إنفراد – إيمان أشرف
يشكل «السد العالي» خط الدفاع الأول لمصر، أمام تقلبات نهر النيل، فهو يقف شامخًا؛ ليحجز خلفه «بحيرة ناصر» الممتدة لعشرات الكيلومترات حتى حدود السودان، وهذا الموقع الفريد لم يكن اختيارًا عابرًا، بل هو نقطة ارتكاز جغرافية وهيدرولوجية جعلت من «السد العالي» حصنًا مائيًا، يحمي مصر من تقلبات الفيضان، والجفاف، ويمنحها القدرة على إدارة مواردها المائية في مواجهة التحديات الإقليمية.
يكمن الدور الأساسي لـ «السد العالي» في تنظيم تدفقات النيل، حيث يعمل كـ «صمام أمان» يمنع مخاطر الفيضانات وقت زيادتها، ويمنع الجفاف وقت نقصانها، وذلك من خلال بوابات تسمح بتمرير المياه شمالًا، حسب احتياجات الري، والزراعة، والكهرباء.
السد العالي صمام الأمان الذي يرسخ قوة البنية التحتية المائية لـ مصر
أكد “عباس شراقي” دكتور الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أن الموقف المائي المصري مستقر وآمن، وأن مصر لا تواجه أي مشكلة في استقبال المياه المصرفة من «السد الإثيوبي»، موضحًا أن «السد العالي» جاهز لاستيعاب أي كميات إضافية من المياه، بفضل سعته التخزينية الكبيرة، والإجراءات المتبعة لإدارته بكفاءة .

الدكتور “عباس شراقي” دكتور الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة
أوضح “عباس شراقي” أن مصر اتخدت كافة الاستعدادات اللازمة لاستقبال كميات المياه المتوقع تدفقها في شهر سبتمبر، دون وقوع أي مشكلات تذكر، مشيرًا أن «السد العالي» يتمتع بقدرة استيعابية كبيرة، إلى جانب مفيض «توشكى»، الذي يساهم في تصريف أي زيادات مفاجئة في المياه.
كشف دكتور الجيولوجيا أن الجهات المسؤولة في مصر دأبت خلال الشهور الماضية على اتخاذ كل التدابير الضرورية؛ لضمان سلامة المواطنين، والمناطق الزراعية الواقعة بالقرب من محرى النيل، حيث تم رفع درجات الاستعداد على مستوى المحافظات المعنية، والتأكد من جاهزية السدود، والمصارف، ومفيضات المياه؛ لاستقبال أية تطورات، لا سيما مع تقلبات المناخ، وزيادة معدلات الأمطار في بعض المواسم.
عباس شراقي يوضح حقيقة استقبال «السد العالي» لفيضانات السودان وسد النهضة وحقيقة فتح مفيض توشكى
ونوه “شراقي” أن الاستعدادات السنوية تصل أعلى قمتها مع بداية السنة المائية فى أول أغسطس من كل عام، حيث يستقبل «السد العالي» باكورة الإيراد السنوي، ولكنه تأخر قليلًا بسب «سد النهضة»، كما حدث في السنوات الأخيرة عند ملء السد، وبدأت فى الوصول أول سبتمبر مع فتح أكبر لسدود البوابات السودانية، ثم «سد النهضة» بعد افتتاح السد في 9 سبتمبر 2025.
قال دكتور الجيولوجيا إن «السد العالي» يستقبل بأعلى كفاءة فيضانات النيل في السودان، التي وصلت إلى أكثر من 700 مليون م3 طوال شهر سبتمبر، ومازالنا في بداية العام المائي، وغير صحيح بعض الفيديوهات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، بأن «السد العالي» يفتح بواباته لاستقبال الفيضان، وكذلك و«مفيض توشكى».
أوضح “عباس شراقي” أن بسبب اكتمال الملء وفتح مفيض «توشكى»، كل هذا غير صحيح، حيث أن «السد العالي» يستقبل الفيضان في «بحيرة ناصر» بدون بوابات، التي هي فقط لتصريف المياه للاستخدامات اليومية، عن طريق التوربينات، ومفيض «توشكى» مغلق حتى اليوم؛ لكى نستقبل باقى حصتنا، وبعدها نستطيع اتخاذ اللازم اذا استمر الفيضان.
مصر تعزز أمنها المائي بتطوير بنيتها التحتية المائية
أشار دكتور الجيولوجيا أن مصر تبذل جهودًا لتطوير مشروعات إدارة الموارد المائية داخليًا، عبر خطط ترشيد الاستهلاك، وتبطين الترع، وتوسيع محطات معالجة وتحليه المياه، ما يعكس رؤية متوازنة تجمع بين حماية حقوقها المائية التاريخية، والسعي إلى التنمية المشتركة مع دول حوض النيل.
أردف “عباس” إلى أن الحكومة المصرية قامت خلال السنوات القليلة الماضية بحفر آلاف الآبار الإرتوازية؛ لتوفير مياه الري في بعض المناطق الصحراوية، وتقدر تكلفة البئر الواحد من مليون إلى 5 ملايين جنيه، أي نحو 102 ألف دولار، بحسب طبيعة التربة، ووفرة المياه الجوفية في المنطقة التي يقام بها البئر.
ذكر دكتور الجيولوجيا مثال على حديثه عن محطات المعالجة، مثل «محطة بحر البقر» أو «غرب الإسكندرية»، حيث تتكلف الواحدة منها أكثر من 50 مليار جنيه، بالإضافة لتكلفة التشغيل، والصيانة الدورية.
وقدر تكلفة تعويض كل مليار متر مكعب من المياه تحجزه إثيوبيا بنحو 10 مليارات جنيه مصري، تتحملها خزينة الدولة المصرية، بسبب الكُلفة العالية لمشاريع تحلية وإعادة تدوير المياه، وتعديل التركيب المحصولي وغيرها، علاوة عن سياسات التقشف المائي.
رغم ما يواجه مصر من تحديات إقليمية مرتبطة بتقلبات النيل، ومخاطر الفيضانات القادمة من إثيوبيا، فإن امتلاكها لبنية تحتية قوية ممثلة في «السد العالي»، و«مفيض توشكى»، و«بحيرة ناصر» كخزان استراتيجي، جعلها أكثر قدرة على استيعاب أي طارئ هيدرولوجي.
بالإضافة أن خطط إدارة الموارد المائية، سواء عبر سياسات ترشيد الاستهلاك، أو تنويع مصادر المياه، تشكل درعًا إضافيًا للأمن المائي المصري، ويظل الرهان الأكبر على استمرار تطوير هذه المنظومة ورفع جاهزية خطط الطوارئ لمواجهة سيناريوهات غير متوقعة، بما يضمن حماية الإنسان والموارد معًا، ويعزز مكانة مصر كدولة قادرة على التكيف، والصمود أمام أي تحديات مائية مستقبلية.