تحقيق – نسمة هاني
في شوارع مصر، تنتشر أسماء محلات غريبة وغير مألوفة، بعضها يثير التساؤل، وآخر يترك شعور بالإندهاش، لكن لماذا يختار أصحاب المحلات هذه الأسماء، وهل يؤثر الاسم الغريب على شهرة المحل ونجاحه، في هذا التحقيق، نستعرض مجموعة من المحلات ذات الأسماء الفريدة، ونتحاور مع أصحابها لنصل إلى الهدف الأسمى من تلك الأسماء ونكشف قصة كل اسم.
قصص أصحاب المحلات “جذب الأنتباه أم اعتزاز بشيء معين”
خلال تجولنا عندما لفت نظرنا اسم “تعبان ومدلدق” محل للأثاث المستعمل يروي “عم رمضان”، صاحب المحل، أنه قرر فتح محل للأثاث المستعمل بعد أن لاحظ أن كثيرًا من الناس يبحثون عن قطع جيدة بأسعار منخفضة، لكنه لم يرغب في استخدام اسم تقليدي، فاختار اسمًا يعكس حال الأثاث الذي يحتاج إلى تجديد”كل اللي يمر قدام المحل بيضحك ويدخل يسأل هو الأثاث تعبان بجد وأرد عليهم محتاج شوية حب بس، يقول عم رمضان، الاسم غير التقليدي جعله معروفًا في منطقته، وأصبح محلّه وجهة لمن يبحث عن قطع أثاث مميزة بأسعار معقولة.
“كله بـ10” متجر لبيع الأدوات المنزلية بأسعار موحدة يحكي صاحب المحل، “محمود السيد” أنه كان يبحث عن اسم واضح وسهل التذكر لمحله الجديد، وكان هدفه الأساسي أن يعرف الزبون طبيعة الأسعار من مجرد قراءة اللافتة، يقول مازحًا: كنت عايز الزبون يعرف الأسعار قبل ما يسأل، ففكرت في اسم بسيط، وكل اللي بيدخل بيضحك ويقول هو كله بعشرة بجد؟ وبالفعل، أصبح الاسم عامل جذب، حيث يزور المحل الكثير من الناس بحثًا عن الأدوات المنزلية الرخيصة.
“استبن” محل لبيع الملابس المستعملة، يروي”أحمد فتحي” صاحب المحل، أن الاسم جاء بعد نقاش مع أصدقائه عن فكرة بيع الملابس المستعملة بجودة عالية، لكنه أراد اسمًا خفيف الظل يعكس طبيعة المحل، “الاستبن هو العجلة الاحتياطية في العربية، وملابس البالة (المستعملة) بالنسبة لكثير من الناس هي البديل الاحتياطي لما لا يستطيعون شراءه جديدًا”، يقول أحمد ضاحكًا، الاسم الطريف جعل المحل مشهورًا بسرعة، خاصة بين الشباب الباحثين عن ملابس بأسعار اقتصادية.
“أبو لمعة” محل إلكترونيات، يقول صاحب المحل، “حسين عبد الحميد” إنه كان معجبًا بشخصية “أبو لمعة” الكوميدية الشهيرة، المعروفة بمبالغاتها في الحديث عن قدراتها، فقرر أن يطلق الاسم على متجره للإلكترونيات، “الزبائن يضحكون عندما يرون الاسم، وبعضهم يدخل فقط ليسأل عن القصة وراءه”، يوضح حسين، ويضيف أنه يستخدم الاسم بطريقة ساخرة لجذب العملاء، حيث يمازحهم قائلًا: كل الأجهزة هنا زي كلام أبو لمعة.. خرافية.
“بابا عوض” مطعم، يروي صاحب المحل أنه ورث حب الطعام من والده “عوض”، الذي كان يلقبه الجميع بـ”بابا عوض” بسبب كرمه وحبه لإطعام الناس، قرر الابن أن يكرّم والده بتسمية المحل باسمه ليظل اسمه متداولًا بين الناس.
