إنفراد – روفيدا يوسف
تتصاعد أزمات الديون العالمية والتضخم في الوقت الذي يعاني فيه العالم من اضطرابات اقتصادية متلاحقة، فيبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تتهيأ لتنفيذ أكبر عملية إعادة تشكيل للنظام المالي العالمي، خطة غير معلنة تنفذ في صمت، هدفها إنقاذ الاقتصاد الأمريكي من الديون، حتى لو على حساب ثروات شعوب العالم أجمع.
فهناك محاولات أمريكية لاستخدام العملات الرقمية والمشفرة كأداة جديدة؛ لتصفير ديونها مستغلة مكانة الدولار كعملة عالمية، تمامًا كما فعل الرئيس الأمريكي «ريتشارد نيكسون» سنة 1971، عندما فك ارتباط الدولار بالذهب، فيما عرف حينذاك بـ “صدمة نيكسون” والتي قلب موازين الاقتصاد العالمي رأسًا على عقب.
وبين العملات المستقرة والبيتكوين، وتحركات البنوك المركزية لشراء الذهب وتحالفات مثل “البيركس”، تتكون موجة جديدة من الصراع الاقتصادي، فتسعى كل الدول لحماية ثروتها قبل أن تتحول اللعبة إلى “سرقة القرن” التي تعيد توزيع القوة والمال على باقي دول العالم.
الدكتور طارق البرديسي: أمريكا تسببت في خسائر كبيرة للعالم بفك ارتباط الدولار بالذهب
أشاد الدكتور طارق البرديسي خبير العلاقات الدولية، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية عندما قامت بفك ارتباط الدولار بالذهب في عهد الرئيس الأمريكي «ريتشارد نيكسون»، تسببت في خسائر كبيرة للعالم، معتبرًا أن هذه الخطوة كانت بمثابة تصفير فعلي للديون الأمريكية.
وأكد الدكتور طارق أن الولايات المتحدة دائمًا ما تبحث عن مصالحها أولًا، وأن من يتولون الحكم في البيت الأبيض يأتون من أجل تحقيق الصالح الأمريكي فقط، مشيرًا إلى أن أمريكا لطالما استغلت قوتها العسكرية وانتشارها العالمي، لترجمة هذه القوة المادية إلى نفوذ اقتصادي، وهو ما فعله «نيكسون» حين اتخذ قراره التاريخي بفك الارتباط بين الدولار والذهب.
وأوضح “البرديسي” أن فكرة العملات المشفرة مثل البيتكوين، وما تحمله من ضبابية وغموض، يمكن أن تُستغل من قبل الولايات المتحدة؛ لتحقيق مصالحها الاقتصادية، تمامًا كما فعلت سابقًا بفك ارتباط الدولار بالذهب، مضيفًا إلى أن أمريكا دائمًا ما تجعل العالم كله يدفع فواتير سياساتها وحروبها، مؤكدًا أن حتى الحروب التي تخوضها، هناك دائمًا من يتحمل تكلفتها من الدول الأخرى.

الدكتور طارق البرديسي خبير العلاقات الدولية
الدولار يظل ركيزة النظام المالي العالمي في الولايات المتحدة
وتصور الخبير في العلاقات الدولية أن الولايات المتحدة لن تستغني عن الدولار، ولن تستبدله بالبيتكوين، لأن الدولار لا يزال متربعًا وسيدًا على عرش العملات العالمية، وأوضح أن الاستغناء عنه ليس في مصلحة أي دولة، حتى الصين التي تمتلك استثمارات ضخمة في سندات الخزانة الأمريكية.
وأشار إلى أن «البيتكوين» رغم ضخامته وقيمته العالية التي تبلغ آلاف الدولارات للعملة الواحدة، فإنه لا يمكن التعامل به عمليًا كعملة يومية، ومع ذلك توقع أن تستخدم أمريكا هذه العملات المشفرة لصالحها، وأن تسعى للاستفادة منها، موضحًا أن حتى الرئيس «دونالد ترامب» قام بإصدار عملات رقمية تحمل اسمه ضمن هذا التوجه.
واختتم الدكتور طارق البرديسي حديثه بالتأكيد على أن كل هذه المستجدات والمستحدثات، في «عالم العملات الرقمية والاقتصاد العالمي» التي تصب في النهاية في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، وتخدم مواقع اتخاذ القرار فيها، وأيضًا أباطرة المال والاقتصاد الكبار، الذين يديرون النظام المالي العالمي من وراء الكواليس.
وفي النهاية، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه من جديد، ولكن هذه المرة بأدوات مختلفة، فكما غير قرار «نيكسون» موازين الاقتصاد العالمي في سبعينيات القرن الماضي، قد تكون الخطوة القادمة لأمريكا نحو العملات الرقمية هي النسخة الحديثة من نفس اللعبة.
وبينما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية من تحريك خيوط النظام المالي العالمي، تبقى الشعوب والاقتصاديات الناشئة هي الحلقة الأضعف في معادلة صعبة لا ترحم، عنوانها الدائم «إنقاذ أمريكا ولو على حساب العالم أجمع».






