إنفراد – روفيدا يوسف
في تطور درامي جديد على صعيد الأمن الإقليمي والسيادة الدولية، تعرّضت العاصمة القطرية الدوحة لغارة عسكرية إسرائيلية، استهدفت مقارًا يُعتقد أنها تضمّ قيادات من حركة حماس، هذا الهجوم الذي أثار إدانات عربية ودولية واسعة؛ ليس مجرد حدث عسكري، بل يُعدّ خرقًا مفصليًا لحدود السيادة الوطنية.
خصوصًا مع وجود قواعد أمريكية في قطر ودور الوساطة السياسية التي تلعبه الدوحة بين عدد من الأطراف المعنية بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ما يجري يفتح باب تساؤلات حيوية حول مدى فاعلية الضمانات الأمنية الدولية، وإمكانية الاستخدام السياسي للعمليات العسكرية، التي تُنفّذ دون تنسيق معلن، وسط فجوة بين الخطاب والإجراءات.
الاعتداء يضع الوساطة القطرية في مهب الريح
الهجوم لم يكن مجرد ضربة عسكرية عابرة، بل جاء في توقيت يشهد فيه الإقليم حالة من التوتر المتصاعد، ما جعل الدوحة ساحة لتجاذبات جديدة، فبينما تؤكد قطر أنها تلعب دور الوسيط في المفاوضات الخاصة بوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، جاء الاعتداء ليضع علامات استفهام حول قدرة أي دولة على حماية أراضيها، في ظل تضارب المصالح الإقليمية والدولية، خصوصًا عندما تكون طرفًا فاعلًا في ملفات حساسة.
كما أن وجود قواعد أمريكية كبرى في قطر لم يمنع وقوع هذا الهجوم، وهو ما يثير مخاوف من احتمالية تأثر صورة الضمانات الأمنية التي تقدمها واشنطن لحلفائها في المنطقة، وأي توتر على الساحة القطرية لا يظل شأنًا داخليًا فحسب، بل يمتد تأثيره بشكل مباشر إلى المعادلات الأمنية والسياسية الإقليمية، باعتبار أن الدوحة أصبحت مركزًا للوساطة والدبلوماسية، وأي اهتزاز في موقعها ينعكس على استقرار المنطقة بأكملها.
ضربة إسرائيلية لقطر تهز معادلات الوساطة وأمن الخليج
يؤكد الدكتور طارق البرديسي خبير العلاقات الدولية، أن الهجوم الإسرائيلي على السيادة القطرية يشكل محطة مفصلية في تاريخ علاقات المنطقة، ويترك انعكاسات مباشرة على مسار المفاوضات الدولية، فكيف يمكن الحديث عن وساطة في ظل تعرض الوسيط نفسه لاضطرابات وانتهاك واضح لسيادته، في الوقت الذي يتعرض فيه الوفد الفلسطيني المفاوض لمحاولات اغتيال ممنهجة.

الدكتور طارق البرديسي خبير العلاقات الدولية
الدكتور طارق البرديسي: هجوم يكشف “حماقة إسرائيلية غير مسبوقة”
أشار خبير العلاقات الدولية أن هذا التصرف يكشف عن حماقة إسرائيلية غير مسبوقة، إذ يضرب الاحتلال الوفد الفلسطيني على أرض الدولة الوسيطة نفسها، وهو فعل إجرامي لا يراعي الدور الحيوي، الذي تلعبه قطر كوسيط فاعل في الجهود الدبلوماسية لحل النزاع، ويبدو أن الكيان الإسرائيلي تجاهل متعمدًا عمق العلاقة الاستراتيجية بين قطر والولايات المتحدة الأمريكية، ليقدم على هجوم يفتقر إلى أبسط قواعد الوعي والإدراك السياسي.
ويوضح الدكتور أن هذا المشهد يدفع إلى توقع توترات سياسية وأمنية واسعة، إذ لم تعد أي دولة خليجية بمأمن من العدوان الإسرائيلي، وما أصاب قطر اليوم قد يمتد غدًا إلى السعودية أو البحرين أو الإمارات، الأمر الذي يعيد إلى الواجهة قضية أمن الخليج باعتباره أمنًا جماعيًا لا يتجزأ.
ما قبل الضربة يختلف عما بعدها.. الاتفاقات الإبراهيمية على المحك
ويشيد الدكتور طارق البرديسي إلى إعادة النظر في الاتفاقات الإبراهيمية، حيث إن الضربة الأخيرة على قطر تمثل نقطة تحول جوهرية؛ فما قبلها يختلف تمامًا عما بعدها، ومن المنتظر أن يتطور الموقف الخليجي والعربي؛ ليكون أكبر من مجرد بيانات شجب أو إدانة تقليدية.
ويكشف الحدث كذلك عن ثغرات خطيرة في أنظمة الدفاع الجوي، إذ لم تتمكن الرادارات القطرية من رصد الصواريخ، بينما غابت المضادات الجوية والطائرات القادرة على اعتراضها، ويعكس هذا خللًا جسيمًا في كفاءة المنظومات الدفاعية، المشتراة من الولايات المتحدة الأمريكية.
البرديسي: تنويع مصادر التسليح بات ضرورة وجودية للدول العربية
يؤكد “البرديسي” أن منظومات التسليح الأمريكية الموردة لدول الخليج، أثبتت محدوديتها أمام التفوق العسكري الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا، ويثير هذا تساؤلات جوهرية حول جدوى الاستمرار في الاعتماد على السلاح الأمريكي وحده، خاصة وأن واشنطن تحرص على ضمان التفوق النوعي لإسرائيل، على حساب حلفائها العرب.
كما يدعو الخبير إلى الاستفادة من النموذج المصري، الذي نجح في تنويع مصادر تسليحه من الصين وفرنسا ودول أخرى، ليؤكد أن هذه الرؤية المبكرة تعكس وعيًا استراتيجيًا متقدمًا، ويشدد على أن اللحظة الراهنة تحتم على دول الخليج والعالم العربي مراجعة شاملة لعلاقاتها مع الولايات المتحدة، خصوصًا في مجال التسليح، من أجل امتلاك القدرة الحقيقية، على الردع وحماية أمنها القومي.
في النهاية، لا يمكن التعامل مع الضربة الإسرائيلية للدوحة، بوصفها مجرد حادث عسكري عابر، بل هي مؤشر على مرحلة جديدة من السيولة الأمنية والسياسية في المنطقة، حيث تتداخل المصالح الدولية مع الحسابات الإقليمية.
الأحداث الأخيرة تفرض على الدول الخليجية والعربية إعادة تقييم تحالفاتها وخياراتها الدفاعية، والتفكير بجدية في بناء منظومة ردع جماعي؛ تضمن حماية الأمن القومي بعيدًا عن الارتهان الكامل لواشنطن، فالهجوم لم يهز فقط صورة الضمانات الأمنية، بل كشف هشاشة التوازنات القائمة، وفتح الباب أمام واقع استراتيجي مغاير لما كان قبله.