ابتهال خيري
تحية كاريوكا، اسمها الحقيقي «بدوية تحية محمد علي النيداني كريم»، من مواليد مدينة المنزلة بالإسماعيلية، فى 22 فبراير عام 1919، بدأت فى ممارسة الرقص والغناء والتمثيل وهي فى سن صغيرة كموهبة، وعانت كاريوكا فى بداية حياتها وتعذبت على يد شقيقها بعد وفاة والدها، حيث قيدها بالحديد وحبسها، حتى هربت من الاسماعيلية وهى صبية، وتعرفت على الراقصة سعاد محاسن، ثم ذهبت إلى بديعة مصابني بعد سفر الراقصة سعاد محاسن إلى الشام، وحينها اكتشفتها الراقصة بديعة مصابني، وانضمت إلى فرقتها عام 1935، وبعد ذلك توجهت إلى السينما والمسرح بمساعدة سليمان باشا نجيب، الذي قام بمساعدتها وتنميتها ثقافيًا وسياسيًا.
البداية الحقيقية لراقصة مصر الأولى
بدأت شهرة الفنانة تحية كاريوكا الحقيقية عام 1940 عندما قدمت رقصة الكاريوكا العالمية في أحد عروض فرقه بديعة مصابني وهي الرقصة التي التصقت بها بعد ذلك حتى أنها لازمت اسمها.
السياسة فى حياة كاريوكا
تركت تحية كاريوكا خلفها تاريخًا فنيًا كبيرًا وقصص كفاح، وعلى رغم نجاحها في مشوارها الفني إلا أنها كانت وطنية بدرجة عالية، وألقي القبض عليها أكثر من مرة بسبب نشاطها السياسي السري، وكان لها نشاط سياسي وثوري منذ عام 1948 بجانب مساعدتها الفدائيين، لدرجة أنها كانت تنقل السلاح لهم فى سيارتها الخاصة، وتصبح صاحبة فضل كبير في تاريخ تغيير الأوضاع السياسية في مصر.
فى أحد الأيام وبينما كانت تحية تؤدي إحدى رقصاتها في فندق “الأوبرج” بالجيزة فوجئت بوجود الملك فاروق، حاكم مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952، يجلس في الصالة، ومعه عدد كبير من حاشيته، فسخرت كاريوكا من الموقف، ووجهت حديثها للملك فاروق وقالت له “مكانك مش هنا يا جلالة الملك.. مكانك في القصر”، فانصرف الملك فاروق غاضبًا لكنه لم يوجه أي غضب إلى كاريوكا وسط ذهول الموجودين في الصالة.
وكانت كاريوكا من بين أهم من تبرعوا في أسبوع تسليح الجيش عام 1955، بعد قرار عبدالناصر كسر احتكار السلاح والتحول إلى المعسكر الشرقي لتسليح الجيش، وقدمت جزء من مجوهراتها إضافة إلى التبرعات التي جمعتها من أماكن عدة، وقال عنها الرئيس جمال عبد الناصر “انتى ست بألف راجل يا تحية”.
أدخلها “الضباط الأحرار” السجن بعد أن وصفتهم قائلة: “فاروق ذهب وجاءت فواريق أخرى”.
كانت كاريوكا تعرف ما تقوله عندما اشارت للفواريق إلى 11 ضابطا هم أعضاء مجلس قيادة الثورة. سيطر هؤلاء الضباط على مقاليد السلطة في مصر لتختفي الأحزاب وحرية الصحافة والديمقراطية ويهبطوا بالجنيه المصري إلى الحضيض.
وهو ما تسبب في اعتقالها لأول مرة، من قِبل السلطات المصرية عام 1954، مع زوجها الضابط مصطفى كمال صدقي، عضو حرس السرايا الملكية قبل الثورة، هي وزملائها من أعضاء الحزب الشيوعي المصري وقضت خلف القضبان 101 يوم بعد أن كانت قد وزعت 150 ألف منشور كانوا في منزلها، وتم اتهامها بمساعدة زوجها بتهمة القيام بنشاط معاد للثورة والتآمر لقلب نظام الحكم.
