تحقيق – سوزان الجمال
أنتشر الفترة الماضية ظاهرة جديدة بات الحديث عنها مكرراً وهي “زواج الإنتاج”، علمت بعض أطرافها من الدراما والسينما سواء في مسلسل “سابع جار” أو في فيلم “بشتري رجال”، وتجد البعض يتحدث عن زواج للإنجاب فقط ثم ينفصلان بعد ذلك أو يعيشان معا دون حياة مستقرة، استرعى انتباهي هذا التوصيف الذي يحمل دلالات إجتماعية مختلفة وجديدة ومقلقة للمجتمع المصري، الذي كان دوماً يفاخر باستقراره الاجتماعي.
ونجد أن زواج الإنتاج هو الذي يتفق فيه الشاب والفتاة على الزواج المشروط بالإنجاب، وبعدها يحدث الانفصال وتقوم الأم بتربية الطفل، بدون الدخول في صداع الزواج كما يصفونه كعلاقة فاشلة، ساهم في ذلك زيادة نسب الطلاق بصورة مرعبة، وبرغم أن الزيجة المشروطة تنتهي أيضا بالطلاق، لكن يحدث ذلك بطريقة سلسلة دون الدخول في صدامات قضائية أو تعرض الفتاة لعنف وترهيب وصراعات حول الحضانة والنفقة وحق الرؤية.
وكشف عمرو الورداني أمين الفتوى ومدير مركز الإرشاد الزوجي بدار الإفتاء المصرية، عن أعداد وصفها بـ”الكبيرة والبشعة” وتكون لدى الإفتاء أدوات رصد للزيجات بحكم أنها المؤسسة الدينية الوحيدة في مصر التي يلجأ إليها أي طرف في العلاقة الزوجية للحصول على فتوى مرتبطة بالعلاقة الزوجية، ويحدد الشريكان الخطوات اللاحقة لتكون متسقة مع صحيح الدين.
ومع ترتبط زيادة معدلات الزواج من أجل إنجاب أطفال فقط، برغبة بعض الفتيات في الأمومة دون أن تعيش مع رجل طيلة حياتها، وتبحث هذه الشريحة من النساء عن طريقة مشروعة للإنجاب وتسجيل الطفل بإسم والده ثم تنتهي العلاقة لتعيش الفتاة مع ابنها بعيدا عن الأب، وتتولى الأم التربية وكل ما يرتبط بشؤون الصغير.
وتبدو خيارات الفتاة التي ترغب في الشعور بالأمومة دون علاقة طويلة مع الرجل محدودة في مصر، لأن أغلب المسارات التي ينجب من خلالها طفل موصومة مجتمعيا وتجعل الفتيات يقعن في محظورات قانونية ودينية، لذلك وجدت نسبة منهن في زواج الإنتاج وسيلة لتحقيق حلم الأمومة بقليل من المنغصات الأسرية، المهم أن يتم حفظ حقوق الطفل ويسجل في المؤسسات الحكومية بإسم والده، وبعدها تنتهي علاقة الأم والابن بهذا الأب.
وتعاني فتيات يقدمن على علاقة غير شرعية خارج إطار الزواج وينجبن من مشكلة نسب الطفل إلى أبيه أمام الموقف الديني الثابت من الأزمة، حيث تستند جهات الفتوى إلى حديث نبوي نصه “الولد للفراش وللعاهر الحجر”، وتتمسك دار الإفتاء المصرية بأن الفقهاء اتفقوا على أن ولد الزنا يثبت نسبه من أمه التي والدته، وليس أبيه.
إذا أرادت الفتاة تبني طفل من المودعين بدور الأيتام أو مجهولي النسب، تقف أمامهن موانع دينية وقانونية صارمة، بحكم أن التبني محرم، ولا توجد تشريعات تمهد الطريق للفتاة لتبني طفل، وتوافق الحكومة على كفالته ليعيش معها ولا يُكتب باسمها.
وباتت الوسيلة الوحيدة أمام أي فتاة قررت أن تعيش مستقلة وترغب في الأمومة أن تتزوج من شاب وتتفق معه على الإنجاب وبعدها يقع الطلاق، فالمهم أن يتم حفظ حقوق الطفل ويُسجل في المؤسسات الحكومية بإسم والده، وبعدها تنتهي علاقة الأم والابن بهذا الأب، طالما حققت الفتاة حلم الأمومة.
وترتبط غريزة الأمومة عند الفتاة التي تقرر السير في طريق الإنجاب بطريقة مشروعة ثم تنفصل بالتكوين النفسي لها قبل أسرتها، لأنها مطالبة بالثبات في مواجهة المجتمع المحيط، ومدفوعة للتحلي بالشجاعة والقدرة على تجاوزالسخرية التي قد تطالها.
يعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية أن الفتاة التي تقرر الزواج من أجل الإنجاب فقط كارهة لكل ما يتعلق بالحياة الأسرية وغير متمسكة بأي شيء، ورافضة لسلطة العائلة وقيود المجتمع، وسطوة الرجل الذي ساعدها على تحقيق غريزة الأمومة، بمعنى أنها قررت أن تكمل حياتها وحيدة مع طفلها ولو خسرت كل المحيطين، وأغلب المسارات التي ينجب من خلالها طفل موصومة مجتمعيا وتجعل الفتيات يقعن في محظورات قانونية ودينية.
توصف هذه الزيجات بأنها مؤقتة وتنتهي بزوال الهدف، ويأخذ الزواج المؤقت في مصر أكثر من صيغة، فهناك المؤقت بغرض المتعة، أو المصلحة، والتجربة، لكن يظل زواج الإنتاج الوحيد الذي ينجم عنه أطفال، عكس الزواج المؤقت الذي يتم الاتفاق مسبقا فيه على عدم الإنجاب.
ويرتبط زواج الفتاة للإنجاب فقط بكراهيتها للبيئة المحيطة بها، وربما الأسرة التي نشأت فيها وما تحمله من عادات وتقاليد، لرفضها المطلق تحكم الرجل في تحركات وسلوكيات ومصير زوجته وتعامله معها باعتبارها خادمة أو امرأة تحتاج إلى وصاية.
تسهل رفاهية الأسرة وانفتاحها على الفتاة أن تتمرد على كل القيود المرتبطة بالعادات والتقاليد الزوجية، وتجعلها أكثر تركيزا على مواجهة البيئة المنغلقة فكريا طالما أن معركتها مع العائلة التي نشأت فيها محسومة لصالحها، ما يعني أن الزواج بغرض الإنجاب فقط محصور لدى عائلات تترك لفتياتها حرية التصرف في حياتهن.
وناقشت السينما والدراما المصرية قضية الزواج المشروط بالإنجاب، أيّ أن مثل هذه الوقائع ليست مستحدثة بل كانت موجودة أو متخيلة، ومع إرتفاع منسوب التمرد بين الأجيال الصاعدة على كل ما هو تقليدي والسعي نحو محاكاة أنماط أسرية لثقافات غربية بدأ الزواج المشروط بالإنجاب يأخذ منحنى تصاعديا في المجتمع.
كان فيلم “بشتري راجل” للفنانة نيللي كريم ومحمد ممدوح الذي تم عرضه عام 2017، ويعتبر أول الأعمال السينمائية التي سلطت الضوء على فكرة الزواج بغرض الأمومة من خلال قيام إحدى الشابات بوضع إعلان على حسابها بموقع فيسبوك تطلب فيه رجلاً يجعلها تحمل مقابل مبلغ مادي، لتستطيع تحقيق حلمها في الأمومة بطريقة شرعية، مع أن الزيجة المشروطة تنتهي أيضا بالطلاق، لكن يحدث ذلك بطريقة سلسلة دون الدخول في صدامات قضائية.
وجاء بعد الفيلم مسلسل “سابع جار” وناقش نفس الفكرة من منظور أوسع، حيث كانت هناك فتاة مصابة بعقدة نفسية من ظروف أسرتها المفككة وطلاق أمها من والدها لأنه محترف النصب لتعرض الفتاة على زميلها في العمل أن يتزوجا بشرط الإنجاب فقط، وبعدها يحدث الطلاق فور الحمل، على أن يُكتب الطفل باسم والده.
وأصدرت دار الإفتاء وقتها فتوى حرّمت الزواج المشروط أو المحدد بفترة، لكن معضلة المؤسسة الدينية أنها لم تستوعب تهاوي قيمة خطابها أمام ارتفاع منسوب التمرد بين الأجيال الصاعدة على كل ما يرتبط بالفتوى، ومن دهسوا العادات والتقاليد والأعراف الأسرية لن ينصاعوا إلى خطاب ترهيبي لا يتفق مع خططهم الحياتية.
وفسرت الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الإجتماع بجامعة عين شمس، وجود حالات للزواج من أجل الإنجاب بزيادة منسوب تمرد الأبناء على تقاليد الأسرة، وهناك فتيات كسرن حاجز الخوف بالهروب من مسؤوليات الزواج وأعبائه، فلا يردن منه سوى إنجاب طفل، لكن الخطر الأكبر على مستقبل الإبن ولو كان تربى مع أمه، لكن سيكبر على عدم وجود أب.
وقالت الدكتورة سامية خضر، إن تصدير النماذج الفاشلة عن الزواج جعل شريحة من الفتيات يتمردن عليه بالبحث عن أهم ميزة منه بالأمومة، وهذا تتحمله المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية والتعليمية، والزيجات المشروطة بالإنجاب تسعى للانسجام مع النسق الأخلاقي للمجتمع فقط حفاظا على السمعة، لكن هذا لا يقي الأبناء من المشكلات النفسية مستقبلاً.
