تحقيق – إيمان أشرف
تُولد الطفلة في بعض البيوت كأنها «خطيئة»، حيث تتحول لحظة يُفترض أن تكون فرحة إلى نوبة غضب، وصمت طويل من أب يرفض تصديق أن المولودة أنثى، وبذلك تبدأ بعدها رحلة من العنف، اللوم، والصراخ، تتجرعها زوجة لا ذنب لها، سوى أنها أنجبت بنتًا، ويعيش الأطفال حياتهم لا يفهمون لماذا يُعاقبون على شيء لم يختاروه.
تتكرر المأساة في مجتمعات ترفع شعارات التقدم والمساواة، بينما لا تزال عقول كثيرة أسيرة لفكرة «الولد سند»، لتعيد إنتاج مشهد الجاهلية بأشكال جديدة؛ جاهلية لا تدفن البنات في التراب، لكنها تقتل فيهن الفرح بالاحتقار، الإهانة، والعنف.
يسلط موقع «الأنباء المصرية» الضوء على مشكلة رفض إنجاب البنات، ويعرض الواقع الذي تعيشه الأسر المتضررة، موضحًا آثار هذا الفكر على الزوجة والأطفال، ويسعى لتوعية المجتمع، وحثه على تبني قيم المساواة، العدل، وإعادة الاعتبار للبنت في الأسرة، والمجتمع.
عنف صامت خلف الأبواب المغلقة: عندما يصبح إنجاب البنات سببًا للأذى
تتجلى مظاهر العنف داخل الأسرة، بسبب رفض إنجاب البنات في أشكال متعددة، حيث يشمل العنف النفسي، مثل لوم الزوجة المستمر، وإهانتها على كل تصرف، وتهديدها أو تهديد الأطفال، بالإضافة إلى التجاهل، والإقصاء عن اتخاذ القرارات، وبث الخوف والقلق بشكل دائم.
كما يظهر العنف الجسدي في ضرب الزوجة، أو تعنيف البنات والأطفال جسديًا، واستخدام القوة للسيطرة على أفراد الأسرة، ويتخذ العنف أيضًا أبعادًا اجتماعية، مثل منع الزوجة من التواصل مع الأهل، أو الأصدقاء، وحرمان الأطفال من المشاركة في المناسبات الاجتماعية، وخلق بيئة منزلية مشحونة بالخوف، والتمييز أمام الآخرين.
يبرز العنف الرمزي والتمييزي في تفضيل الأبناء الذكور على البنات في الحقوق، والامتيازات، وتحميل البنات مسؤوليات أكبر داخل البيت، وحرمانهن من التعليم، أو الأنشطة الترفيهية، ولا يقتصر العنف على ذلك، بل يشمل العنف الاقتصادي، من خلال منع الزوجة من الوصول إلى مصروفها الشخصي، أو التحكم فيه، وحرمان البنات من فرص التعليم، أو التطوير المهني بحجة أنهن عبء مالي.
شهادات تكشف قسوة الواقع: فتيات يواجهن التمييز والعنف بسبب كونهن إناثًا
كشفت “آلاء محمد” عن التمييز بين الولد والبنت داخل أسرتها، قائلة: «يوجد تميز واضح بين الذكر والأنثى في شتى المواضيع في منزلنا، وحين الحديث مع الأب عن تطبيق العدل بين الأبناء، يقول إن الولد من حقه أي شيء دونًا عن البنات، موضحًا أن الولد هو من يحمل اسم ولقب العائلة وهو السند».
تقول “أميرة عبده”: «كان لدي صديقة عائلتها كانت ترفض فكرة إنجاب الإناث، وعندما رُزقت العائلة بالإناث فقط رفض الأب وجودهن، وقرر الإنفصال عن الأم، وذهب يبحث عن زوجة أخرى تنجب له الولد الذي كان يحلم به، وأهمل بناته من الزوجة الأولى، ولم يعترف بهم، موضحًا أنه لم ينجب سوى طفله من الزوجة الثانية فقط».
أوضحت “سيدة سالم”: «نسمع صرخات الجيران يوميًا، حيث يعنف الأب بناته وزوجته كل يوم، وحينما يتدخل أحد الأشخاص لفض الخلافات، يقول الأب أنهن يستحقن ذلك، حيث كان يرغب في إنجاب الذكور بينما رزق بثلاث فتيات».
تشير “مروة محمد”: «في أحد الأيام سمعت عن أب أنهى حياة ابنته الرضيعة بأبشع الطرق، حيث ظل يركل عظام دماغها، ما أدى إلى وفاتها في الحال، وبالتحقيقات كشف الأب عن نفوره من إنجاب الإناث وقرر التخلص من رضيعته».
أخصائي طب نفسي يكشف آثار رفض إنجاب البنات على الأسرة والأبناء
أوضحت الدكتورة “هاجر عون” أخصائية الطب النفسي والإدمان بمستشفى العباسية، أن يوجد تباين مواقف الآباء تجاه إنجاب البنات، فهناك جانب من الآباء يتمنى إنجاب الذكور فقط، وحين لا يرزقه الله بذلك، يواصل الإنجاب أملًا في الحصول على الولد، دون أن يُسيء معاملة بناته، لكنه يضغط على الزوجة للاستمرار في الحمل المتكرر.