“العندليب كافيه” قرر صاحب الكافيه إطلاق هذا الاسم تكريمًا لعبد الحليم حافظ، العندليب الأسمر، ليكون المكان وجهة لعشاق الطرب الأصيل، حيث تُسمع فيه أغاني الزمن الجميل باستمرار.
“سنتر الخوجة” أجهزة كهربائية، أكدت صاحبة المحل أن زوجها كان خياطًا ماهرًا، وأطلق عليه الزبائن لقب “الخوجة” بسبب مهارته، فاستمر الاسم حتى بعد تغيير نشاط المحل إلى الأجهزة الكهربائية.
“هدوم مسروقة” ملابس، يروي صاحب المحل أن الفكرة جاءت من تعليقات زبائنه عندما يرون الأسعار المنخفضة للملابس، حيث يمازحونه قائلين: “الهدوم دي مسروقة ولا إيه”، فقرر أن يجعل هذه العبارة الطريفة اسمًا لمتجره.
“وريني رجلك” كوتشيات وأحذية، يقول صاحب المحل إن اختيار هذا الاسم كان وسيلة لإثارة الفضول، حيث إن أي شخص يقرأ الاسم سيبتسم وربما يدخل ليرى ما يقدمه المحل، ويضيف ضاحكًا “أول ما الزبون يدخل أقول له فعلاً وريني رجلك!”
“تنه ورنه” ملابس أطفال، يقول صاحب المحل إنه أراد اسمًا يعكس عالم الطفولة، فاختار اسم “تنه ورنه” المستوحى من الشخصية الكرتونية الشهيرة “تينكر بيل”، ليجذب انتباه الأمهات الباحثات عن ملابس لأطفالهن.
“هو فيه كد” ملابس آنسات، يقول صاحب المحل إنه أراد اختيار اسم يجعل الزبائن يتوقفون عنده، وعندما يرون الأسعار الجيدة، يرددون العبارة الشهيرة “هو فيه كده”، مما يجعل الاسم وسيلة تسويقية فعالة.
“بنطلون رحيم” متخصص في البناطيل، يُقال إن “رحيم” كان خياطًا مشهورًا بتفصيل البناطيل ذات الجودة العالية، وكان الزبائن يطلبون منه التصميمات بالاسم، فقرر أن يجعل اسمه علامة تجارية للبناطيل.
“توته آيس كريم وكريب” اختار صاحب المحل هذا الاسم لأنه خفيف وسهل التذكر، ويرمز إلى الحلاوة والبهجة، تمامًا مثل طعم الآيس كريم والكريب اللذيذ.
“حسين أبو جدو”ملابس رجالي، يحكي صاحب المحل أن اسم “أبو جدو” هو لقب العائلة، وكان والده معروفًا بهذا الاسم في السوق، لذا قرر أن يخلد الاسم بفتح محل ملابس رجالي يحمل الاسم العائلي.
“مقلة القالع” محل لب وسوداني، يقول صاحب المحل إن الاسم مستوحى من شخصية قديمة في الحي كان يُلقب بـ”القالع” بسبب طريقته القوية في تكسير اللب، فقرر أن يستخدم هذا الاسم لجذب انتباه الزبائن.
“توم وجيري” ملابس يقول صاحب المحل إنه أراد اختيار اسم محبوب لدى الكبار والصغار، فاختار “توم وجيري”، مما يجعل المحل وجهة ممتعة للعائلات عند التسوق.
“نص آخر العنقود” ألعاب أطفال، يقول صاحب المحل إنه أراد اسمًا يعبر عن الأطفال، فاختار هذا الاسم ليرمز إلى الطفل الصغير المدلل، مما يعكس طبيعة البضاعة التي يبيعها.
“أي حاجة بعشرةجنيه”مستحضرات تجميل رخيصة، الاسم يعبر عن سياسة التسعير الواضحة للمحل، حيث تُباع معظم المنتجات بسعر 10 جنيهات، مما يجعل الزبائن يعرفون مسبقًا أنهم سيحصلون على أسعار مخفضة.
