تقرير: سماح محمد سليم
يفوح عبق الياسمين من زهرة ناصعة البياض خجولة ذات السحر الأخاذ ورائحة أنثوية كلاسيكية وهى حجر أساس في صناعة العديد من العطور الفرنسية التي لا يعرف الكثيرون أن أحد المكونات الأساسية في العديد من العلامات التجارية الشهيرة يأتي على الأرجح من قرية صغيرة في مصر وتقع على بعد أكثر من 90 كيلومترا شمال القاهرة قرية “شبرا بلولة” التابعة لمركز قطور محافظة الغربية، والمعروفة بقرية الياسمين حيث تنتج 50% من عجينة الياسمين التي تستخدم في تصنيع أرقى العطور، يسكن القرية نحو 50 ألف نسمة، يعمل أغلبهم بزراعة الياسمين وجمعه واستخلاص الزيت منه، وتقوم شركات متخصصة بتصديره إلى فرنسا ودول أوروبا لاستخدامه في تصنيع العطور، حيث يتم إنتاج أكثر من نصف العجينة الخاصة باستخراج عطر الياسمين في العالم.
تصد موقع وجريدة الأنباء المصرية الجديدة في تقرير حول قرية مصرية تستحوذ على نصيب الأسد في إنتاج الياسمين حول العالم.
بداية زرعة الياسمين في مصر
بدأت منذ ستينيات القرن الماضي على يد شخص يدعى أحمد فخري، وكان يدرس في فرنسا، وجلب معه زهور الياسمين وزرعها في قطعة أرض كان يملكها ومساحتها 100 فدان، وفضل قرية شبرا بلولة بسبب نوعية التربة الطينية المناسبة لزراعة الياسمين وتوافر المياه والمناخ المناسب، ثم قام بإنشاء مصنع مع شريكة فرنسية تدعى “سيسيل يوسف” ليتولى المصنع استخلاص عجينة الياسمين وتصديرها لفرنسا تحديدا، ومع مرور الوقت انتشرت زراعة الياسمين في القرية وزاد المحصول بوفرة كبيرة، واحتاج الأمر لمصنع جديد يستوعب المحصول الإضافي والزائد، انفصلت الشريكة الفرنسية وشيدت مصنعا جديدا حمل اسمها ومازال المصنعان يعملان حتى الآن في القرية حتى بعد انتقلت ملكية أحدهما إلى عدد متتابع من رجال الأعمال.
ويقول المهندس محمد حسين الكرابيجي، الذي يمتلك أرضا لزراعة الياسمين في قرية شبرا بلولة ويعمل كمدير للتصدير في شركة الغربية ألوماتيك لإنتاج الزيوت العطرية، إن القرية تنتج أكثر من نصف الإنتاج العالمي من عجينة الياسمين.
ويضيف أنه يعمل في القرية وما جاورها قرابة 60 ألف شخص في هذه العملية.
استخدامات الياسمين المتنوعة
أوضح “الكرابيجي” أن الياسمين المصري يتميز بجودته العالية ويعتبر الأجود عالميا، وذلك رغم منافسة الهند، ويستخدم الياسمين في العديد من الصناعات مثل صناعة العطور، ومواد التجميل، والصناعات الطبية مثل زيوت التخدير، فالياسمين منتج خام يتحكم في الكثير من المنتجات“.
وأضاف مدير للتصدير في شركة الغربية ألوماتيك لإنتاج الزيوت العطرية “عملية إنتاج عجينة الياسمين، تحتاج لأجهزة حديثة وجهود لتحويل المادة الخام للياسمين إلى منتجات نهائية تنافس في السوق العالمي، لكن يصعب منافسة بعض الدول في منتجاتها مثل فرنسا في إنتاج العطور، لكن يمكن الاتفاق مع الشركات التي تستورد من مصر الزيوت العطرية على فتح أفرع لها في مصر، ليصبح الإنتاج يحمل العلامة التجارية ذات الجودة العالمية ولكن بأيد مصرية“.
كيفية زراعة الياسمين
يقوم الفلاحون بزراعة معظم أراضي قرية شبرا بلولة بالياسمين، ويشكل مصدر رزقهم الرئيسي، ويبلغ ارتفاعه متر عن سطح الأرض، ويستهلك الفدان بين 450 و500 متر مكعب من المياه في المرة الواحدة، ولا يُجمع الياسمين سوى بالطريقة اليدوية، ما يتطلب مجهوداً كبيراً من العمالة التي تقوم بعملية القطف، وهى مرحلة تستمر لشهور طويلة في السنة، وكل شجرة تطرح زهرات الياسمين التي تجمع يوميا وخلال المساء فقط، لأن زهرة الياسمين شديدة الحساسية لضوء الشمس، فهي مغطاة بمادة شمعية تعزلها عن حرارة الشمس ومليئة بالزيوت الطيارة، ولو تم جمعها أثناء النهار وفي ضوء الشمس، فسيتعرض الشمع للإذابة، ومن ثم نفاذ الزيوت الطيارة وبالتالي تموت الزهرة ولا يستفاد منها.
