تحقيق – نسمة هاني
اشتعلت الخلافات، واشتدت المعارك الكلامية، وتبادل الطرفان الاتهامات في مشهدٍ يتكرر داخل كثير من البيوت المصرية، فبين الحماة التي ترى أن لها حق الوصاية على بيت ابنها، وزوجة الابن التي تطالب بخصوصية واستقلالية في حياتها الزوجية، نشأت علاقة مشحونة بالتوتر وسوء الفهم، قلّما تنجو منها أسرة دون أن تترك ندوبًا على جدران العلاقة العائلية.
لم تعد هذه العلاقة تخضع فقط لأصول المحبة والاحترام المتبادل، بل أصبحت ساحةً للاختبار، تُقاس فيها القدرة على التحمّل وضبط النفس، ويُختبر فيها توازن المشاعر بين البر والخصوصية، فقد تداخلت الأدوار، وتشابكت الحدود، حتى بات من الصعب أن نفرّق بين التدخل بدافع الحب، والتطفل بدافع السيطرة، الأم التي ترى نفسها وصيةً على بيت ابنها، لا تتراجع بسهولة عن دورها، والزوجة التي جاءت بأحلام الاستقلال والحرية، ترفض أن تُدار من خلف الستار.
وتزداد الأزمة تعقيدًا حين تتحوّل العلاقة من مجرد خلاف في وجهات النظر، إلى صراع نفسي طويل المدى، يفتك بالبيت من الداخل، ويترك الجميع في حالة من التوتر الدائم، لا ينجو منها أحد، لا الحماة، ولا الزوجة، ولا حتى الابن نفسه الذي يذوب بين نارين.
أصوات من الواقع.. من الظالمة ومن المظلومة
تقول ام محمد: “كنت أتمنى أن تكون زوجة ابني ابنتي الثانية، وأن نكوّن معًا أسرة متحابة ومتعاونة، نأكل سويًا، ونجلس سويًا، ويضيف كل منا للآخر، لا أن ينتقص منه لم أكن أطلب الكثير، فقط الاحترام والصدق، ولكنها بدأت تكذب في أبسط الأمور، حتى دون سبب واضح، كنت أتغاضى وأقول لا بأس، ستتغير مع الوقت”.
وأضافت ام محمد، “بدأت المشاكل تظهر شيئًا فشيئًا، كانت تقول لابني إنها متعبة ولن تنزل إليّ، وتكرر ذلك كل يوم تقريبًا، كنت أعدّ الطعام وحدي، ثم تنزل لتأكله دون أن تساعدني في أي شيء، لا تنظيف ولا حتى كلمة شكر ورغم ذلك، كنت أقول في نفسي دَعها تعتاد علينا، الأيام كفيلة بتغييرها”.
وتابعت ام محمد “مرّ عام كامل وما زالت تكذب، والمشاكل تتزايد لم تعد تزورني، لكنها ظلت تملأ أذن ابني بكلام يؤلمني، حتى إنه قاطعني لثلاثة أشهر متتالية دون أن يخبرني بالسبب، كنت أحاول الاقتراب، أرسل له رسائل، أستفسر، لكنه كان يصدّني بصمته”.
واختتمت حديثها قائلة: “بلغ الأمر حدًا دفع والده إلى التفكير في إخراجه من المنزل، من شدة القهر والانفعال، كل ما أردته هو ابنة تحتويني، لا زوجة تفرق بيني وبين ابني”.
وتروي”منة عبده”، لم تكن مشكلتي مع زوجي، بل مع والدته منذ اليوم الأول، شعرت أنها لا تراني جديرة بابنها، كانت تتدخل في كل تفاصيل حياتي، من ترتيب الأثاث إلى طريقة تربيتي لطفلي، حاولت أن أتحمّل، لكنني لم أجد دعمًا من زوجي، فكيف أستمر.
وتحكي الحجة أم محمود “أنا ربيت ابني وتعبت فيه، وجاءت فجأة فتاة لتأخذه مني لم أرفض زواجه، بل فرحت به، لكنني أرفض أن تُبعده عني، كل ما أطلبه هو الاحترام والتقدير، لا أن أُعامل وكأنني دخيلة”.
ويقول أحمد ياسر “أرى أن الزوج هو المسؤول الأول عن نجاح العلاقة أو فشلها إن وضع حدودًا واضحة من البداية، وأظهر لكل طرف مكانته، ستمر الحياة بسلام، لكن أغلب الرجال يهربون من المواجهة، ويظنون أن الصمت هو الحل، بينما هو أصل المشكلة”.