“أولاد حتحوت” قطع غيار سيارات، يقول صاحب المحل إن “حتحوت” هو اسم عائلته، وكان جده معروفًا بإصلاح السيارات، لذا قرر أن يواصل المسيرة من خلال تسمية المحل باسم “أولاد حتحوت”.
“قصة كريم” حلاق رجالي، يقول صاحب المحل إن الاسم جاء من حكاية طفولته، حيث كان الجميع يطلق عليه لقب “كريم” رغم أن اسمه الحقيقي مختلف، فأراد أن يجعل “قصته” جزءًا من اسم المحل.
“النعناع” هذا المحل غامض، وحتى صاحب المحل نفسه لا يتذكر لماذا اختار الاسم! ربما كان مجرد اسم خطر بباله أثناء اختيار اللافتة.
“رايا وسكينة” ملابس آنسات، اختار صاحب المحل الاسم لأنه يعكس الروح الفكاهية المصرية، خاصة أن ريا وسكينة كانتا معروفتين في الإسكندرية، مما يجعل الاسم مألوفًا ولكنه يثير الفضول.
“صلاح الدين” يقول صاحب المحل إنه اختار الاسم تيمنًا بالبطل التاريخي صلاح الدين الأيوبي، ليعكس القوة والجودة في منتجاته.
استخدام أسماء غريبة للمحلات أصبح أسلوبًا تسويقيًا في مصر، حيث تساعد هذه الأسماء على جذب الزبائن وإثارة فضولهم، بعض الأسماء مستوحاة من شخصيات مشهورة، وبعضها يحمل قصصًا شخصية، بينما اختير البعض الآخر فقط لخلق حالة من الدهشة أو الفكاهة، وفي النهاية، الهدف واحد، أن يبقى الاسم في ذهن الزبون، مما يجعله يعود مرة أخرى.
أصبح من الشائع أن يلجأ أصحاب المحلات إلى أسماء طريفة لجذب الانتباه، ويلاحظ أن بعضهم يعتمد على عبارات دارجة أو أسماء شخصيات مشهورة، هذه الظاهرة انتشرت بشكل كبير في الأسواق الشعبية والمناطق التجارية المزدحمة، حيث المنافسة قوية بين المحلات.
في بعض الدول الأخرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، تعتمد المحلات على الأسماء الإبداعية أو الموحية بجودة المنتج، ولكن استخدام الأسماء الفكاهية أو الغريبة بهذا الشكل المكثف يعد سمة مميزة في الأسواق المصرية، حيث تلعب روح الدعابة دورًا كبيرًا في الحياة اليومية.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وطموح “الترند”
في عصر السوشيال ميديا، أصبح من السهل أن تتحول أسماء المحلات الغريبة إلى “تريند”، على سبيل المثال، انتشرت صور لبعض المحلات مثل “تنه ورنه” و”أي حاجة بعشرة جنيه” على مواقع التواصل، مما أدى إلى زيادة الإقبال عليها، بعض أصحاب المحلات يعترفون بأن اختيار الأسماء المميزة كان مدروسًا لجذب الانتباه عبر الإنترنت، حيث أن الزبائن يشاركون صور اللافتات الغريبة على فيسبوك وتويتر، مما يؤدي إلى دعاية مجانية.
أسماء محلات قديمة مقابل الحديثة
قديماً، كانت أسماء المحلات تعتمد على الأسماء الشخصية أو المهن، مثل “أولاد عبد الرحمن” أو “النجار”، أما اليوم، فأصبحت الأسماء تعكس حس الفكاهة المصري، مثل “استبن” و”وريني رجلك”، وهو ما يعكس تغير توجهات أصحاب المحلات نحو استراتيجيات تسويقية أكثر جرأة وإبداعًا.