الدكتورة “هاجر عون” أخصائي الطب النفسي بمستشفى العباسية
كشفت الدكتورة “هاجر عون” عن وجود نوع آخر من الآباء يرفض وجود الفتيات من الأساس، ويبدأ في ممارسة أشكال متعددة من العنف ضد الزوجة أو البنات، سواء نفسيًا أو جسديًا، مما يخلق بيئة أسرية مضطربة ومليئة بالخوف والتمييز.
أشارت “هاجر عون” إلى أن رفض الآباء للإناث، يخلق مشكلات نفسية عميقة تمتد إلى الأبناء، موضحة أن أول تصور عن العلاقات يتكوّن داخل المنزل، من خلال علاقة الأب والأم.
تابعت: «رغم أن تأثير الأب قوي، فإنه ليس العامل الوحيد في بناء الثقة، فالأمر يعتمد على شخصية الطفل، وتجارب حياته، ومدى وجود أشخاص داعمين حوله، إلى جانب التعليم الجيد، والانخراط في أنشطة متنوعة، تساعده على بناء ذاته واستعادة ثقته بنفسه».
نوهت “هاجر” عن أن الأم لا تملك السيطرة الكاملة داخل المنزل، لكنها تستطيع حماية أطفالها قدر الإمكان من الأذى النفسي الناتج عن معاملة الأب، قائلة: «على الأم أن تهتم بنفسها أولًا؛ لتتمكن من تقديم الرعاية الجيدة لأطفالها، وأن تحرص على عدم نقل ضغوطها إليهم، كما يجب أن تعلّم أبناءها منذ الصغر أن الآراء لا تعبّر بالضرورة عن حقيقتهم، وأن الناس تختلف في أفكارها، والثقة تُبنى من خلال التعليم، والعلاقات الداعمة التي تعوّض النقص العاطفي داخل الأسرة».
أكدت أخصائية الطب النفسي على ضرورة وجود ردع حقيقي لأي شكل من أشكال العنف داخل الأسرة، مشيرة إلى أهمية الوعي القانوني لدى الزوجة والأبناء، حتى يتمكنوا من الحصول على حقوقهم.
اختتمت “هاجر” حديثها، قائلة: «العلاج النفسي جزء أساسي من العلاج الأسري، ولا يمكن الوصول إلى نتائج حقيقية دون معالجة الأسباب، فالعنف ليس حبًا بل أذى يخلّف آثارًا نفسية واجتماعية خطيرة، والوقاية تبدأ من تحقيق الاستقلال الذاتي، والابتعاد عن مصدر الأذى، حتى وإن كان داخل نفس المنزل».
الدكتور أسامة قابيل: من يرفض إنجاب الإناث يُعاند إرادة الله ويقع في كبيرة من الكبائر
حذّر الدكتور “أسامة قابيل” من علماء الأزهر الشريف، من رفض بعض الآباء لإنجاب الإناث، مؤكدًا أن هذا السلوك يُعدّ اعتراضًا على قضاء الله وقدره، ومظهرًا من مظاهر الجهل، والتخلّف الديني، والاجتماعي.

الدكتور “أسامة قابيل” من علماء الأزهر الشريف
قال الدكتور “أسامة قابيل” إن من يُسيء معاملة زوجته أو يضرب أبناءه بسبب إنجاب الإناث، يُعاند إرادة الله، الذي قال في كتابه الكريم: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49]، مشددًا على أن اختيار نوع الجنين ليس بيد الإنسان بل بيد الله وحده.
أضاف أن الإسلام رفع مكانة الأنثى منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، وجعل تربية البنات بابًا من أبواب الجنة، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ: “من ابتُلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كُنّ له سِترًا من النار”.
أوضح أن من يرفض الإناث، أو يُهين زوجته بسبب ذلك وقع في ذنبٍ عظيم، لأن الله تعالى لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون، داعيًا الأزواج إلى شكر الله على نعمة الذرية، ذكورًا كانوا أو إناثًا، فكل مولودٍ رزقٌ ورحمةٌ من الله.
أكد أن الإيمان الحقيقي يظهر في الرضا بقضاء الله، والفرح بعطائه، مشيرًا إلى أن المجتمعات التي تُنصف الإناث، وتكرم الأمهات والبنات هي المجتمعات التي تُباركها السماء، وتزدهر فيها القيم الإنسانية، والدينية.
في النهاية، إن رفض إنجاب الإناث قضية تتجاوز حدود الأسرة، وتمس جوهر الوعي المجتمعي، فالبنت ليست عبئًا، بل ركيزة أساسية في بناء الأجيال، وأن مواجهة هذا الفكر لا تكون بالشعارات، بل بنشر الوعي، والتربية السليمة، التي تزرع في الأطفال قيم المساواة، والرحمة، فحين يدرك كل أب وأم أن الإناث، والذكور شركاء في بناء الوطن، نكون قد خطونا خطوة حقيقية نحو مجتمع أكثر عدلًا وإنسانية.