وأضافت سلمى ربيع “كنت أعيش مع حماتي في نفس البيت، لم أشعر في يوم أنني زوجة كاملة الحقوق، كانت تُقيّدني في كل شيء، وتنتقدني أمام زوجي، وهو لا يرد شعرت بالإهانة المستمرة، فاخترت الطلاق، على أن أظل في بيت لا كرامة لي فيه”.
وتوضح “هالة شعبان” لكنني قررت أن أكون ذكية أعلم أن لكل جيل طريقته، فلا أتدخل إلا إذا طُلِب مني علاقتي بزوجة ابني طيبة، لأنني لم أفرض نفسي عليهن، ولم أطلب من أولادي أن يختاروا بيني وبين زوجاتهم”.
وأشارت نرمين حسن، “أخشى من الزواج أكثر مما أفرح له، بسبب ما أسمعه وأراه حول تدخل الحماة، أريد أن أكون زوجة مستقلة، لكنني في نفس الوقت لا أريد أن أبدأ حياتي في صراع مع أم زوجي هل هذا ممكن، لا أعرف”.
ويروي خالد عبدالمجيد: “الحل في رأيي هو احترام كل طرف لمساحته الحماة يجب أن تدرك أن ابنها أصبح ربّ أسرة، والزوجة يجب أن تتفهم أن الأم لها مكانة لا تُلغى، والمفتاح الحقيقي هو موقف الزوج، لا بد أن يكون واضحًا وعادلًا”.
واوضحت فدوى: “أنا أم لولدٍ وحيد، وزوجة لرجلٍ توفّاه الله منذ سنوات، كنت أتمنّى أن أرى في زوجة ابني ابنتي التي لم أنجبها، لكنني منذ بداية الزواج شعرت أنها لا ترغب في العيش معنا، رغم أننا لا نقيم في بيت واحد، بل تسكن هي في شقة مستقلة، وأنا في شقة أخرى في نفس العقار”.
وتسرد فدوى، “لاحظت أنها لا تحب أن يزورني ابني، ولا أن يكلّمني حتى عبر الهاتف، وشيئًا فشيئًا بدأ يبتعد عنّي دون مبرر، لم أكن أطلب منها شيئًا، ولم أتدخل في حياتها، لكنها كانت دائمة الضيق مني ومن وجودي، وكأنني غريبة”.
وأشارت فدوى، “في الأيام الأخيرة، تفاقمت الخلافات بينهما دون أن أعلم السبب الحقيقي وفجأة، وجدت ابني يخبرها، “هذه أمي، ووالدي متوفّى، ولن أتركها وحدها، إن أردتِ البقاء في شقتك فافعلي، ولكن لا علاقة لك بها”، كان يحاول أن يوازن بيننا، لكنّها لم تتقبّل الأمر، في لحظة غضب، جمعت ملابسها، وغادرت البيت، وقالت له هخلِّي البيت فاضي عليك، أنا هطلق.
واختتمت حديثها قائلة: “لا أعرف ما الذنب الذي ارتكبته، أنا فقط أعيش في شقتي، ولا أتدخل في شؤون أحد كل ما أردته هو أن يبقى ابني قريبًا مني، لا أكثر”.
الشيخ محمد حسبو يوضح.. من تأتي أولاً في حياة الرجل الأم أم الزوجة
في زمن كثرت فيه الخلافات بين الزوجات والحموات، واحتار الكثيرون في تحديد “الأحق” بالقرب والاهتمام، حسم الشيخ محمد حسبو الجدل، موضحًا الموقف الشرعي والإنساني من هذه القضية الحساسة، التي تهدد استقرار كثير من البيوت.
وقال الشيخ محمد حسبو: “إن على الرجل أن يدرك أن زوجته هي شريكة حياته، ومصدر سكنه وسعادته، وقد أمر الله تعالى بذلك في قوله: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”.
وأكد أن الزوجة لا تُزاحم الأم في مكانتها، فالأم لها حق البر والإحسان والطاعة في غير معصية، لكنها ليست جزءًا من الحياة الزوجية اليومية، التي تقوم على التفاهم والشراكة والمودة بين الزوجين.
وشدد الشيخ حسبو على أن كثيرًا من الخلافات تنبع من تدخل بعض الأمهات في حياة أبنائهن بعد الزواج وقال: “الحماة الذكية هي التي تحافظ على مكانتها عند ابنها، لكنها لا تتدخل في تفاصيل حياته الزوجية، بل تُعينه على الاستقرار وتدعو له بالتوفيق”.
