إنفراد – مريم ناصر
تتعالى أصوات القصف في غزة يومًا بعد يوم، وفي قلب هذا المشهد المظلم يقف الصحفيون صامدين، ويحاولون أن ينقلوا ما يحدث رغم إدراكهم أن حياتهم مهددة في كل لحظة، ولم يعودوا مجرد شهود على المأساة، بل صاروا جزءًا منها يدفعون ثمن “الكلمة، والصورة”.
وفي ضوء ذلك، تحولت مهنة الصحافة في غزة إلى مهمة شبه مستحيلة، فالكاميرا باتت هدفًا، والقلم أصبح خطرًا عليهم، وأصبح الأشد خطورة في تلك المنهة كل لقطة قد تفضح جريمة، وكل تقرير قد يكشف المستور، ولذلك صار الصحفيون يواجهون خطرًا مزدوجًا “القصف من جهة، والاستهداف المباشر من جهة أخرى”.
ويتضح من هذا الواقع أن الصحافة لم تعد مجرد نقل أخبار، بل معركة على الوعي، واستهداف الصحفيين لا يعني فقط إسكات أصوات فردية، بل محاولة لإخفاء مأساة شعب بأكمله، وإبقاء العالم في ظلام إعلامي ضمن خطة مدروسة بعناية ومقصودة.
وكذلك يسعى موقع “الأنباء المصرية” لـ توضيح الكثير من التساؤلات التي تأتي في أذهاننا حول دلالات ما يحدث من خلال “كيف تحول الصحفي إلى عدو في ساحة حرب، وما الذي يخبرنا به استهدافهم عن طبيعة الصراع الدائر”، ولفهم إذا كان ما يجري مجرد حوادث متفرقة، أم سياسة مدروسة لقتل الحقيقة.
الدكتورة إيمان زهران: استهداف الصحفيين في غزة جريمة لقتل الحقيقة
أكدت الدكتورة إيمان زهران دكتور العلوم السياسية، على أن استهداف الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين في غزة منذ بداية العدوان يمثل جريمة ممنهجة، تهدف إلى ترهيبهم ومنعهم من أداء واجبهم المهني، وأوضحت أن تصعيد الاعتداءات تزامن مع التحضير لاجتياح غزة بالكامل، وهو ما يكشف عن سياسة واضحة، لإسكات الصوت الفلسطيني.
ويستهدف الاحتلال قتل الصحافة بقدر ما يستهدف قتل الصحفيين، فقتل الصحافة يتم من خلال استهداف الصحفيين في الميدان منذ اللحظة الأولى، وتدمير المؤسسات الإعلامية منذ اليوم الأول للحرب، بالإضافة إلى التحريض المستمر على الصحافة الفلسطينية، والصحفيين الفلسطينيين.
وترى “زهران” أن استهداف الصحفيين ليس صدفة، بل هو سياسة ممنهجة من جانب قوى اليمين داخل الكيان الإسرائيلي، وتهدف هذه السياسة إلى إحكام التطويق وعزل قطاع غزة عن محيطه الإقليمي والدولي، وإبقاء الرواية الإسرائيلية وحدها هي المسيطرة.
ليس كل ما تراه حقيقة.. دور السوشيال ميديا في توثيق الأحداث الفلسطينية
وتنقل الدكتورة إيمان زهران أثر السوشيال ميديا الصورة عن موقف استهداف الصحفيين، مؤكدة أنه رغم ضعف التغطية المهنية للعمليات الميدانية بشكل عام، فإن وسائل التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك”، و”تويتر” لعبت دورًا في نقل أحداث الصراع، لكنها أشارت إلى أن هذه التغطية كثيرًا ما تفتقد المهنية والحيادية، وتغلب عليها الشخصنة في الرصد، والتحليل، والتوجيه.
لاهاي وجنيف.. منظمات عالمية بلا نفوذ في مواجهة الاحتلال
وقالت دكتورة العلوم السياسية إنه من الصعب الحديث عن فاعلية حقيقية دور المنظمات والنقابات الصحفية، فمنذ 6 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، ما زالت هناك أزمة في تعريف “الفاعلية”، خاصة أن حكومة اليمين الإسرائيلي، وجيش الاحتلال لا يمتثلان لقواعد القانون الدولي، ولا للبروتوكولات الدولية مثل “لاهاي وجنيف”، وبالتالي لا يتوقع أي تأثير ملموس على أرض الواقع من جانب هذه المنظمات.
وأكدت “زهران” في حديثها عن انعكاس استهداف الصحفيين على الرأي العام العالمي، وأن ذلك ساهم في إعادة تشكيله بالفعل، مشيرة إلى أن هذا التحول لا يرتبط فقط باستهداف الصحفيين، بل أيضًا بمجمل الأزمة الإنسانية في القطاع، وحالة الصراع المستمرة، وما يتعرض له الفلسطينيون من إبادة جماعية ممنهجة.
وتطرقت الدكتورة إيمان إلى الدور العربي في دعم الصحفيين بغزة، موضحة أن هذا الدور يفتقد للضغط الحقيقي، وفرض الإلزامية، وما عدا ذلك فإن الموقف العربي لا يتجاوز حدود الإدانات، سواء على المستوى الإقليمي، أو الدولي، دون خطوات عملية مؤثرة.
دكتور العلوم السياسية: استهداف الصحافة أكبر عملية ممنهجة لإخفاء الجرائم الموثقة
واختتمت دكتور العلوم السياسية حديثها بالتأكيد على أن التغطية الإعلامية كانت ستختلف كثيرًا لو لم يتم استهداف الصحفيين، فقد كان من الممكن فضح الانتهاكات الوحشية، والمخططات الإسرائيلية، لإعادة الترسيم الديموغرافي لقطاع غزة بشكل أوضح، وأشارت إلى أن الصورة ما زالت تمثل الأداة الأكثر فاعلية في الحسم السياسي والإنساني، رغم امتلاكنا أدوات الرصد والتحليل لخطابات اليمين، وخطط التحرك الميداني.
وأصبح استهداف الصحفيين في غزة ليس مجرد قتل أشخاص، بل محاولة لإخفاء الحقيقة وإسكات صوت الشعب بأكمله، ويمثل هذا خطوة في حرب على الصحافة، ولكن هذه المحاولات لم ولن تكسر إرادة الصحفيين.
ويواصل الصحفيون عملهم على الرغم من القصف والموت المستمر، حاملين الحقيقة، ليظل صوت غزة مسموعًا في العالم والوطن العربي بأكمله، وليثبت أن الحقيقة لا تدفن بالرصاص والقصف، وأصبح الصمود الإعلامي مسؤولية وطنية وإنسانية في آن واحد.
وكشف استهداف الصحفيين أن الحرب على غزة لا تقتصر على الأرض والمباني، بل تشمل السيطرة على الرواية الإنسانية وإخفاء الجرائم عن أعين العالم، وأن كل محاولة لإخفاء الحقيقة تزيد من أهمية الصحافة كأداة مقاومة، وتجعل كل تقرير رسالة تحدي وإصرار لنقل الحقيقة للعالم.
وفي النهاية تبقى “الصورة، والكلمة” أداة المقاومة الأقوى؛ فمهما حاول الاحتلال إسكات الصحفيين، فإن الحقيقة ستظل حاضرة، لتؤكد أن الصحافة باقية، وأن استهدافها لن ينجح في دفن القصة الإنسانية لغزة، وستبقى شهادتهم شاهدًا لا يمحى على مأساة شعب بأكمله.