تقرير – نورا عادل
تداول خلال الآونة الأخيرة ظاهرة خطيرة، في المناطق الشعبية والريفية وهي تجارة زيت الطعام المستعمل، حيث يتجول الباعة الجائلون في الشوارع ويحصلون على الزيوت من ربيات المنزل بتكلفة تبدأ من خمسة عشر جنيهًا إلى عشرون جنيها لكل كليو جرام، وهو يثير المخاوف بناحية هذه التجارة وخطورتها في ما يقال عن إعادة تدوير الزيوت، ثم تسويقها للمطاعم ينذر بخطر جسيم يهدد صحة المواطنين.
ويزيد من خطورة الإقبال على زيوت الطعام المستعملة بعد تدويرها الوضع الذي خلقته الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على حركة استيراد الزيوت وارتفاع التكاليف، في ظل وجود نقص في احتياجاتنا من الزيوت، وحيث يصل حجم استهلاك مصر من الزيت نحو 2.4 مليون طن سنويا، بمعدل 20 كيلوجراما للفرد، ويتم استيراد حوالي 67٪ من احتياجات البلاد للزيوت، وفق تصريحات رئيس شعبة الزيوت باتحاد الصناعات.
وكانت نقطة الانطلاق من محلات الفول والطعمية لأنهم من أكثر مستخدمي الزيوت بمحافظة الشرقية مركز منيا القمح، كانت الأواني المعدنية يكسوها صدأ أو مواد متراكمة عليها من الخارج داخلها زيت يظهر بالشكل الأسود القاتم ولا أحد يعرف إن كان هذا لون الزيت أم أن الإناء هو السبب في عدم ظهور لون الزيت.
ويقول إبراهيم صاحب المحل: ورثت المحل ده عن والدتي الله يرحمها فكانت هي من تدير المحل منذ أكثر من 20 سنة وكان محلا صغيرا وبعد تخرجي من الجامعة ساعدت والدتي في العمل وكان المحل ده أكل عيشي وبعد وفاة والدتي الله يرحمها كبرت المحل وأضفت أصنافا جديدة وشغلت تحت إيدي عمالة، وكانت هذه كلماته صاحب في محاولته لإظهار أنه متعلم تعليم عالي وفخور بأمه صاحبة هذا الإنجاز والمشروع، مشيرا الي أن الأواني كلها صدأ من بره بس ولكنها نظيفة وممتازة من الداخل والصدأ بسبب كثرة القلي ودرجات الحرارة العالية.
ويضيف إبراهيم أن الصنايعي لازم صاحب المطعم يتابعه كويس جدا لأن بعد ارتفاع سعر اللتر 40 جنيها أصبح تغيير الزيت الموجود في أواني الطهي خلال اليوم مستحيلة، ولكن في آخر النهار يتم تجميع الزيت وبيعه كل أسبوع لتجار الزيت المستعمل.
ويوضح صاحب المطعم أنه كل شوية واحد يجي يدخل المحل ويعرض عليا زيت مستعمل ولكن مجهول الهوية والتصنيع بسعر أرخص من المعتاد وأنا أرفض، ويقول “كان عندي صنايعي يبدأ فى تصفية الزيت المتبقى من أواني الطعمية والباذنجان مستخدمًا قطعة قماش قطنية ناصعة البياض، إذ أن لها قدرة على فصل الشوائب السوداء عن الزيت الأصفر، حيث يقوم بتعبئته فى زجاجة بلاستيكية كبيرة ليعيد استخدامه فى اليوم التالى وبعد أسبوع اكتشفت ذلك في الموعد الأسبوعي لبيع الزيت المتبقي وتم طرد الصنايعي وكان مبرره أنه يوفر لي المصاريف”.
