تقرير – وفاء العسكري
بداخل الساعات المتأخرة في الليل، يبدأ عقلك بخلق حوار داخلي، حوار ليس له صوت سوء داخل عقلك فقط، حتى أنك ترى بعض المواقف وتبدأ في التفكير بها، وماذا سيحدث إذا لم أفعل ذلك؟.
وربما يختلق عقلك بعض المواقف التي تمنيت أن تحدث في يومًا من الأيام، وترى المواقف مع أشخاص واقعية، أو ربما أشخاص من وحي خيالك، ولكن تبدأ في وضع كل الاحتمالات لظهور هذا الموقف في الواقع، وتبدأ في التعامل معه، وترسم كيف سيكون الأمر في النهاية!.
وتعد هذا الحالة أمرًا طبيعيًا، وهى معروفة باسم “متلازمة جوسكا”، وهى الحديث الذاتي بعاطفة تتسبب في قيام الفرد بالحديث مع نفسه، ومناقشة حوار طويل ومتكامل الأطراف، ويكون إما بصوت مسموع، أو في وضع الصمت داخل العقل.
وتحدث متلازمة جوسكا أو “عاطفة جوسكا” بشكل شائع في الحياة اليومية للعديد من الأشخاص، فمثلا وأنت تستعد للجلوس مع أصدقائك، يبدأ عقلك قبل رؤية الأصدقاء بتخيل الجلسة، وما سيقال بها، وردة فعل الآخرين، ولكن هذا الحالة ربما تؤدي إلى حالة أخرى شائعة وهى التفكير الزائد.
ويمكن القول أن تلك المتلازمة ليست بهذا السوء، لأنها تفيد الفرد في تجنب الوقوع في الخطأ، والحصول على أفضل النتائج في أي موقف غير متوقع، كما تنمي قدرة الإستجابة الفورية عند الفرد، وذلك سيساعده على بناء درع يحميه من أي مخاطر، أو مواقف صادمة.
ولكن الإفراط في استخدام تلك المميزات سيؤدي إلى انعكاس تأثير سلبي على الفرد، مثل عشقه إلى الانغلاق على ذاته، وخلق عالم افتراضي “غير واقعي” خاص به بداخل عقله، وهذا سيؤثر على تعامله مع الآخرين في الواقع، ويجعله غير قادر على التحدث عن مشاكله أو حتى تلك الأشياء التي تسعد قلبه.
ولذلك سيتجنب التعامل مع الآخرين، ويمكن أن تتسبب تلك المتلازمة بخداع الذات، فكل ما يفكر به الفرد أو يتخيله يُعد وهمًا، وربما لم يحدث ابدًا أو سيحدث على المدى البعيد، وفي حال اعتمد على تلك الأوهام لتيسير حياته، سيؤدي ذلك إلى انفصاله التام عن الواقع ويبدأ بخداع نفسه دون وعي.
وإذا اعتمدت تلك المتلازمة على تفكير في الأفكار السلبية، وجعل الفرد يتخيل دائمًا المواقف الأسوأ والسيناريوهات السلبية، فهذا يتسبب في زيادة القلق عند تلك الأفراد، ويزداد معدل الخوف والقلق الشديد من المستقبل، حتى لو أن تلك الأحداث لن تحدث أو ستحدث على المدى البعيد.
ويمكن القول أن “متلازمة جوسكا” سلاح ذو حدين، إما أن تساعدك في تجنب الكثير من المخاطر، والمواقف السلبية، وإما أن تسيطر على عقلك وتعمل على حبك للانعزال، وترسم لك المزيد من الأفكار السوداوية عن العالم، والمواقف السيئة التي ليس من المستحيل حدوثها، ولكن تحدث بنسبة ضئيلة جدًا.
حيث أوضح الدكتور أحمد العربي دكتور علم النفس بجامعة المنصورة، أنه هنالك العديد من الأعراض التي تظهر على الفرد، فمنها: توقف الشخص عن الحديث مع الآخرين، ويحاول في أغلب الأوقات تجنب الآخرين بشكل ملحوظ، وعدم القدرة على الاندماج مع العائلة أو التجمعات العائلية والانعزال عنهم تمامًا.