هذه الظاهرة ليست مقتصرة على مصر فقط، ففي اليابان، يشتهر متجر باسم “Village Vanguard” وهو متجر يبيع كل شيء غير متوقع، في حين أن بعض المطاعم في الولايات المتحدة تستخدم أسماء مثل “Heart Attack Grill” (الشواية المسببة للأزمات القلبية)، وهو مطعم معروف بأطباقه الدسمة جدًا، رغم ذلك، تظل الأسماء الفكاهية في مصر متفردة بطابعها الشعبي وروحها الساخرة التي تعكس طبيعة المصريين.
تأثير الأسماء الغريبة على المنافسة بين المحلات
مع انتشار ظاهرة الأسماء الغريبة والطريفة، أصبحت المنافسة بين المحلات أكثر شراسة، فلم يعد يكفي أن يكون المنتج جيدًا أو السعر مناسبًا، بل أصبح الاسم نفسه أداة تسويقية قوية، بعض أصحاب المحلات يرون أن اختيار اسم غير تقليدي يساعدهم في التميز وسط سوق مزدحم، بينما يشعر آخرون بأن هناك سباقًا مستمرًا لاختيار أسماء أكثر طرافة وغرابة لجذب الانتباه.
يقول “محمد عبد الفتاح”، صاحب محل ملابس، إنه اضطر إلى تغيير اسم محله بعد أن وجد أن الأسماء التقليدية لم تعد تجذب الزبائن بنفس القوة، فاختار اسمًا ملفتًا جعل الناس يتحدثون عنه، مما زاد الإقبال على محله، ويضيف الموضوع بقى لعبة تسويق، لازم تبقى مختلف علشان الناس تاخد بالها منك.
بعض المحلات تحاول أيضًا الاستفادة من “التريندات”، مثل استخدام أسماء مستوحاة من شخصيات مشهورة أو عبارات متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يساعدها في الانتشار بسرعة أكبر، ومع ذلك، هناك تحديات، حيث يجد بعض أصحاب المحلات صعوبة في اختيار اسم لا يكون مستهلكًا أو مكررًا، مما يزيد من صعوبة المنافسة.
قديمًا، كانت أسماء المحلات في مصر تعكس الطابع العائلي أو المهني، فكان من الشائع أن تجد محلات بأسماء مثل “أولاد عبد الرحمن”، “نجار القاهرة”، أو “معرض الحاج محمود”، هذه الأسماء كانت تعكس المصداقية والانتماء العائلي، حيث كانت التجارة تُورث من جيل إلى جيل.
في السبعينيات والثمانينيات، بدأ التوجه نحو الأسماء الأكثر حداثة، مثل “عالم الموضة” أو “أزياء المستقبل”، التي كانت تعبر عن تطلعات التجار نحو العصرية، ومع انتشار القنوات الفضائية والانفتاح الثقافي في التسعينيات وأوائل الألفية، بدأت الأسماء الأجنبية تغزو الأسواق، مثل “Fashion House” و”Golden Shoes”، حيث كان التجار يرون أن الأسماء الأجنبية تضفي طابعًا أكثر رقياً على المحل.
أما في العقد الأخير، فقد حدثت طفرة في اختيار الأسماء، حيث اتجه التجار إلى الأسماء الساخرة والطريفة لجذب الانتباه، مثل “وريني رجلك”، “هدوم مسروقة”، و”تعبان ومدلدق”، ويرجع هذا التغيير إلى عدة عوامل، من بينها تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصبح من السهل أن تنتشر صور الأسماء المضحكة وتجذب الزبائن، بالإضافة إلى التنافس الكبير في الأسواق الذي جعل الابتكار في التسمية ضرورة.
اليوم، يبدو أن الاتجاه يسير نحو الأسماء التي تجمع بين الطرافة وسهولة التذكر، مما يعكس الروح المرحة للمصريين، ويؤكد أن اختيار اسم المحل أصبح فنًا تسويقيًا بحد ذاته.