دور الفنانة الراحلة مع السادات
لعبت كاريوكا أيضاً دوراً سياسيًا بارزًا، حيث لعبت الراحلة دورًا كبيرًا مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حيث قدمت له المساعدة عندما اتهم الظابط أنور السادات قبل قيام الثورة بمقتل أمين عثمان رئيس الوزراء آنذاك، حيث ساعدته من أجل الهروب من الاحتلال الإنجليزى، قبيل الحرب العالمية الثانية، عندما قامت بأخذه إلى الإسماعيلية حتى يختبئ عند إخوتها، وهناك امتهن العديد من المهن وهو متنكر.
ويذكر الرئيس الراحل أنور السادات تلك الذكريات عند تقديمه جائزة لها في عيد الفن، وداعبها ليذكرها بموقفها، فصافحها وأشاد بوطنيتها وتاريخها النضالي المشرف، وقال لها ” فاكرة يا تحية لما خبتينى عند إخواتك فى الإسماعيلية لما كنت هربان من السجن؟ فردت: إنت لسه فاكر يا ريس؟.. طبعًا دي أيام هيكتبها التاريخ عمرى ما هنساها، مش عايزة حاجة؟ فيه حد مزعلك؟ لكِ أي طلب؟ اطلبي أي حاجة؟”.
لتنطق تحية مطالبة المساعدة، فلم تطلب أى شىء لنفسها ولكنها قدمت الشكر للرئيس السادات، وقالت :” هو بس فيه حاجة كنت عايزه أطلبها من سيادتك مش ليا لكن لـ «زينات صدقي»، هي كبرت وما بقتش تشتغل ومريضة وبتمر بظروف قاسية أوي، يا ريت يا ريس تأمر لها بمعاش تقدر تعيش منه.. ونفذ الرئيس ما قالته فورًا وصرف لها معاشًا استثنائيًا”.
كاريوكا والرئيس حسني مبارك
لم يسلم الرئيس الراحل حسني مبارك من هجوم تحية كاريوكا ففي أحد احتفالات تكريم الفنانين الذي كان يحضرها الرئيس الأسبق أصرت كاريوكا على الحضور رغم أنها كانت تتحرك على كرسي متحرك .
وعندما همَّ مبارك بتهنئة الفنانين وصل إلى تحية كاريوكا وقبل أن يتبادلا السلام انفجرت كاريوكا في وجهه وقالت ” يا ريس في ناس بتنام من غير عشاء” فكان رده أن كل حاجة ولها حل وأوضح مبارك أن المواليد بتزداد بنسبة كبيرة فقالت له ” أنا ما افهمش في كلامك التخين ده ما تسبش حد من غير عشاء ياريس .. خد من كل مسلسل بيتعمل 1000 جنيه أو ألفين واديهم للفقراء”.
ومن نضالاتها المستميتة، ترأست إضرابًا مع نقابة المهن الفنية سنة 1988 على تعديل قانون 102 الخاص بالنقابات الفنية التي اعتبره الفنانون جائرًا، كما أضربت عن الطعام، وبعد مرور خمس أيام من الاعتصام والإضراب، بدأ قلبها يعيش حالة غضب وتوتر دائمين، على إثر ذلك تدهورت حالتها الصحية ونقلت للعلاج في مستشفى القوات المسلحة في المعادي.
ويروي طارق الشناوي الناقد الفني الكبير، ما حدث بالقول إن مبارك اتصل بالفنانة تحية كاريوكا في نقابة السينمائيين مقر اعتصام الفنانين وداعبها قائلًا: “عايزة يقولوا يا ست تحية إنك عشت تأكلين في عهد فاروق وعبدالناصر والسادات وبعدين تموتي جعانة في عهد مبارك!”، واضطر الرئيس محمد حسني مبارك إلى التدخل لحل مشكلة النقابة.
وفاة أيقونة الرقص الشرقي
توفيت تحية كاريوكا 20 سبتمبر عام 1999 عن عمر يناهز 80 عامًا، اثر تعرضها لجلطه رئوية حادة بعد عودتها من رحله العمرة، وقد تبنت الفنانة الكبيرة بنت صغيرة عندما كانت في السبعين من عمرها، وكانت دائمًا تمازح أصدقائها بقولها إنها “أنجبت وهي في السبعين”، وتركت وصية للفنانة فيفي عبده بضرورة العناية بالفتاة التى تبنتها والتى أطلقت عليها اسم “عطية الله”، كما أشار عليها الشيخ محمد متولي الشعراوي.