وأضاف “العربي” والمصاب بتلك المتلازمة دائمًا ما يكره المناسبات الصاخبة والتجمعات العائلية المتعمقة المبالغ فيها، وأحيانًا تجده يتحدث مع أشخاص غير واقعيين، ومن صفاته البارزة هى النظرة السوداوية، حيث يرى أن الحياة سيئة ويفكر بطريقة سلبية تجاه الحياة والبشر، ويمكن أن يصل إلى حالة الجنون بسبب كثرة الحديث مع نفسه.
واستطرد الدكتور أن تلك الحالة تظهر عندما يصل إلى مرحلة الحديث الزائد مع ذاته، وتصل إلى القيام بسلوك عدواني ضد ذاته، وربما تصل إلى قيامه بذلك السلوك ضد الآخرين، ودائمًا يظهر هذا الشخص بصورة مهملة، فلا يستطيع تحمل المسؤولية ولا القيام بمهام عمله أو حتى دراسته أو عاداته اليومية، ويمتلك الكثير من اضطرابات النوم بسبب كثرة التفكير.
ولا يوجد سبب واضح وصريح في ظهور تلك الحالة، ولكن هنالك العديد من الأسباب التي ذُكرت في كتب علم النفس، وهى: تعرض الفرد للكثير من الضغوطات النفسية، وتعرض بكثرة للصدمات العاطفية، وشعور الفرد بالعجز واليأس وعدم القدرة على مواجهة المواقف أو المشاكل التي تواجهه.
ومن أبرز تلك الأسباب هى الانطوائية وعدم الانخراط في المجتمع، والعزلة فعدم اختلاط الفرد مع الآخرين ستجعله يبحث عن طرق بديلة لقضاء وقت فراغه، واضطراب الجو الأسري، الذي يُعد أكبر الأسباب لتلك المتلازمة.
فإذا كانت الأسرة مفككة، سيصبح الفرد منعزلًا رغمًا عن إرادته، وذلك بسبب عدم انخراطه مع مجتمعه الداخلية، فكيف سيتعامل مع المجتمع الخارجي، وإذا كان الفرد مصابًا بتلك الأمراض فهو أكثر تعرضًا لحدوث تلك المتلازمة، مثل: الاكتئاب، انفصام الشخصية، القلق، اضطراب ما بعد الصدمة، بعض الأمراض العقلية والوسواس القهري، والتفكير الزائد.
ويمكن أن تكون متلازمة جوسكا وراثة من أحد الأسرة، إما الأم مصابة بتلك المتلازمة أو الأب، وربما أحد الأبناء مصاب بها فيقوم بالتأثير على الآخر، لذلك للعائلة دورًا هامًا في الحد من الإصابة في تلك المتلازمة، فمساعدة الابن على الانخراط مع مجتمعه الصغير “المجتمع الداخلي”، ذلك سيساعده على مواجهة المجتمع الكبير “المجتمع الخارجي”.
وتتمثل مضاعفات متلازمة جوسكا في عدة أساليب، منها وجود خلال في الشهية، في بعض الأحيان يأكل المصاب بشكل مفرط، وفي الوقت الآخر لا يأكل مطلقًا، والخلل الإدراكي وهو أنه لا يدرك كل ما يحيط به برغم وعيه الكامل بتلك الأشياء، إلا أن إدراكه يتخلله العديد من المشاكل، التي تعيق حركة حياته اليومية، والتعامل مع أصدقائه وعائلته وحتى أفراد المجتمع.
وكما ذكرنا يمكن لتلك المتلازمة السيطرة على العقل بشكل كامل، وتصيب الفرد بالجنون وذلك لكثرة تخيله لأشياء لا تحدث، ويضع فيها آمال ضخمة للحدوث في الواقع، والضغط النفسي والتوتر الدائم فتجده في مواقف طبيعية، كثير التوتر والقلق أو كثير العصبية لأشياء لا تستدعي ذلك.
