تحقيق – مريم ناصر
بدأت الكنيسة الأرثوذكسية أقدس أسبوع في أسابيع السنة القبطية رحلة روحية عميقة فريدة من نوعها، تبدأ بمراحل الألم والدموع، ثم تنفجر في فجر القيامة إلى الفرح والسرور، حيث يأتي النور من قلب الظلمة، وتمتد هذه الرحلة حتى يوم شم النسيم، وكأن الطبيعة بأكملها تحتفل بقيامة المسيح، وبهجة القيامة.
هذه المرحلة لا تعاش فقط في الكنيسة، بل تنعكس على حياة الأقباط، وذلك من خلال الصلوات المكثفة، التأمل في كلمات السيد المسيح على الصليب، ونتدرج في هذه الرحلة من بداية جمعة ختام الصوم، مرورًا بسبت لعازر وأحد الشعانين، حتى نصل إلى الجمعة العظيمة، وفجر القيامة وما يحمله من نور الخلاص العظيم، ونختتم بيوم شم النسيم، فمن المهم الوقوف أمام كل يوم لفهم معناه وأثره في حيات الأقباط.
أشخاص تروي مشاعرهم في هذه الرحلة العظيمة
تعبر “مريم سمير” في وصفها الجميل لأسبوع الٱلام قائلة: «أسبوع الٱلام بحس فيه بشبع روحي وبكون فرحانة جدًا، وبروح الكنيسة وأول ما بوصل لبوابة الكنيسة بحس بمصدر الراحة والسلام فالصلاة لما الشعب يردد بصوت واحد لحن “ثوك تى تي جوم” بصوت واحد وشماس بيقودنا بجد بحس بكمية راحة ولو نفسيتي تعبانة مجرد وأنا واقفة في الكنيسة وببص على صور ٱلام السيد المسيح، بقول لنفسي معقول أتصلب وأتهان بالشكل ده علشاننا، لكي يفتدينا من خطايانا التي لم يكن له ذنب فيها، يا لها من محبة مخلصة، هذا الأسبوع هو رحلة فريدة مليئة بالتأملات والمعاني العميقة».
وفي حديثها عن خميس العهد تضيف «أننا نعيش لحظات العشاء السري، لأننا نتذكر كيف قسم يسوع المسيح الخبز وسقى تلاميذه من دمه، نشعر بالشبع الجسدي والروحي أيضًا وكأننا نجلس إلى المائدة ذات نفسها، ويأتي يوم الجمعة العظيمة اليوم الذي تخصص للصوم والصلاة والتأمل، نبدأ هذا اليوم في السابعة صباحًا نسبح ونرنم ونعيش أجواء الحزن المقدس، ويمر الكاهن بيننا وهو يحمل البخور، فتمتلئ الكنيسة الأرثوذكسية بالرائحة الطيبة التي تلامس الروح قبل الأنف».
وتختتم “مريم” في وصفها أن هذا اليوم لا يوصف، وكأننا نقترب خطوة من السماء في وسط الصيام والصلاة والألحان الحزين، وأن أسبوع الٱلام ليس مجرد طقس كنسي، بل هو قصة حب حقيقية مليئة بالتضحية والإخلاص من فادينا، يا سعادة من يعيش هذا الأسبوع بقلب صادق، ويا ضياع نفس من يفوتو فرصة جميلة مثل هذا الأسبوع للعودة إلى الله والإمتلاء بنعمته.
تعيش “مايڤل ماركون” بروح يغلب عليها مزيج من الحزن والتأمل، بس كمان مليان رجاء كأن الأيام دي بتفتح باب للإنسان لكي يعيش الأحداث مش بس يعرفها، كل يوم في الأسبوع ليه نكهته وروحه، من جمعة ختام الصوم وأيضا أحد الشعانين بفرحته لغاية الجمعة العظيمة بثقلها وسكونها، تختلي مايفل ماركون بنفسها في محاولة للابتعاد عن صخب الحياة، لتوسع المجال للصلاة والتأمل، ولقراءة الإنجيل كأنها تعيش الأحداث لحظة بلحظة، تواظب على حضور صلوات البصخة.