وأضاف أن دور الأم يجب أن يتحول بعد زواج الابن إلى داعم ومعين، لا منافس أو مراقب، لأن البيت الزوجي يحتاج إلى خصوصية، لا تتحقق بوجود عين تراقب أو كلمة تُفرّق.
وبحكمة بالغة وضغ الشيخ محمد حسبو قاعدة ذهبية لإدارة العلاقة بين الزوجة والأم، فقال:”العدل هو الأساس، لا ترضي أمك بظلم زوجتك، ولا تُهمل أمك من أجل زوجتك، لكن تذكّر أن الزوجة هي من تعيش معك، وتُربي أولادك، وتشاركك التفاصيل الصغيرة والكبيرة”.
وأكد أن الزوج الناجح هو من يُشعر أمه بمكانتها، ويُشعر زوجته بالأمان والخصوصية، فلا يُفضل طرفًا على آخر، بل يُوزع المحبة والاهتمام بعدل ووعي.
ورفض الشيخ محمد حسبو الزوجة بأنها “خاطفة الابن”، أو أنها تهدد علاقة الأم بولدها، وأوضح أن هذه النظرة فيها ظلم كبير، لأن الكنة لم تأتِ لتفصل، بل لتكمل، ولا يصح أن تُعامل كغريبة أو دخيلة، وكما دعا الزوجات إلى احترام أمهات أزواجهن، وعدم التعامل معهن بندّية، مؤكدًا أن الكلمة الطيبة، والاحترام المتبادل، يمكن أن يصنع معجزة في العلاقة بين الطرفين.
رأي الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع
ترى الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع، أن الكثير من الخلافات التي تنشأ بين الحماة وزوجة الابن، خصوصًا عند الإقامة في منزل واحد، تعود إلى غياب الفهم المتبادل والوعي بطبيعة كل طرف، وأضافت أن العلاقة بين الزوجة والحماة تتأثر بشدة بطريقة التربية ونمط التفكير، مؤكدة أن الذكاء الإنساني، وخاصة الذكاء العاطفي يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في تهدئة الأجواء وبناء علاقة مستقرة.

الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الإجتماع
وأوضحت أن تعامل الزوجة مع الحماة كأم ثانية، واحتوائها بالاحترام والتقدير، يُساهم في خلق جو من التفاهم والود، كما يجب على الزوج أن يُدرك أهمية أن يشعر والدته بالأمان والدعم، وأن يؤكد لها أن مكانتها لا تهتز بزواجه، بل تزداد حين يجد من تحسن إليها.
وأكدت الدكتور سامية أن هذه المسائل يجب أن تكون واضحة من فترة الخطوبة، حيث ينبغي أن يختار الشاب فتاة قادرة على التكيّف مع أسرته، وتحديدًا مع والدته، وأن تتمتع بالوعي والذكاء العاطفي اللازمين، في حين يجب على الأم أن تكون معتدلة في مشاعرها، متقبلة لدور الزوجة في حياة ابنها، دون أن تشعر بالتهديد.
وأضافت أن أساس هذا التوازن يبدأ من التربية، فالفتاة التي تنشأ على احترام الأكبر والقدرة على احتواء الآخر، ستتمكن من بناء علاقة طيبة مع حماتها، والعكس صحيح، كما شددت على ضرورة أن يكون هناك وعي مجتمعي بأهمية هذه العلاقة، وأن يبتعد الإعلام عن تقديم صور مشوهة أو سلبية للحماة وزوجة الابن، داعية إلى عودة الأعمال الدرامية الهادفة التي تروج للقيم الإيجابية والسلوكيات الرصينة، بدلاً من تلك التي تغذي الصراعات وتعمق الفجوة بين الطرفين.
تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن حالات الطلاق في مصر سجّلت نحو 269 ألف حالة في عام 2022، بنسبة زيادة بلغت 5.9% عن عام 2021، ما يعادل 739 حالة طلاق يوميًا، أي حالة كل دقيقتين تقريبًا، هذه الأرقام تعكس أزمة حقيقية تعصف باستقرار الأسرة المصرية، وتدفعنا للبحث في الأسباب.
ومن بين الأسباب المتكررة التي تكشفها الدراسات الاجتماعية، يبرز تدخل الأهل، وبالأخص الحموات، كعامل رئيسي، حيث يُمثل هذا السبب نحو 18% من حالات الطلاق المبكر، تدخل يبدو في ظاهره نابعًا من الحب والحرص، لكنه في كثير من الحالات يتحول إلى شكل من أشكال السيطرة الخانقة.
