانون الدولي، فهى معاهدة أو اتفاق بين طرفين أو أكثر من الأطراف المتعادية، عادةً ما تكون دولًا أو حكوماتٍ بحيث تُنهي رسميًا حالة الحرب بين الأطراف، ووُقعت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979.
وترتب على معاهدة السلام تلك توقف حالة الحرب التي كانت قائمة منذ الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، مع سحب إسرائيل لكامل قواتها المُسلحة والمدنيين من شبه جزيرة سيناء، التي كانت قد احتلتها خلال حرب 1967.
أما معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية والتي وُقعت في 26 أكتوبر 1994، فقد حسمت العديد من القضايا، ومنها الحدود الإدارية بين الأردن والضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، بالإضافة لقضايا المياه والجرائم.
بالإضافة إلى جرائم البيئة والمعايير الحدودية وجوازات السفر، والتأشيرات واللاجئين الفلسطينيين، ونصت مُعاهدة السلام على إنهاء حالة العداء الرسمية بين البلدين، والعيش في سلام تام، ولا يكسر أحد منهم تلك المعاهدة الدولية.
وحسب عمر غانم خبير العلاقات الدولية والدبلوماسي العراقي السابق، فإنه في سياق القضية الفلسطينية يُمكن استعمال مصطلح “معاهدة سلام” مع الدول الحدودية لإسرائيل، والتي كانت قد دخلت في نزاعاتٍ مسلحةٍ مباشرة معها منذ عام 1948.
وتشمل سوريا، لبنان، الأردن، مصر، فلسطين. أما “اتفاق التطبيع” فهو يُشير إلى جعل العلاقات طبيعيًة بعد فترةٍ من التوتر أو القطيعة، وتتضمن إنشاء علاقاتٍ دبلوماسية بين إسرائيل والدول المُقاطعة، تضامنًا مع القضية الفلسطينية والدول الحدودية.
وذلك بالاعتماد على قرارات جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ويُطلق على الاتفاق السوداني الإسرائيلي العديد من التسميات، وتتضمن: اتفاق التطبيع السوداني الإسرائيلي، معاهدة السلام السودانية الإسرائيلية، اتفاق السلام السوداني الإسرائيلي، الاتفاق الثلاثي “السوداني، الإسرائيلي، الأمريكي”.
ويجدر للإشارة إلى أن السودان من الدول العربية التي خاضت حروبًا ضد إسرائيل، وشهدت عاصمتها الخرطوم اتخاذ قرار للجامعة العربية عرف بقرار اللاءات الثلاث: لا صلح، لا تفاوض، ولا اعتراف بإسرائيل.
ويُذكر بأن السودان أرسلت قوات لمحاربة القوات الإسرائيلية في جميع الحروب العربية الإسرائيلية الكبرى، وتُعتبر إسرائيل دولة عدوة لها، وزُعم بأن القوات الجوية الإسرائيلية هاجمت القوات السودانية والإرهابيين، الذين احتموا في السودان في عامي 2009 و2012.
وبداخل عام 25 أكتوبر 2012، وفي أعقاب انفجار مصنع اليرموك للذخائر، وصفت إسرائيل عبر مسؤولها في وزارة الدفاع عاموس جلعاد بأن “السودان دولة إرهابية خطيرة”، دون أن يؤكد تورط إسرائيل بالقصف.
وفي أوائل كانون الثاني 2016، قام وزير الخارجية السوداني والرئيس عمر البشير بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بشرط أن ترفع الحكومة الأمريكية العقوبات الاقتصادية على السودان، وتم الكشف أنه في مطلع سبتمبر 2016 تواصلت إسرائيل مع الحكومة الأمريكية، وبعض الدول الغربية لتشجعهم على تحسين العلاقات بين إسرائيل والسودان.
وفي أغسطس/آب 2020، قام وزير الخارجية الأمريكي بجولة في عدد من دول الجامعة العربية، ومن بينها السودان، وفي 15 سبتمبر 2020 وقعت الإمارات العربية المتحدة والبحرين مع إسرائيل اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، وأفادت الأنباء آنذاك بأن من المُتوقع أن يوقع السودان وعمان على الاتفاقيات بعد الانتخابات الأمريكية.
وغرّد “ترامب” في 19 أكتوبر 2020 على تويتر، قائلًا: “أخبار عظيمة! وافقت الحكومة السودانية الجديدة، التي تحرز تقدمًا كبيرًا، على دفع 335 مليون دولار لضحايا الإرهاب والعائلات الأميركية، بمجرد إيداعها، سأرفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، أخيرًا العدالة للشعب الأمريكي وخطوة كبيرة للسودان!”.
وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول، قال وزير الإعلام السوداني يوم الخميس إن الأموال قد أودعت، وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول 2020، زار وفد إسرائيلي السودان، وقال وزير الخارجية السوداني بالوكالة في 23 تشرين الأول/أكتوبر على شاشة التلفزيون الرسمي، إن اتفاق السودان سيعتمد على موافقة المجلس التشريعي الذي لم يتم تشكيله بعد.
وردت دولة فلسطين على ذلك حيث أعلن الرئيس الفلسطيني إدانته ورفضه لاتفاق التطبيع، لأن ذلك يتعارض مع قرارات القمم العربية ومبادرة السلام العربية، التي أقرتها القمم العربية والإسلامية ومجلس الأمن الدولي وفقًا للقرار 1515.
وأعلنت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في بيانٍ لها، أنَّ الاتفاق بين السودان وإسرائيل “خيانة لفلسطين، وتهديد لهوية ومستقبل السودان وخيانة للأمة ولثوابت الإجماع العربي”، وأضافت: “نحن نثق بأن الشعب السوداني والأحزاب القومية والوطنية في السودان لن تقبل هذه الخيانة، وقوى الحرية والتغيير أمام اختبار مصيري سيحدد مسار التغيير في هذا البلد العزيز على قلوبنا”.
كما أصدرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بيانًا عبرت فيه عن إدانتها وغضبها من التطبيع، وأشارت بأنَّ هذا “التطبيع المشين والمهين الذي لا يليق بالسودان شعبًا وتاريخًا ومكانةً ودورًا كدولة عمق داعمة لفلسطين وقضيتها ومقاومتها”.
كما دعت حماس “شعب السودان البطل إلى رفض هذا الاتفاق العار، والذي لن يجلب للسودان استقرارًا ولا انفراجًا كما يدعون، بل سيأخذ السودان نحو المزيد من التشتت والتضييق والضياع”.
واعتبر المجلس الوطني الفلسطيني اتفاق تطبيع “استخدامًا مرفوضًا للقضية الفلسطينية، مقابل وعود وأوهام أميركية وإسرائيلية، لن تجلب السلام والازدهار والتنمية للمنطقة بأكملها”، كما أكد في بيانٍ له أنَّ “هذا الاتفاق التطبيعي، يمثل خرقًا وخروجًا على قرارات الإجماع العربي والإسلامي، تجاه القضية الفلسطينية، وانتهاكًا صارخًا لحقوق شعبنا وقضيته”.