حيث يغمرها عمق الكلمات وروحانية الألحان القبطية، فتشعر وكأنها جزء حي من قصة الخلاص، لا مجرد متفرجة، تتبدل حالتها سريعًا، وتجد في هذه الأيام من الأسبوع المقدس جمالًا لا ترغب أن ينتهي، وفي يوم الجمعة العظيمة، حين تكتسي الكنيسة بالسواد وتردد الألحان الحزين، يتجلى أمامها عِظم الفداء، وعُمق المحبة غير المشروطة، ثم يأتي سبت النور، حاملاً في سكونه وعدًا بالرجاء، ونورًا عظيمًا من قلب الظلمة.
ويصف “مينا عيسى” شعوره قائلًا: يأخذنا أسبوع الآلام دايمًا بيدخلنا في حالة مختلفة، مش بس عن باقي أيام الصيام، لكن عن أي وقت تاني في السنة، هو أسبوع مميز بدفئه، بمشاعره، بالبصخات، وبالألحان اللي كلها حزن وخشوع، وكأن الكنيسة بتاخدنا في حضنها وبتقولنا اركنوا كل حاجة وعيشوا اللحظات دي مع المسيح، وسط الهدوء ده، الإنسان بيبدأ يفكر يا ترى أنا كإنسان خاطئ، أستاهل كل الفداء ده، هل أنا بحبه حب حقيقي يليق بالفداء اللي اتقدم علشاني، ولا أنا بقول إني بحبه، لكن مفيش فعل يثبت هذا.
ويأتي أسبوع الآلام كأنه تذكار حيّ لخلاص المسيح، وكأن ربنا بيقولنا أنا عملت كده علشانك، علشان تحيا، مش علشان تتعب في الصيام، وبالذات في الصيام الانقطاعي، بنحس إن الروح بتتهدى، النفس بتتطهر، والدنيا حواليك تسكت علشان تقدر تسمع صوت ربنا جوه قلبك، أجمل حاجة بتميز الأسبوع ده، إنه بيبدأ بحزن وألم، لكن بينتهي بقيامة وفرح، وكأن كل الدموع اللي نزلت، ربنا بيحولها لفرح عظيم، ودي أعظم قصة حب عرفها الإنسان، حب اتكتب بالدم، وتوّج بالنور، نور القيامة.
تقول “مريم هاني” أسبوع الآلام من أهم الأسابيع في السنة الروحية، وبنستعد له بقلبنا وعقلنا، لأنه مش مجرد طقس أو عادة، ده أسبوع الخلاص الحقيقي، في الأيام دي بنتأمل في محبة المسيح اللي ملهاش حدود، اللي اتصلب وتألم علشاننا، علشان يفدينا من خطايانا.
وتستكمل تحمل المسيح الطعنات والمسامير في إيده ورجله بمحبة وصبر، وهو عارف إنه بيعمل كده علشان كل واحد فينا، وبعد الألم والموت، قام منتصر، وقيامته هي سر فرحنا الحقيقي، علشان كده عيد القيامة مش بس احتفال، ده إعلان عن رجاء جديد وحياة جديدة لينا كلنا.
وتصف “مونيكا سامح” في البداية بنفضل نقول الحمد لله أن الخلاص طبعا حصل ولولاه مكنش هيبقي لينا حياة أبدية لكن في الاسبوع ده بنحس بكمية حب غير مشروط، فداك، وضحي علشانك، وخصوصًا لما أتأمل في ٱلامه وفي رحلته، والوقعات اللي وقعها لدرجة وشه كان مشوه، ولما وصل غرس المسامير في أيديه، ورجله ولما رفعوا الصليب كان صعب حتي يتنفس مش يتكلم السبع كلمات، وأن كل ما حدث عمره ما كان ضعف منه، بل كانت قوة عظيمة فأشعر أن ده كله علشاني أنا علشان أبقى معاه ف قد ايه حبه العظيم ده، وأول ما بيجي يوم الأحد بفتكر بس إني خلاص خلصت وهو السبب في هذا الخلاص.
