إنفراد – مريم ناصر
تتصاعد الترقبات الدولية قبيل إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” رسميًا عن خطة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والتي تمثل محاولة أمريكية لإعادة رسم خريطة التوازنات بعد اندلاع حرب السابع من أكتوبر 2023، وتقوم الخطة على مبادئ أساسية، أبرزها وقف إطلاق النار، ونزع سلاح الفصائل المسلحة، وتهيئة المسار لإقامة دولة فلسطينية مستقبلية عبر آلية حكم بمشاركة محدودة للسلطة الفلسطينية.
ويرى البعض أن ما يطرحه “ترامب” ليس مجرد مبادرة سياسية، لتهدئة الأوضاع، بل إعادة إنتاج لمعادلة “السلام بالقوة”، التي تسعى لفرض واقع أمني جديد تحت غطاء إعادة الإعمار، ونزع السلاح، ضمن ما يسميه الرئيس الأمريكي بـ”السلام الإقليمي الشامل”.
أكدت الدكتورة “إيمان زهران” أستاذة العلوم السياسية أن أحداث 7 أكتوبر 2023 شكلت نقطة تحول محورية في معادلة الأمن الإقليمية داخل النظام العربي، خاصة بعد إتساع نطاق الصراع، ليشمل “سوريا، ولبنان، واليمن، و”الهجوم الإسرائيلي” على كلًا من “إيران، والدوحة”، فضلًا عن محاولات إسرائيل حول معادلة السلام مع مصر عبر حملاتها العسكرية على قطاع غزة، والتي انطوت على دوافع تتعلق بالأمن القومي المصري.
وأوضحت الدكتورة “إيمان زهران” أن مراجعة هذه التطورات أهمية مقاربة “السلام بالقوة” التي بدأت تظهر ملامحها ضمنيًا في خطابات رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، والرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، إلى جانب الشعارات البراقة لبعض فصائل المقاومة، وفى مقدمتها حركة حماس، بما يعكس تحولات جوهرية في مفهوم الأمن الإقليمي، وأدوات تحقيقه خلال العامين الماضيين.
وأشارت أستاذة العلوم السياسية أن “القاهرة” كانت وستظل البوصلة الرئيسية فى تشكيل الوعي الدولي بأبعاد القضية الفلسطينية، فقد نجحت الدولة المصرية خلال العامين الماضيين، منذ اندلاع “أحداث 7 أكتوبر”، فى إنتزاع إعترافات أممية متزايدة بأحقية تأسيس دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وتمهيد توافقات عربية وإقليمية ودولية حول خارطة الطريق المصرية، ورؤيتها لإدارة مرحلة إعادة الإعمار عقب تثبيت قرار وقف إطلاق النار.
مصر تفرض معادلتها الدبلوماسية في إدارة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار
أبرزت الدكتورة “زهران” أن المقترح الأمريكي الأخير بشأن وقف إطلاق النار، أو ما يعرف بـ”خطة السلام”، كمحاولة من الرئيس الأمريكي “ترامب” لإعادة نفسه إلى المشهد السياسي الدولي لعدة أسباب، أولها سعيه الواضح لحصد جائزة نوبل للسلام، وثانيًا رغبته في ترميم تحالفاته الخليجية دون الإخلال بإلتزامه تجاه تأمين إسرائيل، وثالثًا تطلعاته المستمرة نحو فرض شكل جديد من “الكولونيالية الاقتصادية”، أي الاستعمار الاقتصادي بشكل حديث.
وأوضحت الدكتورة “إيمان زهران” أن القراءة المتعمقة لما يسمى بـ”ريفيرا الشرق الأوسط”، يمثل مدخلًا لتوظيف هذه “الكولونيالية الاقتصادية” كممر لمشروعات استثمارية ضخمة في المنطقة، بما يحقق مصالح الولايات المتحدة، وإسرائيل على حساب القضايا الجوهرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وحقوق شعوب المنطقة في السيادة، والتنمية العادلة.
أكدت أستاذة العلوم السياسية أن التطورات في “حركة حماس” بدت في موقف فقدت فيه مصداقيتها عربيًا، ودوليًا لعدة أسباب، أولًا رفضها في إبداء المرونة اللازمة، لإنهاء الملف الإنساني في قطاع غزة، وثانيًا محاولاتها مقايضة المعاناة الإنسانية بقطاع غزة بورقة سياسية للحركة، في محاولة لإعادة إنتاج نموذج “حزب الله” داخل القطاع.
وأضافت “زهران” التحليلات إلى أن تبني بعض قيادات حماس أجندات خاصة بعيدة عن الإطار التفاوضي الذي تسعى “القاهرة” من خلاله إلى فرض واقع جديد للقضية الفلسطينية، عبر أدواتها الصلبة والناعمة، لحشد “لوبي دولي”، أي تكوين جبهة ضغط عالمية مؤيدة للموقف المصري والفلسطيني، لتأسيس دولة فلسطينية على حدود عام 1967، ما دفع كثيرين للتشكك في صدقية نوايا الحركة التفاوضية.
وأشادت “إيمان زهران” إلى أن القيادة السياسية المصرية أنها انتهجت مبدأ “التوازن الإستراتيجي، والانفتاح المرن” في إدارة الملف الفلسطيني كأحد أهم أدوات النهج السياسي المصري الهادف إلى إعادة هندسة النظام العربي، والشرق الأوسطي نحو مزيد من الاستقرار، اعتمادًا على مكانة مصر كدولة محورية ذات تأثير إقليمي عابر للحدود.
واختتمت أستاذة العلوم السياسية حديثها باستشراف التحليلات المستقبلية، بأن الإقليم مقبل على مرحلة دقيقة تتسم بعلاقة ترابط وثيقة بين الثوابت المصرية، في مقدمتها دعم السلام، والاستقرار، واحترام سيادة الدول، والتمسك بمبادئ القانون الدولي، وبين ثلاثية حاكمة تتعلق بـ”تكلفة التمسك بالثوابت، وأوزان الخيارات الخارجية، ومستويات التصعيد المقابلة”، وهي الرهانات التي تعد قيد التحقق خلال المرحلة المقبلة.