ويقول محمد الكومي أحد جامعي الزيوت المستعملة التقيناه صدفة في منطقة حدائق المعادي أن معظم أصحاب المطاعم وصنايعية الفول والفلافل حريصين بشدة على لترات الزيت ولا يمكن التفريط فيها بسهولة، موضحا أن بعد ارتفاع أسعار الزيوت فإن فائض الزيت المستخدم يدخل مرة أخرى في المقلاة عند تنظيفه من الشوائب والروائح، ويستخدم في تحضير البذنجان والفلافل أما بالنسبة لرقائق البطاطس، فيجب طهيها في زيت نظيف لم يتم استخدامه من قبل علما أنه يقوم بغلي الباذنجان والفلفل الحار مع عدم تحضيرهما تجنبا لإهدار الزيت فأصبحت المطاعم لا تبيع بقايا الزيوت.
ويستكمل: “الآن لا أذهب إلي مطاعم الفول والطعمية كما كان معتادا، وانتظر من مطعم أو اثنين ما زال أصحابها لديهم ضمير كل أسبوع مكالمة لأشتري منهم بواقي الزيوت المستخدمة أما باقي المطاعم تقوم بتدوير الزيت من نفسها وكلهم بيعلموا بعض لتحقيق أرباح إضافية ويستنكر عدم وجود رقابة علي مطاعم الفول والفلافل من قبل مفتشي الصحة والجهات الرقابية بعكس محلات اللحوم والوجبات السريعة الذين يستمرون في بيع الزيوت المستعملة بشكل أسبوعي بسبب الرقابة علي تلك المحلات، أما هو فيؤكد أن ما يجمعه من زيوت يذهب لبيعها لتجار يستخدمونها في الصابون والمنظفات”.
ويطالب الكومي الجهات الرقابية بمراقبة مصانع بير السلم التي تنتشر في شقق دار السلام وحدائق المعادي والبساتين حرصا علي سلامة المصريين.
وتقول الدكتورة نادية حمدي أستاذ ورئيس قسم الكيمياء الحيوية بجامعة عين شمس، إن التعامل في تجارة الزيوت المستعملة مع عدم التأكد من مصدر الزيوت التي يتم جمعها سواء من المنازل أو المطاعم تصلح للاستخدام أم لا، حيث ظهرت ورش تقوم بتعبئة الزيوت بعد تدويرها داخل عبوات جديدة للمستهلك، مما له أثر ضار على الصحة خاصة على الكبد والكلى.
وأشارت نادية أن استخدام الزيوت المحترقة في صناعة المواد الصلبة والصابون يؤدي إلى الإصابة بالسرطان، ويجب أن يقتصر استخدامه على الوظائف الصناعية غير البشرية تحت إشراف وزارة البيئة وجهات البحث العلمي مطالبة الجهات الرقابية بوضع الضوابط اللازمة على تجميع الزيوت المستعملة حتى لا تتضرر البنية التحتية للدولة ويكلف ذلك ميزانية الدولة ملايين طائلة.
وتطالب بوجود بنية تحتية تشريعية واجتماعية تسمح باستثمار أكبر لثروة الزيت المستعمل المهدرة، وسط المزاحمة والمنافسة التي يشهدها هذا النشاط متوقعة حلولًا مؤسسية له بدلا من إلقائه في الصرف الصحي أو بيعه وإعادة تدويره.
ويؤكد الدكتور عمرو محمد الخبير القانوني، أن عقوبة غش الزيت المستعمل وفق القانون يُعاقب من يثبت غشه للسلع الغذائية بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنية أو ما يعادل قيمة السلعة موضوع الجريمة أيهما أكبر، أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويكفى لتحقيق الغش خلط الشيء أو إضافة مادة مغايرة لطبيعته أو من نفس طبيعته.
وأضاف الوكيل أنه لا يسمح بتداول الزيوت والترخيص باستخدامها في الغذاء إلا من خلال المعايير التي تحددها أحكام لجنة الكودكسب وهي لجنة الدستور الغذائي الدولية المكونة من لجنة منظمة الفاوب ومنظمة الصحة العالمية والدول المشتركة.
وأوضح أن هذه اللجنة هي التي تضع معايير الغذاء العالمية، وفي مصر لا يستثني منها سوي زيت لحم الخنزير أو دهنه، لأنه لا يتماشى مع تعاليم الشريعة، وأي خروج عن هذه المواصفات توقف تداول الزيوت من الأعمال، كما أن صاحب المصنع يقع تحت طائلة القانون.
