إنفراد – بسملة الجمل
يكشف التعاون العسكري بين السعودية وباكستان عن تحالف يتخطى المفهوم التقليدي للشراكات الثنائية، ليصبح ركيزة من ركائز الأمن الإقليمي، ويستعرض التاريخ جذور هذه العلاقة منذ ستينات القرن الماضي، حين بدأت باكستان بتدريب عناصر سعودية، واضطلعت بدور بارز في بناء منظومة الدفاع للمملكة.
ويواصل البلدان رسم مسار مشترك عبر تدريبات ومناورات بحرية وبرية وجوية، تثبت أن الشراكة لم تعد نظرية بل واقعًا ميدانيًا ملموسًا، ويعكس توقيع اتفاقية الدفاع المتبادل في سبتمبر 2025 انتقال التحالف من مرحلة التعاون إلى مستوى الردع الاستراتيجي، بما يحمله من رسائل حاسمة إلى خصوم المنطقة.
ويربط المراقبون هذا التعاون بالتحولات الجيوسياسية الكبرى، حيث يسعى الطرفان إلى مواجهة تحديات معقدة، تمتد من الخليج إلى جنوب آسيا، كما يبرز التحالف أيضًا البعد الاقتصادي والسياسي، إذ تدعم العلاقات المالية والدينية والثقافية الإطار العسكري، وتمنحه عمقًا يتجاوز حدود الأمن فقط.
كذلك يضع هذا التقارب قوى إقليمية مثل إيران والهند أمام معادلات جديدة، ويلزم أطرافًا دولية مثل الولايات المتحدة بإعادة حساباتها تجاه المنطقة، ويؤكد المتابعون أن المناورات المشتركة ليست مجرد استعراض قوة، بل اختبار فعلي لمدى الجاهزية القتالية، وقدرة الجيوش على العمل كوحدة واحدة.
محاور جديدة تتشكل وتحالفات تعيد رسم خريطة الأمن الإقليمي
أكد الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، أن التعاون العسكري بين السعودية وباكستان يمثل تعاونًا مهمًا، رغم وجود اعتراضات داخل البرلمان الباكستاني وتحفظات متعددة حوله، إلا أنه في النهاية يعد تعاونًا استراتيجيًا سيغير من معادلة التعاون الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.

الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية
كما حذر “فهمي” من ربط هذا التعاون بمواقف سلبية تجاه الهند أو إيران، موضحًا أن باكستان تتحدث الآن عن محور إسلامي واسع وليس مجرد تعاون ثنائي مع السعودية، حيث تسعى إلى بناء حلف إسلامي كبير، يضم إيران ودول آسيا الوسطى وغيرها.
كذلك أشار الدكتور طارق فهمي إلى أن هناك دولًا ستبدي تحفظات مثل الهند، إذ قد يؤثر أي خلل في العلاقات الباكستانية الهندية، معتبرًا ذلك النقطة الأولى، موضحًا أن النقطة الثانية والأخطر تتمثل في الارتدادات المحتملة داخل باكستان نفسها على الاتفاق.
وأكد “فهمي” أن الاتفاق بعيد عن مسألة النووي وامتلاك باكستان للسلاح النووي والدور الذي لعبته السعودية في تمويله، ولن تكون له تأثيرات كبيرة في هذا السياق، كما يرى أن هناك معادلات أمنية جديدة تتشكل في الإقليم، تنطلق من السعودية إلى باكستان، وأن هناك محاور إقليمية جديدة قد تضم مستقبلًا إيران وتركيا إلى جانب السعودية وباكستان.
وأكد أن فكرة المحور الإسلامي ليست جديدة، لكنها اليوم ترتبط بظروف وتداعيات قد تمنحها تأثيرًا أكبر في حال حدوث تطورات مستقبلية في المنطقة، موضحًا أن هناك نقاطًا إيجابية في الاتفاق ونقاطًا أخرى مثيرة للجدل، لكنه يلفت إلى أن السعودية تظل صاحبة دور مركزي في نطاق الأمن الاستراتيجي، خاصة مع وجود مخاوف خليجية من ردود فعل إسرائيلية محتملة، وهو ما يفسر غياب التعهدات والضمانات المباشرة في الاتفاق.
كذلك أشار الدكتور طارق فهمي إلى أن السعودية تعيد ترتيب خياراتها الأمنية، وتواصل المركزي في مجلس التعاون الخليجي، إذ تستعد دول الخليج لإعادة صياغة تحالفاتها وتعزيز قوة “درع الجزيرة”، والعمل ضمن إطار معاهدة الدفاع المشترك لمواجهة التحديات والمخاطر الحقيقية القائمة.
تحالف يتجاوز الأمن العسكري ليرسم ملامح محور إسلامي جديد
يؤكد الخبراء أن التعاون العسكري بين السعودية وباكستان لا يمكن قراءته كاتفاق عابر، بل كخطوة استراتيجية عميقة تحمل في طياتها رسائل متعددة للمنطقة والعالم، فالسعودية تسعى إلى إعادة تموضعها في خريطة الأمن الإقليمي، بينما تبحث باكستان عن شريك عربي قوي يمنحها بعدًا سياسيًا، واقتصاديًا إلى جانب بعدها العسكري.
ويبدو أن هذا التحالف لا يقتصر على الترتيبات الأمنية فحسب، بل يفتح الباب أمام شراكات أوسع قد تشمل التعاون الاقتصادي، والدبلوماسي، والتقني، بما يعزز مكانة الطرفين كلاعبين أساسيين في صياغة مستقبل الشرق الأوسط وآسيا.
ومع ذلك، لا يخلو الاتفاق من التحديات، فهناك تحفظات داخلية في باكستان، وضغوط محتملة من قوى إقليمية كالهند وإيران، فضلًا عن مراقبة دولية حذرة لهذا التعاون، خصوصًا في ظل ارتباطه بفكرة “المحور الإسلامي” التي تثير جدلًا متجددًا، كلما طرحت على الساحة.
وفي المقابل، تبدو دول الخليج حريصة على متابعة هذا التطور عن كثب، لاسيما مع تزايد الحديث عن تفعيل دور “درع الجزيرة” وتحديث معادلات الأمن الجماعي، ومن ثم فإن التعاون السعودي الباكستاني قد يكون حجر الزاوية في إعادة صياغة بنية التحالفات الخليجية والعربية.
وبينما تتعدد القراءات والتكهنات، تبقى الحقيقة الواضحة أن ما يجري اليوم هو بداية لمسار جديد قد يعيد رسم خريطة العلاقات العسكرية والسياسية في المنطقة، وهنا يظل السؤال مفتوحًا: هل سيكون هذا التعاون خطوة نحو بناء محور إسلامي متماسك، أم مجرد فصل جديد في صراع التحالفات المتغيرة.