تحقيق – وفاء العسكري
نعاني جميعًا من التفكير المستمر دائمًا، حتى أثناء الذهاب للنوم، ونحن على الفراش، نشعر أن هنالك شئ خطأ، ويبدأ عقلنا بالعمل، والتفكير في ماذا حدث اليوم؟!، وهل كنت مخطئ في ردي وفعلي، أم أنه من المفترض أن يحدث هذا.
تشعر وكأن عقلك لا يستطيع التوقف عن العمل أثناء الليل، وربما تبقى في فراشك لعدة ساعات دون النوم، وبرغم أن جسدك متعب إلا أن عقلك لا يتوقف، وتشعر ببرودة في جسدك، وأن الحزن بدء في التمكن منك، وكل هذا الشعور يدعى بالتفكير الزائد أو “Overthinking”.
تحدثت أمال شريف طالبة علم النفس عن الشعور الذي تشعر به أثناء الليل، قائلًا: “أشعر أن عقلي يعمل أكثر من المعتاد، وأن شريط الماضي بأكمله يمر أمامي، لدرجة أنني أتذكر أحداث من طفولتي، ولكن كل ما اتذكره هو الأحداث السيئة مثل التنمر الذي كنت اتعرض له في المرحلة الإبتدائية، وأتذكر أول حب لي في حياتي”.
تابعت أمال: “أتذكر عندما كنا نلعب سويًا، ولكن انتقل إلى حي أخر، فأصبح بداخلي فجوة وشعور بعدم الأمان، وأتذكر ضرب أحد الفتيات لي في الأعدادية، وأني يومها تحولت من شخصية هادئة لشخص غاضب لا يريد التحدث مع أحد، وصدمة نتيجة الثانوية العامة”.
أكملت طالبة علم النفس: “شعرت وأن كل شئ تحطم من جانبي، حتى خلايا مخي شعرت وكأنها تنهار، وأعتقد أن ذلك جزءً من حالة الصدمة، ولكن حتى يومنا هذا مازالت أتذكر شعوري وقتها كل ليلة، وعندما أتذكر ما حدث أشعر أني أريد البكاء، ولكني رضيت بما قسمه الله لي”.
أضافت أمال: “وحاولت العمل جاهدة على المجال الذي دخلت به، وبرغم نجاحي مازال التفكير يلحقني، حتى بعد رضائي التام بما حدث، أتذكر كل ليلة ما حدث يوم النتيجة، وكل تلك الأشياء تجعلني لا أشعر بنجاحي، التفكير كل ليلة فيما حدث ينتقص من تقدمي”.
أوضحت أمال شريف: “ووصلت أني أحاول النوم، ولكني أبقى مستيقظة طوال الليل، وعندما تظهر الشمس يبدء عقلي في الهدوء، وكأن الأفكار السيئة جميعها تبدء في الهروب من أشعة الشمس، كل تلك الأفكار التي كانت تخنقني طوال الليل، تذهب فقط عندما تستيقظ العصافير”.
أشارت الدكتورة فاطمة الزهراء دكتورة علم النفس بجامعة الإسكندرية إلى أضرار التفكير الزائد، قائلًا: “هنالك دراسات أجريت في كلية هارفارد الطبية على مجموعة من الأشخاص، تتراوح أعمارهم ما بين 60 و70 عامًا، وبين المعمرين الذين تزيد أعمارهم عن 100 عام”.
أضافت دكتورة علم النفس: “أظهرت الدراسات أن الذين توفوا في أعمار أصغر، يمتلكون نسبة أقل من البروتين التي تعمل على تهدئ العقل، فالتفكير الزائد يرهق العقل، ويؤدي ذلك إلى استنزاف هذا البروتين، وتقليل نسبته في الدماغ، وذلك لايعني أن الإنسان سيموت في سن الثلاثين، أن كان من أصحاب التفكير المفرط”.
تابعت “الزهراء”: “لكن ذلك سيؤثر بلا شك تأثيرًا سلبيًا على العقل، وقد يتسبب في مشاكل، وأمراض كالخرف، والزهايمر وغيرها من الأمراض العقلية، التي وبحسب الدراسات السابقة تؤثر على مدة الحياة، وتسبب الوفاة في عمر أصغر، وقد لاتستطيع أحيانًا السيطرة على مشاعر القلق، والتفكير التي تأتي في ساعات متأخرة من الليل، وهو ما يجعل جسمك يخرج من حالة الاسترخاء والراحة”.
أكملت الدكتورة فاطمة: “ومن أبرز أضرار التفكير الزائد، هو زيادة خطر الإصابة بالأمراض، والمشاكل العقلية مثل القلق المزمن، الإكتئاب، اضطراب ما بعد الصدمة، أو اضطراب الشخصية الحدية، ويمكن القول أنه يؤدي إلى الإصابة بالعديد من المشاكل التي تجعلك مريض نفسي، وبالتالي تقوم بدورها عن طريق المزيد من التفكير الزائد، لتجد نفسك في حلقة مفرغة من التفكير لاهروب منها”.