وأضافت “سامية خضر” نحن في بيوتنا نجد أبناءنا وبناتنا يكبرون وتكبر معهم المخاوف من الارتباط، وأمامهم تجارب الزواج الفاشلة وعدد حالات الطلاق الكارثية، تجعلهم يحجمون عن مجرد التفكير في الارتباط، لكن البنات لديهن غريزة الأمومة طاغية، يتم اللجوء إلى ما يسمى “زواج الإنتاج” لتلبية تلك الغريزة.
ولكن هل ننتبه إلى هذا النوع من الزواج الذي سيؤدي الى تفسخ إجتماعي وشكل مشوه للعلاقات، وهدم لتلك المؤسسة الزوجية التي كانت في مصر قديماً نموذجاً للاخلاص والاستقرار الأسري، لابد من التحليل والاجابة بدون إدانة شباب حائر مصدوم، شباب أمام دنيا جديدة مختلفة عما تربينا عليه نحن في شبابنا.
فلابد أن نبحث عن أسباب الطلاق الذي انتشر كالسرطان في نخاع مجتمعنا، عدد المخطوبين والمخطوبات الذين يفسخوا الخطوبة ثم يخطبون ثم يتركون ويهجرون، أصبحت بمئات الألاف وأخشى أن أقول بالملايين، لماذا هذه الضبابية في الاختيار.
أوضح الدكتور عمرو الورداني، حكم زواج الإنتاج في ميزان الشريعة الإسلامية قائلاً: أن هذا الزواج يؤثر على التماسك الأسري ويتسبب في حالة من التفكك التي قد تصيب المجتمع كما أنها تؤثر على نفسية الأبناء.
من جانبه، قال الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف، إن حكم الزواج للإنجاب فقط غير جائز شرعاً فلا يجوز أن يتزوج المرء من أجل الإنجاب فقط، وكذلك أيضا يحرم اشتراط عدم الإنجاب في الزواج، فلا يجوز أن يتزوج من أجل المودة والرحمة فقط وأن ينوى عدم الإنجاب، فالهدفان يعدان وجهين لعملة واحدة لا يفترقان أبدا، موضحاً أن الزواج مودة ورحمة وسكن، فكما قال تعالى في كتابه الكريم “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة” كما أن الهدف من الزواج هو التكاثر والتناسل.
وأوضح الشيخ عبد الحميد الأطرش، أن عقد النية بالزواج من أجل الإنجاب فقط يقلل من شأن الإنسان ويدني مكانته لمكانة الحيوانات، قائلا: الحيوان لا يجامع أنثاه إلا من أجل الإنجاب فقط، وهذا معروف علمياً، كما أن أي زواج يبنى على التأقيت فهو باطل فالزواج الصحيح هو ما بني على التأييد لذا فإن أي إتفاق بين رجل وامرأة على الزواج لفترة ما من أجل الإنجاب فقط فهو زواج باطل.
وأكدت الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن زواج الإنتاج المؤقت، يعتبر زنا، لآن هنا لا يكون زواج ولكن يكون إتفاق هدف شئ، ويسمى علاقة وليس زواج.
وحذرت أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، في تصريحات تلفزيونية، من مروجي هذه الأشياء الغريبة في المجتمع، التي تهدف لـ هدم القيم، وأن هناك أشياء تنشر عبر القنوات الفضائية تدمر المجتمع، موضحاً إلى أنه لا يوجد الإنجاب بدون زواج، لأن هذا يعتبر علاقة غير مشروعة، وأن كل مجتمع له قيمه.
ولفتت أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إلى أن الله قال في سورة النحل:«وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ»، فيجب التفرقة بين الزواج الذي جاء في الشرع، ما يتداول الآن بشأن العلاقات.
وأوضح الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي وأستاذ بكلية الطب جامعة عين شمس، أسباب لجوء السيدات إلى الزواج المؤقت قائلاً:” إنه يوجد سيدات لا تحب تحمل رجل ولا ترغب في العيش مع رجل، لانه لا تحب أن بتحكم به أحد، وهذه شخصية شوكية ولديه ثقة عالية في النفس”.
وقال الدكتور جمال فرويز:” إن الشخصية العنيفة أو التصادمية تنتج بنسبة 99% من عنف الآباء، وبالتالي يكون من الصعب أن تعيش حياتها بشكل طبيعي فتلجأ إلى زواج الإنتاج ليكون فترة مؤقتة بهدف إنجاب الأطفال.
ولفت استشاري الطب النفسي، أن هذه الفكرة نشأت في شرق أوروبا ولكن من دون زواج وتكون بهدف الإنجاب فقط، وانتشرت في العالم العربي والإسلامي بصورة شرقية بأن السيدة تتزوج لفترة معينة، ثم تنجب الاطفال دون تحمل اي مسؤلية من الاب وتكون هيه المسؤولة على الطفل، لإشباع رغبته في غريزه الامومة.