ويعاني المصاب بمتلازمة جوسكا من ارتفاع ضغط الدم بسبب التوتر والعصبية التي تسبب بهم كثرة التفكير، ويكون المصاب أكثر تعرضًا للإصابة بمرض السكري، وذلك بسبب الاضطرابات النفسية واضطرابات الشهية، التي تتسبب بها تلك المتلازمة، مما تساعد في الإصابة بالعديد من الأمراض إلى جانب مرض السكري.
وهنالك العديد من طرق الوقاية التي يمكن اتابعها لتجنب الإصابة بمتلازمة جوسكا، ومنها التفاعل مع الأفراد بداخل المجتمع ومع الأسرة أيضًا، وتجنب الأفكار السلبية عن طريق التفاؤل بالمستقبل وأن كل شئ سيحدث كتب له ذلك قبلها بقرون، ويمكن أيضًا التوجه إلى القراءة في الكتب العامة لتجنب تلك الأفكار السيئة.
وتناول قلم وبعض الأوراق وكتابة الأفكار السيئة، ومحاولة تحويلها لأفكار إيجابية سيساعدك على تخطي تلك الأفكار، بجانب التطوع في الأعمال الخيرية، التي سوف تعمل على تنمية مهارات التواصل مع الآخرين، ومحاولة التأقلم على التعامل مع الآخر والانخراط بداخل المجتمع، وعد الانعزال لفترات طويل.
وبين الحين والآخر أذهب لرؤية صديق تحبه، وتحدث معه عن كل ما يزعجك وكل تلك الأفكار السيئة، والتحدث عن المواقف اليومية سيقلل من قلقك، وتجنب الأشخاص والأشياء التي تسبب لك توتر وقلق، بالإضافة إلى المواقف التي تجعلك تحت ضغط عصبي.
ويجب التنبيه أن الحديث مع النفس بشكل معتدل لا يُعد مرضًا، والخطوة الأهم التي تساعدك في الاعتدال، هى ترتيب أفكارك ونشاطك اليومي، وتقسيم الوقت بين الراحة والعمل والتطوير، حتى إذ لم تقم بفعل كل شئ، لكن تقسيم الوقت سيقلل التوتر بداخل عقلك، ومحاولة تعلم مهارة جديدة هو الأسلوب المناسب.
وإذا وقعت الفريسة بداخل المصيدة، وبالفعل أنت مصاب بمتلازمة جوسكا، هنالك بعض طرق العلاج، ومنها: تلقي جلسات العلاج السلوكي والنفسي، وهى إعادة تهيئة وتقويم السلوك والنفس، والتي ستجعل منك شخص أكثر تنظيمًا ليومك ووقتك، وبالطبع ستتم تحت إشراف طبيب نفسي متخصص.
وتناول بعض الأدوية التي يصفها لك الطبيب النفسي، سيساعد ذلك في علاج متلازمة جوسكا، وبالطبع الحصول على الدعم الكبير من الأسرة والأفراد المقربين، لأن نسبة نجاح العلاج على أيديهم نسبة كبيرة، وذلك لأنهم المجتمع الصغير الذي يبدأ عنده كل شئ، ومحاولة الانخراط داخل المجتمع، ومحاولة إيجاد أصدقاء متشابهون معك.
فوجود أصدقاء متشابهون معك، سيساعدك ذلك على العلاج السريع لمتلازمة جوسكا، ومحاولة القضاء على الوقت الفارغ هذا سيعمل على تقليل التفكير الزائد، والذي هو أحد عوامل المتلازمة، ودائمًا حاول إشغال عقلك بكل ما هو مفيد، بعيدًا عن الأفكار السيئة، وتعلم مهارة جديدة سيساعدك ذلك على التأقلم، وسيزيد من ثقتك بنفسك أكثر.