وأوضحت شادية محمد أخصائية إجتماعية بمدرسة النحال الإعدادية بنات أسباب التفكير الزائد، قائلًا: “كنت أتحدث مع أحد الفتيات في المدرسة وتلك الطالبة معروف عنها حبها لعلم النفس، والقراءة بذلك التخصص، فأخبرتني أن التفكير الزائد أصبح مرض العصر، وينتشر في الفترة الحالية بين الشباب، أكثر من أي فئة عمرية أخرى”.
تابعت الأخصائية الإجتماعية: “وسألتني إذا كان هنالك أسباب لذلك الأمر، وأخبرتها أنه بالتأكيد هنالك العديد من الأسباب، منها نوع الشخصية، فكلما كانت شخصية الفرد شخصية حساسة أو شخصية تحليلية، أو شخصية مفكرة، كانت أكثر الأشخاص تعرضًا للتفكير الزائد، وبيئة الشخص تؤثر بشكل واضح وصريح في ذلك”.
أكملت شادية: “فكلما كانت البيئة تتمتع بالإستقلالية والسهولة في التعامل، نقص فرط التفكير، لأن الشخص المستقل المتمتع بحس المسئولية، ينجز ويفعل أكثر مما يفكر، والعكس صحيح، ولذلك فالبيئة المنغلقة غالبًا أفرادها يحتاجون للتفكير بشكل أكبر في كل أمر، وهنالك أيضًا الصدمات السابقة”.
تابعت شادية محمد: “الصدمات السابقة لها تأثير كبير إذا لم يتم الإعتناء بها بشكل صحيح، تصبح مثل مرجعية يعود لها الفرد كلما مر بتجربة مشابهة، فيطيل التفكير ويحلل من كل الجوانب تجنبًا لتكرار الموقف، والتوقعات العالية فهنالك أشخاص يضعون توقعات عالية للمستقبل، ويحاولون بكل الطرق وضع خطة، والحصول على حل للوصول لها، مما يجعلهم يدمنون التفكير”.
أشار حازم عبد الجواد الأخصائي النفسي بالمدرسة إلى أن هنالك طرق للسيطرة على التفكير الزائد، قائلًا: “مما لا شك فيه أن التفكير الزائد يعتبر مرض نفسي لا يقل خطورة عن مرض السرطان ولكنه يشبه السرطان الذي يصيب العقل فيبدء بإتلاف العقل على فترة زمنية طويلة، ويمكن وصفه بأنه يلتف حول أجزاء صغيرة من العقل، ويبدء في أكلها”.
أكد “عبد الجواد” على أنه لا يمكننا الإستغناء عن الأطباء النفسيين، ولكن هنالك بعد الخطوات التي تساعدنا في تقليل التفكير الزائد، قائلًا: “في خطوات كدا بعملها علشان أقلل من تفكيري، مثلا اعرف الأشياء أو النقاط التي تدفعني إلى كثرة التفكير، وابدء في تجنبها قدر الإمكان”.
وأضاف الأخصائي النفسي: “فمثلًا هل تفكر بشكل مفرط يظهر عند محاولة قمع الفكرة؟، أم عندما تشعر بالخوف أو القلق من فكرة ما؟، واحذر الإنخراط في التفكير الزائد عن اللازم، ويجب التعرف على العلامات التي تدل على أنك تفكر أكثر من اللازم، وابتعد عنها، ولاحظ نتائج تفكيرك وهل كان تأثيره إيجابيًا أم سلبيًا عليك”.
تابع حازم: “لكي تقنع عقلك فإذا كان سلبيًا فهذا يعني أنه لا داعي له، ويجب التخلص منه في أسرع وقت ممكن، وحاول إشغال نفسك بأمر آخر، لتجنب الإنغماس في محاولات حل أو فهم الشيء الذي تفكر فيه بكثرة، وفكر في الحاضر عند شعورك بالتعمق في الماضي أو القلق بشأن المستقبل، واستبدل تفكيرك المفرط، بتفكير ذاتي أكثر إنتاجية يساعد على حل المشكلات”.
أختتم الأخصائي النفسي بالمدرسة: “التصالح مع الماضي وتقبله بكل ما فيه من عيوب، يجعل عقلك يتوقف عن التفكير لفترة لا بأس بها، والإستفادة من صدمات الماضي، وتحويلها إلى تجربة تستفيد منها في حياتك القادمة، وحل المشكلات المتعلقة بعقلك من الأهم فالمهم، وفكرة التدرب على الإسترخاء، والتأمل تعمل على تحرير النفس من الأفكار السلبية”.
أضاف حازم عبد الجواد: “وممارسة الرياضة كالجري، والبوكسنغ، وركوب الدراجة، تعمل على تفريغ الطاقة السلبية، لأن هذه الرياضات تبعدك عن التفكير المفرط، وتفريغ الطاقة في المجهود، والإبتعاد عن المشي تمامًا في حالة التفكير المفرط، لأنه يعطي مجال أكثر للتفكير، والحصول على الحيوانات الأليفة، تحسن بشكل عام من الصحة النفسية، وتحسن من الحالة المزاجية”.