وتزداد حدة الأزمة مع استمرار ظاهرة السكن المشترك، حيث كشفت دراسة صادرة عن المنتدى الاقتصادي المصري أن 55% إلى 63% من الزوجات حديثات الزواج يعشن في منازل مع أهل الزوج، سواء في نفس الشقة أو داخل نفس العقار، وهي معادلة معروفة بارتفاع احتمالات التصادم والتوتر النفسي اليومي بين الزوجة والحماة.
بين البر والخصوصية.. من يُدير اللعبة
في خضم هذه المعركة العاطفية والاجتماعية، يصعب تحديد طرف بعينه باعتباره الجاني المطلق، الحماة ليست دائمًا متسلطة، والزوجة ليست دائمًا ناكرة للجميل، لكن ما يتفق عليه الجميع، هو أن المشكلة الكبرى تكمن في غياب التنظيم وخلط الأدوار داخل البيت.
الزوج.. الحلقة الأضعف أم المفتاح الأقوى
كل الشهادات تشير إلى أن الزوج هو من يملك مفاتيح التوازن، لكن للأسف، كثيرًا من الرجال يختارون الصمت أو التهرب، بدلًا من المواجهة وإدارة العلاقة بعدل، في الوقت الذي تحتاج فيه الأم إلى حفظ مكانتها، والزوجة إلى الشعور بالأمان، يقف الزوج على الحياد، فيخسر الاثنتين.
إعادة تعريف مفاهيم السلطة العائلية
ليس المطلوب من الأم أن تختفي، ولا من الزوجة أن تذوب، لكن المطلوب هو إعادة تعريف مفاهيم مثل “الطاعة”، “الإحترام”، “الخصوصية”، و”البر”، كلها مفاهيم عظيمة في أصلها، لكنها تُشوّه حين تُستخدم كأدوات للضغط أو السيطرة.
البيت لا يحتمل صراعًا آخر.. من يخطو أولًا
ربما حان الوقت لكسر هذا النمط المكرر من التوتر، والبدء في خلق علاقة جديدة بين الحماة وزوجة الابن، قوامها التفاهم وليس التنافس، المشاركة لا السيطرة، الدعم لا التدخل، ويبقى الزوج هو حجر الزاوية في بناء هذه المعادلة الحساسة، فهل يكون على قدر المسؤولية، ويقود العلاقة بحكمة، أم يترك الأمور تذوب في صمت يفتك بالبيت من الداخل.
لسنوات طويلة لم تكن الدراما المصرية محايدة في تصوير علاقة الحماة بزوجة الابن، فغالبًا ما قدمت الحماة في صورة المرأة المتسلطة، المتدخلة، التي لا همّ لها سوى إفساد حياة ابنها وزوجته، في المقابل، ظهرت الزوجة كعدوة متربصة، تنتظر لحظة الانقضاض لتُبعد الزوج عن أمه وتسيطر على حياته.
وهذه الصور النمطية المتكررة، وإن كانت في بعض الأحيان تحمل شيئًا من الواقع، إلا أنها أسهمت بشكل مباشر في تأصيل الشك وسوء الظن بين الطرفين، بل وأفرزت أجيالًا من الفتيات يدخلن بيوت أزواجهن مستعدات للمعركة، لا للتعايش.
ولكن مع تصاعد الوعي المجتمعي، بدأت تظهر دعوات لإعادة تقديم هذه العلاقة بشكل أكثر نضجًا، يعترف بالتعقيدات، لكنه يبحث عن الحلول، ويُبرز نماذج إيجابية لعلاقات قائمة على الاحترام والمودة لا على السيطرة والصراع، فالصورة ليست سوداء بالكامل، والدراما التي تؤثر في ملايين العقول، مطالبة اليوم أن تتوقف عن صبّ الزيت على النار.
في النهاية تبقى العلاقة بين الحماة وزوجة الابن من أكثر العلاقات الإنسانية حساسية وتعقيدًا، لا تُبنى فقط على النوايا الطيبة، بل تحتاج إلى وعي، وذكاء عاطفي، وحدود واضحة، فالحماة التي تمنح من الحب دون شروط، تحفظ مكانتها في القلوب، والزوجة التي تبني بيتًا على الاحترام، تحصد السلام، والزوج الذي لا يهرب من مسؤوليته، هو وحده القادر على حماية الجميع من الانكسار، وبين كل هذه التفاصيل، يبقى الحل الحقيقي في المشاركة لا الصراع، وفي القرب لا الإقصاء، لأن البيت الذي يسوده الفهم، لا مكان فيه لمعركة، بل لرحلة مشتركة يصنعها الاحترام، ويُنجّيها العدل.