تحقيق – آلاء جبر
مما لا شك فيه أننا أمام ظاهرة تستحق التوقف والتأمل، وهي ظاهرة التعلق الشديد بالمشاهير التي باتت تشغل مساحة واسعة في نفوس الشباب، ولا سيما الفتيات في مرحلة المراهقة وبداية الشباب، فبين الإعجاب البريء والانبهار المفرط، تتحول المشاعر أحيانًا إلى تعلق يصل لدرجة الهوس، ليصبح النجم أو المؤثر محور الحياة ومصدر السعادة والاهتمام، بل وأحيانًا المثال الأعلى الذي يُقاس عليه كل شيء.
هذه الظاهرة التي انتشرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة دفعتنا للتواصل مع الدكتورة داليا سليمان، المتخصصة في علم النفس، والتي تحدثت بإسهاب عن الجوانب النفسية والاجتماعية التي تقف وراء هذا التعلق، موضحة أن الأمر ليس مجرد إعجاب عابر، بل يحمل أبعادًا أعمق ترتبط بالاحتياجات النفسية والعاطفية للفتيات.
جذور نفسية وإسقاط عاطفي
قالت الدكتورة داليا سليمان، “اخصائية الطب النفسي” إننا أمام ظاهرة لها جذور نفسية عميقة، إذ يعد هذا التعلق مظهرًا من مظاهر الإسقاط العاطفي، حيث تضع الفتاة مشاعرها واحتياجاتها العاطفية على شخصية مثالية تراها في المشاهير، وغالبًا ما يكون هذا التعلق ناتجًا عن نقص الإشباع العاطفي من الأسرة أو البيئة المحيطة، أو نتيجة الشعور بعدم التقدير الذاتي، سواء من نفسها أو من أفراد الأسرة والمجتمع، وهنا يتحول النجم أو المشهور إلى مصدر ثابت للأمان والإلهام والحب من طرف واحد دون خوف من خذلان أو رفض، وهو ما يمنح الفتاة شعورًا مؤقتًا بالراحة والاحتواء.
وأضافت الأخصائية النفسية، أن مرحلة المراهقة تحديدًا تُعد بيئة خصبة لظهور مثل هذه المشاعر، حيث تكون الهوية في طور التكوين ويصبح الخيال العاطفي أقوى من الواقع، في تلك المرحلة يعيش المراهق أو المراهقة في عالم سري خاص، يبني فيه صورة مثالية للشخص الذي يُعجب به، فيراه كما يريد لا كما هو في الحقيقة، فتتحول المشاعر من مجرد متابعة أو إعجاب إلى حالة وجدانية عميقة تمثل نوعًا من الهروب النفسي من ضغوط الواقع.

الدكتورة “داليا سليمان” أخصائي الطب النفسي
وسائل التواصل الاجتماعي وتعميق الهوس
وأشارت الدكتورة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها الدور الأكبر في تضخيم هذه الظاهرة، حيث تُظهر المشاهير بصورة مثالية من خلال لقطات منتقاة من حياتهم الخاصة أو منشورات ملهمة تُظهرهم في أبهى صورة، ومع خاصية التفاعل المباشر معهم عبر التعليقات أو الرسائل، يشعر المتابعون وكأنهم أصبحوا جزءًا من حياتهم، مما يُولد إحساسًا زائفًا بالقرب والحميمية، وهنا تبدأ علاقة افتراضية غير متكافئة لكنها مشبعة بالانجذاب العاطفي.
تشويه العلاقات الواقعية وفقدان التوازن النفسي
أوضحت الدكتورة أن هذا النوع من التعلق قد يؤدي مع مرور الوقت إلى تشويه مفهوم العلاقات الواقعية، حيث تبدأ الفتاة في مقارنة حياتها أو شريكها المستقبلي بتلك الصورة الخيالية التي رسمتها في ذهنها للمشهور الذي تتابعه، وهنا تحدث فجوة بين الواقع والمثال، مما يجعلها تشعر بعدم الرضا وربما الرفض للعلاقات الحقيقية لأنها لا تشبه ما شاهدته على الشاشات أو في مقاطع الفيديو.
وأضافت سليمان أن هذه المقارنات المستمرة قد تُضعف الثقة بالنفس وتجعل الفتاة تسعى وراء معايير غير منطقية في اختيار شريكها أو في نظرتها لنفسها، وفي بعض الحالات يتحول هذا التعلق إلى إدمان نفسي يجعلها غير قادرة على الانفصال عن متابعة أخبار المشاهير أو التفاعل معهم، مما ينعكس سلبًا على حياتها الاجتماعية والدراسية.
دور الأسرة والمجتمع في المواجهة
واختتمت داليا سليمان حديثها بالتأكيد على أهمية دور الأسرة والمجتمع في احتواء الفتيات نفسيًا وعاطفيًا من خلال تقديم الدعم والتقدير والاحتواء الحقيقي، وليس فقط المادي، لأن غياب هذه المشاعر يدفع البعض للبحث عنها في عوالم خيالية، كما دعت إلى ضرورة تعزيز الوعي الرقمي لدى الشباب لفهم أن الصورة التي تُعرض على وسائل التواصل ليست واقعًا كاملًا، بل جزءًا صغيرًا من حياة مليئة بالتناقضات مثل أي إنسان آخر.
وتبقى ظاهرة تعلق الفتيات بالمشاهير مرآة لواقع اجتماعي ونفسي يحتاج إلى فهم أعمق، فليست مجرد قصة إعجاب بنجم أو مؤثر، بل انعكاس لحاجة داخلية تبحث عن الحب والتقدير والهوية في عالم سريع الإيقاع ومليء بالضجيج الافتراضي.