تسلسل زمني في درب الآلام وبهجة القيامة
يفتتح القمص “إندراوس” حديثه بالحديث عن دلالات من جمعة ختام الصوم ولعازر إلى النور، أن جمعة ختام الصوم تُعد من أهم المحطات الروحية في الصوم الكبير لدى المسيحيين، خصوصًا في الكنائس الشرقية مثل القبطية، والسريانية، والكلدانية، تأتي هذه الجمعة في نهاية الأربعين يومًا الأولى من الصوم، وتسبق أحد الشعانين الذي يبدأ به أسبوع الآلام، تعتبر الكنيسة هذا اليوم فرصة لمراجعة النفس، والتأمل في علاقتهم مع الله، استعدادًا للدخول في ذكرى آلام المسيح وقيامته المجيدة.
تشمل طقوس هذا اليوم قراءات مركزة على التوبة والسهر الروحي، ومنها قول السيد المسيح “اسهروا لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة”، كما يُقام فيه قداس إلهي يحرص فيه الشعب على التناول والاستعداد الروحي، تُرتل فيه ألحان حزينة نوعًا ما مثل “يا ملك السلام”، لتهيئة النفس للدخول في الأجواء المقدسة لأسبوع الآلام، وتُعد هذه الألحان بمثابة انتقال تدريجي من الفرح إلى خشوع الألم، وهو ما تعبر عنه الكنيسة في صلواتها.
وعلى المستوى الشعبي، يُعرف هذا اليوم أيضًا باسم جمعة ختام الصوم، حيث يحرص كثيرون على الإعتراف والتناول، وتُقام فيه خلوات وصلوات طويلة في بعض القرى والمدن، وقد وصفه القديس يوحنا الذهبي الفم بأنه اللحظة الفاصلة بين الصوم والتوبة الحقيقية، قائلًا “الذي يصوم ولا يتوب هو كمن يزرع في البحر”، ويؤكد الآباء أن جمعة ختام الصوم هي نقطة عبور روحية من زمن التهيئة والتوبة إلى زمن الشِركة في آلام المسيح، استعدادًا لفرح القيامة المجيد.
يُعتبر سبت لعازر أحد الأيام المسيحية الهامة التي تسبق أسبوع الآلام، ويُحتفل به في السبت الذي يسبق أحد الشعانين، يحمل هذا اليوم دلالات روحية عميقة، إذ يُذكر بقيامة لعازر من الموت على يد السيد المسيح، في معجزة عظيمة وردت في إنجيل “يوحنا إصحاح 11” تُبرز هذه المناسبة سلطان المسيح على الموت، وتُعد تمهيدًا مباشرًا لدخوله الانتصاري إلى أورشليم ولأحداث أسبوع الآلام التي تليها.
قصة لعازر تُظهر عمق المحبة الإلهية، حيث أقامه يسوع من الموت بعد أربعة أيام على وفاته، ما أثار إعجاب الجموع وأدى إلى إيمان كثيرين، بينما أثارت في الوقت نفسه غضب رؤساء اليهود، تُعد هذه المعجزة دليلًا على لاهوت المسيح، إذ قال “أنا هو القيامة والحياة”، وقد شكّلت هذه اللحظة نقطة تحول كبرى في مسيرة يسوع نحو الصليب، وفي هذا اليوم الكنيسة القبطية تُقرأ النصوص الإنجيليّة المرتبطة بالحدث، وفي الطقس الأرثوذكسي.