ويشير الوكيل إلى أن قانون العقوبات تصدى لجريمة غش الأغذية، حيث نص قانون العقوبات على الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 5 سنوات، أو غرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد عن 30 ألف جنيه، لكل من غش أو شرع فى غش أغذية إنسان أو حيوان، أو كانت فاسدة وغير صالحة.
ويقول أحمد عوض مهندس بشركة كيماويات، إن الأزمة الحقيقية تكمن في وجود مواد قد تعيد لون الزيوت المستعملة إلى حالتها قبل استخدامها مرة أخرى، ويشار إليها بـ “تراب التبيض” أو بـ “سيليكات الأمونيوم” وتحمل اسم super one ثم تأتي مرحلة استخدام آلة التنقية “ماكينة التكرير” التي تعيد شكل الزيت مرة أخرى إلى اللون الذهبي وتعتبر هذه المرحلة الأكثر خطورة علي صحة الانسان.
وأوضح عوض أن الزيوت المقلية لمرة واحدة تمثل جملة من المشاكل التي تهدد صحة الإنسان فما بالك الزيوت المستعملة التي تدخل في جميع الأطعمة المنزلية التي يتم تجهيزها، أو التي تطهي خارج المنزل “الوجبات الجاهزة”، موضحا أن استهلاك الإنسان من المقليات يرتفع يوميا بسبب متطلبات الحياة والعمل خارج المنزل مما يمثل خطرًا على الكبد والجهاز الهضمى، إضافة إلى تخزين السموم فى أماكن تخزين الدهون.
وجدير بالذكر أن مصر تنتج نحو 3٪ من احتياجاتها من زيوت الطعام سنويًا، بينما تستورد الـ97٪ المتبقية، وسجل حجم استهلاك الزيوت في مصر، أن نسبة 26٪ من الاستهلاك هي المسلي النباتي الذي يعتمد في إنتاجه على “زيت النخيل” المستورد بالكامل بكمية 700 ألف طن سنويًا.
وتشكل زيوت الطعام نسبة 65٪ من الاستهلاك 73٪، منها زيت بذرة القطن وفول الصويا، و13٪ زيت الذرة، و14٪ زيت دوار الشمس، ويتبقى 7.7٪ من استهلاك مصر من الزيوت يذهب لصناعة الشوكولاتة والبسكويت.
ويقدر متوسط استهلاك الفرد في مصر من الزيوت ب 20 كيلوجراما في السنة، وهو ما يقل عن المتوسط العالمي البالغ 32 كيلوجرام، فيما ينتج العالم ما يتجاوز 18 مليون طن من زيت عباد الشمس، حيث معدل الاستهلاك السنوى من زيت الطعام يقرب من 2.4 مليون طن سنويا.
وتنتشر في شوارع المدن المصرية سيارات تحمل مكبرات صوت ويخرج منها نداء “نشتري زيت الطعام المستعمل الكيلو بعشرين جنيهاً”، ويخرج هذا الصوت اللافت من عربات “تروسيكل” يقودها شخص، وآخر يجلس في الخلف وبجواره براميل متسخة من خارجها بالزيوت، ليصبح لونها الأزرق مائلاً إلى السواد قليلاً، وأصبح هذا النداء معروفاً لدى المصريين، إلى درجة أنه بات مصدراً للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال منشورات ورسوم “كوميك”.
ولكن اللافت هو استمرار ارتفاع سعر شراء هذا الزيت المستعمل أسبوعاً بعد آخر، وبالتزامن مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية في أنحاء مصر، فبعد أن كان الكيلوجرام الواحد يباع بستة جنيهات وصل السعر الآن إلى 20 جنيهاً (قرابة 70 سنتاً)، ما يشكل إغراءً لكثيرين لبيع هذا الزيت بغض النظر عن مصيره وآلية إعادة استخدامه في ما بعد.