إنفراد – روفيدا يوسف
تعتبر فكرة إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة ليست جديدة على الساحة السياسية، بل طُرحت أكثر من مرة منذ عام 2015، وظلت تتجدد مع كل أزمة أو تهديد يطال الأمن القومي العربي، ويعود سبب طرحها المستمر إلى ما تواجهه المنطقة من تحديات معقدة، بدءًا من النزاعات المسلحة، ومرورًا بالإرهاب والتدخلات الخارجية، وصولًا إلى الصراعات على النفوذ والموارد.
وفي ظل هذه التحديات، تعود التساؤلات بقوة حول مستقبل هذه الفكرة، ومدى قابليتها للتحقق في واقع إقليمي شديد التعقيد، إذ أن التنسيق العسكري العربي قد يمنح المنطقة قدرة أكبر على مواجهة المخاطر، ويمثل خطوة مهمة نحو توحيد الصفوف وتعزيز الاستقرار، لكن يبقى السؤال الأبرز: “هل يمكن أن تتوقف حدود هذه القوة عند الإطار العربي فقط، أم أن هناك إمكانية لتوسيعها لتشمل قوى إسلامية أيضًا”؟.
فانضمام دول مثل تركيا أو إيران إلى أي تحالف عسكري عربي، يفتح الباب أمام فرص وتحديات في آن واحد؛ فتركيا تمتلك ثقلًا عسكريًا كبيرًا وموقعًا استراتيجيًا يجعلها جسرًا بين الشرق والغرب، كما أن تركيا تعد من أبرز القوى العسكرية على الساحة العالمية، حيث يمتلك جيشها نحو 670 ألف جندي، ما يجعلها صاحبة ثاني أكبر قوة في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة.
بينما تمثل إيران لاعبًا رئيسيًا في معادلات الشرق الأوسط، رغم خلافاتها السياسية العميقة مع عدد من الدول العربية، وبين الطموح في بناء قوة إسلامية واسعة النطاق، والعقبات المتمثلة في الانقسامات التاريخية والسياسية، يبقى مصير هذه الفكرة رهنًا بمدى استعداد الأطراف؛ لتجاوز الخلافات وبناء أرضية مشتركة، للأمن الإقليمي.
الدكتور طارق البرديسي: لو كانت هناك قوة عربية مشتركة لما حدثت المآسي
أشار الدكتور “طارق البرديسي” خبير العلاقات الدولية، إلى أنه لو كان هناك هذه القوة العسكرية العربية المشتركة لما حدثت كل هذه المآسي، وكل هذه الاضطرابات والتداعيات، لم تكن إسرائيل لتجرؤ على التحرك “كالحمار الذي يرفس يمنة ويسرى”، كأنه “حمار محشور في غرفة من الخزف”، مضيفًا أن إسرائيل باتت تضرب بذات اليمين وذات الشمال، وكل هذا نتيجة لعدم وجود هذه القوة العسكرية العربية المشتركة، وأكد أن غيابها كان سببًا رئيسيًا في تراكم الأزمات، والتداعيات، التي تشهدها المنطقة اليوم.

الدكتور طارق البرديسي خبير العلاقات الدولية
وأكد الدكتور طارق البرديسي أنه لو استجابت الدول، إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية المصرية، في تكوين هذه القوة عام 2015، لما وصلنا إلى هذه المأساة وهذه الدرجة من الهوان، وأشار إلى أن هذه الدعوة لو تم تفعيلها لكانت الأوضاع أكثر استقرارًا، وأضاف أن استباق الأحداث آنذاك، كان من شأنه أن يحمي المنطقة من الهزائم السياسية والعسكرية، مشيرًا أن المبادرة كانت تحمل في طياتها الحلول الاستراتيجية؛ لوقف النزيف.
البرديسي: القوة العربية لن تكون غاشمة وإنما من أجل العدالة
أوضح خبير العلاقات الدولية أنه بالنسبة لاحتمالية انضمام دول مثل تركيا وإيران إلى هذه القوة العربية المشتركة، فإنها لن تكون قوة عسكرية معتدية، وأضاف أنها ليست قوة غاشمة، وإنما أداة للتصدي لتلك الهجمات، وأشار إلى أن هذه القوة ستكون موجهة أيضًا للتصدي للتحديات الكبرى، التي تواجه العالم العربي، وأنها ستقف ضد كل من يحاول العبث بقواعد السلم، والأمن الدولي.
وأضاف البرديسي: “أهلًا بكل من يريد أن ينضم من أجل العدالة، فهذه القوة العسكرية ستكون من أجل تطبيق القانون الدولي”، مؤكدًا إلى أن هذه القوة ستعمل أيضًا على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وستكون وسيلة لمنع الافتئات والمساس والاعتداء على سيادة الدول الوطنية، كما حدث في قطر، وما يحدث الآن في مدينة غزة الفلسطينية، كل هذا نتيجة غياب هذه الآلية.
خبير العلاقات الدولية: السيسي سبق برؤية استراتيجية منذ 2015
أكد الدكتور طارق البرديسي إلى أن هذه القوة العسكرية، كان من شأنها أن تضمن تحقيق العدالة وحماية الأمن، مشيرًا إلى أنها كانت ستشكل مظلة إقليمية؛ لمواجهة التهديدات المحدقة بالدول العربية، وأضاف أن وجودها كان سيضع حدًا لمحاولات التدخل الخارجي، وأن تأسيسها كان سيعزز من مكانة القانون الدولي ويمنع الانتهاكات.
وأشاد “البرديسي” أن الرئيس السيسي، نادى بهذه الفكرة منذ عام 2015، وأعاد التأكيد عليها في مؤتمر القمة العربية الإسلامية في العاصمة القطرية الدوحة يوم الإثنين الماضي، وأضاف أن تكرار هذه الدعوة يعكس حجم الحاجة لهذه القوة، مشيرًا إلى أن المنطقة ما زالت تدفع ثمن غيابها، وأوضح أن المستقبل يتطلب تحركًا جماعيًا عربيًا؛ يضع هذه القوة في صدارة الأولويات.
في النهاية، تبقى فكرة إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة أقرب إلى ضرورة ملحة منها إلى مجرد خيار سياسي؛ فالتحديات المتراكمة والصراعات المستمرة، تفرض على الدول العربية أن تعيد النظر في أدواتها الدفاعية، وآليات التعاون فيما بينها.
وبين الآمال المعلقة على وحدة الصف، والعقبات التي تعترض طريق التفعيل، يظل السؤال مفتوحًا: هل يشهد المستقبل ميلاد هذه القوة؛ لتكون درعًا حاميًا للأمن القومي العربي، والإسلامي، أم ستظل مجرد مشروع مؤجل، يتجدد طرحه مع كل أزمة جديدة.