سبت لعازر وأحد الشعانين من الأيام المفرحة وسط زمن الصوم، تُجسّد رمزية سبت لعازر أبعادًا إيمانية وإنسانية عميقة، فهو تذكير بأن الموت ليس النهاية، بل بوابة إلى حياة جديدة بالإيمان، كما يُظهر مشاعر المسيح الإنسانية، إذ بكى عند قبر لعازر، ما يعكس قربه من آلام البشر، ومن هنا، استلهمت الثقافة المسيحية العديد من التراتيل والنصوص الروحية والمسرحيات التي تعبّر عن هذا الحدث.
ويذكر أحد الشعانين من أبرز الأعياد المسيحية، إذ يسبق عيد القيامة المجيد ويمثل إفتتاح أسبوع الآلام، في هذا اليوم، يحيي المسيحيون ذكرى دخول السيد المسيح إلى أورشليم استقبالًا ملوكيًا، حيث استقبلته الجموع بسعف النخيل وأغصان الزيتون، هاتفين “أوصنا لابن داود”، هذا الحدث ورد في الأناجيل الأربعة “متى، مرقس، لوقا، يوحنا”.
ويُظهر تحقيق النبوات عن المسيح الملك المتواضع، الذي دخل المدينة راكبًا جحشًا، لا فارسًا، وتحمل هذه المناسبة رموزًا روحية، أبرزها أن الملكوت الذي جاء به يسوع روحيًا، وأن الخلاص لا يتحقق بالقوة بل بالمحبة والتضحية، في تحقيق النبوة “ابتهجي جِدًّا يا ابنة صهيون، اهتفي يَا بنت أُورشليم، هوذَا ملكا يَأْتي إِليكِ، هوَ عادِل ومنْصور ودِيع، وراكبٌ على حمار وعلى جحش ابنِ أَتانٍ” زكريا “9 : 9”.
تُقام في الكنائس بهذه المناسبة طقوس مفرحة تتضمن طوافًا بالسعف وتوزيعه على المؤمنين، ويتردد خلالها لحن “أوصنا في الأعالي” بمعنى خلصنا يا ابن داؤود، ورغم فرحة اليوم، فإنه يحمل في طيّاته بداية طريق الآلام، حيث تكشف الأحداث التالية تقلّب قلوب البشر الذين هتفوا له ثم طالبوا بصلبه، ولأحد الشعانين تأثير كبير في الثقافة المسيحية، ويجسّد دعوة روحية لفتح القلب للمسيح، واستقباله بصدق وثبات على درب الفداء والقيامة.
تحتفل الكنيسة بإثنين وثلاثاء البصخة، وهما يومان يحملان معانٍ روحية عميقة يوم الإثنين يركّز على بداية المواجهة بين المسيح والقيادات الدينية في أورشليم، حيث دخل الهيكل وطهّره من الباعة والصيارفة، مؤكدًا أن بيت الله هو للصلاة لا للتجارة، كما لعن التينة التي لم يجد فيها ثمرًا، رمزًا للنفس التي تظهر التقوى دون أعمال صالحة، يوم الثلاثاء، فيُعرف باسم “تلات التينة” بسبب المعجزة الرمزية التي حدثت، حيث جفّت التينة بعد أن لعنها المسيح.
وتشرح الكنيسة أن هذا الحدث يُظهر رفض الله للرياء، ويدعو كل مؤمن أن يُثمر بالإيمان والعمل، كما يتضمّن هذا اليوم أمثالًا وتعاليم عن الدينونة والاستعداد، مثل “مثل العذارى الحكيمات والوزنات”، وتحذيرات من قساوة القلب والنفاق، تعلّمنا الكنيسة أهمية التوبة الحقيقية، ورفض المظاهر الخادعة، وتدعونا لليقظة الروحية، فإثنين وثلاثاء البصخة ليسا مجرد ذكريات تاريخية، بل فرصة للتجديد الداخلي والسير مع المسيح نحو الصليب برجاء القيامة.