مراحل تصنيع عجينة الياسمين التي يتم تصديرها بملايين الدولارات
عقب انتهاء مرحلة الحصاد يتم تجميع زهور الياسمين فيما يعرف بالمجمع، الذي يقوم بتجميع حصاد كل يوم، ثم يدفع به إلى المصنعين القائمين في القرية، وهناك يتم وضع الزهور بعد غسلها جيدا في حلة كبيرة يتم خلالها فصل الشمع عن الياسمين بواسطة البخار الناتج عن التعرض لغاز “الهيكسان” ، وتنقل الزهور بعد ذلك إلى ما يعرف بالقابلة لاستخلاص الزيت من الزهرة، ليدخل بعد ذلك إلى المعمل لإنتاج العجينة التي تصدر للخارج لاستخدامها في تصنيع العطور والأدوية الطبية.
إحصائية حول إنتاج القرية من الياسمين
تنتج القرية نحو 10 أطنان يوميا، ويعمل بهذه المهنة نحو 10 آلاف عامل ومزارع ، ووفق إحصائية رسمية وتوصيات مؤتمر عن زراعة الياسمين في أميركا صدرت مؤخرا فإن ما تنتجه القرية من الياسمين يصل إلى 50% من إنتاج العالم منه، كما أصبحت الأولى في العالم في زراعته، وإن القرية تميزت طوال قرن كامل بجودة إنتاجها من الياسمين، وأصبحت تحتل مكانة عالمية بارزة بسبب ذلك، وأن الياسمين لا يستخدم فقط في صناعة أفخم وأرقى العطور بل يستخدم كذلك في صناعة الأدوية.
كم عمر شجرة الياسمين
شجرة الياسمين معمرة تظل في الأرض طوال 30 عاما أو أكثر وتلقي بزهورها لمدة 8 شهور في العام، وتحتاج لرعاية خاصة طوال الفترة من شهر سبتمبر وحتى شهر مايو من العام الذي يليه.
مخاوف الزراعة
يوضح “الكرابيجي” في حديث له أبدى تخوفه من تراجع إنتاج مصر من الياسمين، عازيا ذلك لعدة أسباب أهمها احتكار المصانع.
وأضاف “هذا المجال يعمل فيه القطاع الخاص ولا تتدخل الحكومة فيه، حتى باتت الشركات القليلة القائمة على إنتاج الزيوت العطرية هي المتحكمة في الأمر، فمثلا شجرة الياسمين من الممكن أن تعطي إنتاجا لمدة 180 يوم بدءا من شهر يونيو حتى نهاية ديسمبر، لكن الشركات الخاصة هي من تحدد بداية ونهاية موسم زراعة الياسمين وفقا لمصالحها، وهي من تحدد الأسعار، ومواصفات الاستلام، وهي من تتحكم في كل شيء تقريبا“.
وتوجد ثلاثة مصانع فقط في مصر تتحكم في المجال بأكمله، وهو ما قلل من القدرة الإنتاجية، بسبب ضعف استفادة الفلاح المصري الذي يزرع الياسمين من العملية، فمثلا الزيوت العطرية تباع لدول الاتحاد الأوروبي وفرنسا تحديدا بما يزيد عن 4 أو 5 أضعاف تكلفة إنتاجها في مصر، لكن 90 في المئة من عوائد زراعة الياسمين يذهب لمصانع الزيوت العطرية، وبالتالي لا يشعر الفلاح بأنه يستفيد من الأمر وينصرف عن زراعته إلى محاصيل أخرى أكثر فائدة له“.
وأردف مدير للتصدير في شركة الغربية ألوماتيك لإنتاج الزيوت العطرية “المصانع استغلت حاجة السوق العالمي وقللت من جودة منتجاتها، وعندما ظهرت منافسة شديدة من الهند التي بدأت تزرع الياسمين، بدأت تتجه الأنظار إليها كبديل، خاصة مع وفرة العمالة لديها، وسعيها لحل بعض المشاكل التي تواجه زراعة الياسمين في مصر“.
ولحل هذه الأزمة دعا “الكرابيجي” الحكومة للإشراف على زراعة الياسمين في مصر وتنظيمها، وعدم تركها في يد أفراد قليلة تحتكر العملية، إضافة إلى تحسين أحوال الفلاح الذي يزرع الياسمين.
الياسمين وسيلة للجذب السياحي
ويقول “أحمد سعيد” احد سكان القرية أن قرية شبرا بلولة بدأت في الآونة الأخيرة الاستفادة من عملية زراعة الياسمين فيها من الناحية السياحية، حيث يتم فيها تنظيم رحلات لزيارة للقرية، ومشاهدة زراعة الياسمين فيها، والمساهمة في الحصاد لو أراد الزائرون.
إضافة إلى معايشة حياة المزارعين خلال الزيارة، وطبيعة الطعام في القرية، وبالفعل بدأ الأمر يصبح مصدرا للجذب السياحي، حيث يصل قرابة 300 فرد للسياحة أسبوعيا، وهو رقم جيد من حيث البداية ويمكن التوسع فيه بعد ذلك، لنقوم بعمل مهرجان للورد أو لزراعة الياسمين بعد ذلك.