يوم أربعاء الفصح، المعروف أيضًا باسم “أربعاء البصخة” أو “أربعاء الخيانة”، يحمل ذكرى أليمة في أسبوع الآلام، حيث بدأ تنفيذ خطة تسليم السيد المسيح، في هذا اليوم، قام يهوذا الإسخريوطي، أحد تلاميذ المسيح الاثني عشر، بالتفاوض مع رؤساء الكهنة ليسلمه مقابل ثلاثين من الفضة، وهي الحادثة التي وردت في الأناجيل الأربعة، وتشكل بداية الطريق إلى الصليب.

رحلة السيد المسيح
تمثّل خيانة يهوذا درسًا روحيًا عميقًا، فالرجل الذي رافق يسوع وشهد معجزاته، اختار أن يسلمه عن قصد وطمع، ما يُظهر أن الخطر لا يأتي دائمًا من الخارج، بل قد ينبع من القرب الظاهري الخالي من الإيمان الحقيقي، في المقابل، أظهر المسيح محبته حتى للخائن، فلم يُقصِ يهوذا بل شاركه العشاء الأخير، مما يكشف عن عمق الغفران الإلهي.
تعيش الكنيسة هذا اليوم بروح حزينة، وتُقيم صلوات البصخة التي تتضمن قراءات من الكتاب المقدس تُركّز على أحداث الخيانة والدعوة للتوبة، كما تتزين الكنائس بالألوان القاتمة مثل الأسود، وتُطفأ الزينة، تعبيرًا عن الدخول في جو الآلام، ولا يُقام قداس في هذا اليوم، بل تُخصَّص كل الطقوس للتأمل في ما يحدث.
يحمل يوم أربعاء الفصح نداءً لكل الشعب ليُراجع نفسه ويُطهر قلبه من كل خيانة داخلية، سواء كانت خطيئة خفية أو تهاونًا في الإيمان، إنه تذكير بأن المسيح ما زال يقبل التائبين، ويمنحهم فرصة للعودة، بشرط أن يكون الرجوع صادقًا، قبل أن يحين وقت الدينونة.
يُعد خميس العهد من الأيام المقدسة التي تحتل مكانة خاصة في أسبوع الآلام، فهو اليوم الذي اجتمع فيه السيد المسيح مع تلاميذه ليقيم العشاء الأخير، وخلال هذا اللقاء، قام بتأسيس سرّ التناول، حيث كسر الخبز وناولهم إياه على أنه جسده، وأعطاهم الكأس قائلاً إنه دمه، مؤكدًا بذلك بداية عهد جديد بينه وبين البشرية، عهد مبني على المحبة والفداء.
في هذا اليوم أيضًا، قدّم المسيح درسًا عمليًا في التواضع والخدمة، عندما قام بغسل أرجل تلاميذه، كان هذا الفعل رمزًا كبيرًا لمحبة المسيح التي لا تميز، وتعلي من قيمة الخدمة كطريق للقيادة، هذا المشهد ترك أثرًا روحيًا عميقًا، وأكد أن من يريد أن يكون أولًا، عليه أن يكون خادمًا للكل.
كما شهد خميس العهد لحظات مؤلمة، حيث أعلن المسيح لتلاميذه أن أحدهم سيسلمه، في إشارة واضحة إلى يهوذا الذي خان معلمه مقابل ثلاثين من الفضة، ومع ذلك، لم يُقصِه يسوع، بل عامله بمحبة حتى النهاية، مما يعكس رحمة المسيح التي لا حدود لها، تحيي الكنائس هذا اليوم بصلوات مميزة، وغسل الأرجل، وخيانة يهوذا، حيث لا يُقام قداس يوم الجمعة، خميس العهد هو دعوة للشعب ليجددوا عهدهم مع الله، ويعيشوا المحبة الحقيقية من خلال التواضع والعطاء.
الجمعة العظيمة تعد أحد أكثر الأيام أهمية في الطقوس المسيحية، حيث تحتفل الكنيسة بذكرى موت السيد المسيح على الصليب، الذي كان ذبيحة فداء لخلاص البشرية، هذا اليوم يحمل فيه معاني عميقة تتعلق بتضحية المسيح، التي تمثل نقطة تحول تاريخية في إتمام خطة الخلاص، وفي هذا اليوم، يتم تذكر آلام المسيح التي تحمل في سالته محبة وفداء لا مثيل لها.
بدأت أحداث الجمعة العظيمة منذ الصباح، عندما بدأت المحاكمة العلنية للمسيح أمام بيلاطس البنطي، حيث تعرض للسخرية والجلد، ووُضع على رأسه إكليل الشوك كإهانة له، رفض الشعب إطلاق سراحه، وفضلوا أن يُطلق سراح باراباس، بينما استمروا في الهتاف له بالمطالبة بصلبه، هذا الموقف يبرز التقلب البشري، حيث تحول المديح والهتاف “أوصنا” في أحد الشعانين إلى طلب الصلب.
عندما وصل المسيح إلى الجلجثة، تم صلبه بعد أن عانى من تعذيب شديد، على الصليب، كانت آلامه الجسدية والنفسية، وكان لسانه يصرخ قائلًا “إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟”، مما يظهر عمق الوحدة الروحية التي شعر بها في تلك اللحظات، ثم أسلم الروح قائلاً “قد أكمل”، مما يعني أن رسالته قد تمت، وأن الفداء قد تحقق، ظواهر طبيعية مثل الظلام الذي غطى الأرض والزلزال الذي حدث، كانت تُعبّر عن عظمة الحدث الذي وقع في تلك اللحظة.
تمثل الجمعة العظيمة الذبيحة الفدائية التي قدّمها المسيح من أجل البشرية، حيث تجسد المسيح بالكامل في تحمل الألم ليس فقط الجسدي، بل الروحي أيضًا، فهو من خلال موته على الصليب، دفع ثمن خطايا البشر وفتح الطريق لهم للخلاص، ورغم الحزن الكبير الذي يخيّم على هذا اليوم، إلا أن الكنيسة تُعلّق عليه أمل القيامة، كونه جزءًا من خطة الخلاص الكبرى التي تكتمل مع القيامة في الأحد التالي.
في الطقوس المسيحية لهذا اليوم، تقام صلوات خاصة تُركّز على تلاوة الأناجيل الأربعة التي تروي قصة آلام المسيح، محاكمته وصلبه، يتم رفع الصليب في الكنيسة ليحظى بتكريم خاص، وتُختتم الاحتفالات بمراسم تُشبه دفن المسيح، حيث يوضع الجسد في القبر، هذه الطقوس تعكس الحزن العميق لكنها تشير أيضًا إلى الرجاء في القيامة.
يُعد سبت النور أحد أهم الأيام في الطقوس المسيحية الأرثوذكسية، ويُحتفل به في اليوم الذي يسبق عيد الفصح، يمثل هذا اليوم ذكرى قيامة السيد المسيح من بين الأموات، وهو يوم مليء بالفرح الروحي والانتصار على الموت، أما ليلة سبت النور، فهي ليلة مميزة يتم فيها إضاءة النور المقدس، الذي يعد رمزًا للقيامة، سبت النور يبدأ بالاحتفالات التي تبدأ في مساء يوم الجمعة العظيمة وتستمر طوال الليل إلى صباح السبت.
في الكنائس الأرثوذكسية، يُنظم قداس سبت النور، حيث يُعلن القداس الكبير عن حدث القيامة المجيد، لكن الميزة الفريدة لهذا اليوم هي ليلة أبو غلامسيس، وهي حدث شعائري يتميز بإضاءة النور المقدس من قبر السيد المسيح في كنيسة القيامة في القدس، الأحداث تبدأ عندما يتم إغلاق القبر المقدس في الكنيسة.
ويُسمح للكهنة فقط بالدخول إلى القبر، ومن هنا يُقال إن النور المقدس يشرق بطريقة غير طبيعية، دون أي مصدر مادي للضوء، يُحمل هذا النور إلى الخارج ويُوزع على الشعب، الذين يرمزون بهذا النور إلى القيامة والانتصار على الموت، هذا الحدث يعتبر معجزة سنوية، وفيه يُشعل الشعب شمعاتهم من هذا النور، الذي يُشع على كل الكنائس الأرثوذكسية في أنحاء العالم.
يعتبر سبت النور علامة النصر في الإيمان المسيحي، حيث يعكس قوة القيامة التي بها تم الانتصار على الموت والشر، في هذا اليوم، يُحتفل بقيامة المسيح من بين الأموات، وهذا النور الذي يظهر يُعد رمزًا للحياة الجديدة التي منحها المسيح لكل البشرية.
كما يعبّر عن التحول الروحي للقبطين من الظلام إلى النور، من الخطيئة إلى الغفران، فكرة أن المسيح هو “النور الذي جاء إلى العالم” ليبدد ظلمة الخطية والموت، لذلك، يُعد النور المقدس بمثابة إعلان الرجاء، وبداية حياة جديدة لجميع الشعب الذين يؤمنون بموت وقيامة المسيح.
تُعد ليلة أبو غلامسيس من أبرز معالم الاحتفالات بسبت النور في الكنيسة الأرثوذكسية، هذا الاسم مشتق من التعبير الذي يُستخدم للإشارة إلى لحظة إضاءة النور المقدس، ليلة أبو غلامسيس هي ليلة مليئة بالفرح والتهليل، إذ يُعبر المؤمنون عن فرحهم بظهور النور بعد أسبوع طويل من الحزن في أيام الآلام.
الاحتفالات تبدأ في الكنيسة في منتصف الليل، وفيها يرتل الترانيم التي تعبر عن القيامة، ويحتفل الشعب بشعلة النور التي تُشعل في الكنيسة لتوزع على الجميع، والاحتفالات التي تعد مسارًا للانتقال من الحزن إلى الفرح الكبير الذي يأتي مع القيامة.
سبت النور ليس مجرد احتفال قيامة، بل هو رمز للرجاء والحياة الجديدة التي أتى بها المسيح، هو تذكير مستمر بأن نور المسيح هو الذي يبدد كل ظلام، وأن القيامة هي انتصار للحياة على الموت، وفي ليلة أبو غلامسيس، تنطلق الأضواء لتجسد هذا النصر العظيم وتُسهم في إحياء الإيمان وتوثيق ارتباط المؤمنين بالله من خلال الاحتفال بالنور المقدس.
يعد عيد القيامة المجيد “حد القيامة” من أقدس الأعياد في المسيحية، إذ يجسد فرحة الشعب بقيامة السيد المسيح من بين الأموات بعد آلام الصليب والدفن، تحيي الكنائس هذا الحدث العظيم بقداسات فجرية وأناشيد تعلن النصر على الموت، مثل “المسيح قام بالحقيقة قام”، هذا العيد لا يحمل فقط بعدًا دينيًا، بل يُعبّر أيضًا عن ولادة جديدة وبداية حياة مملوءة بالرجاء.
ولكن شم النسيم، فهو عيد شعبي ذو جذور فرعونية، يحتفل به المصريون مع بداية فصل الربيع، ويأتي دائمًا في اليوم التالي لعيد القيامة، يتميز بطقوس إجتماعية تقليدية مثل الخروج للمتنزهات وتناول الأطعمة الرمزية كالبيض الملون والفسيخ والبصل، والتي ترمز للتجدد والحياة، ورغم أنه ليس عيدًا دينيًا، إلا أنه يحمل طابعًا مميزًا من البهجة والاحتفال الجماعي.
الارتباط بين العيدين في التقويم المصري يعكس تلاحم الروحانيات مع الفرح الشعبي، حيث تأتي قيامة المسيح كبداية روحية للحياة الجديدة، ويكملها شم النسيم في صورة احتفال بالطبيعة والانطلاق، كلا اليومين يعبران عن الأمل، والتجدد، والفرح بالحياة، مما يجعلهما محطة انتظار وإحتفال واسع بين مختلف فئات الشعب.