تقرير – وفاء العسكري
يمكن القول أنه لا يوجد شخص لم يحدث معه “الجاثوم”، ربما شعرت في أحد الأيام، وفي أثناء نومك، أنك مدرك لكل ما يحدث حولك وتشعر به، ولكنك غير قادر على التحرك، حتى أنك تسمع صوت من يتكلم حولك، ولكن صوتك غير مسموع.
وفي تلك الحالة عندما تستيقظ، تشعر وكأنك كنت بداخل حلم سئ “كابوس”، وضربات قلبك تدق بسرعة الحصان، وأنفاسك ترتفع وتنخفض بسرعة كبيرة، ولكن بعد العديد من الدقائق يستجيب عقلك للواقع، وتهدأ وكأن شئ لم يحدث.
وتسمى هذا الحالة “شلل النوم” أو ما يعرف باسم “الجاثوم”، ويصنف ضمن حالات اضطرابات النوم، والمعروفة علميًا بـ”باراسومنيا” أو “الخطل النومي”، وهو عبارة عن عدم قدرة الإنسان على ممارسة الحركة الطبيعية، مثل تحريك اليدين والقدمين.
ويشعر أنه في جسد ليس جسده، وتكون عضلات الجسد جميعها مشلولة، ماعدا عضلات التنفس وعضلات العين، ويحدث عندما يكون الإنسان “عالق”، بين الحد الفاصل بين النوم والاستيقاظ، ولكنها حالة غير ممتدة، فهى تستمر مابين الثواني والدقائق.
أوضحت الطبيبة هبه عصام أحد أطباء علم النفس، أن “الجاثوم” ليس مرض، ولكنه حالة أو مرحلة نحلم خلالها، ويكون نشاط العقل مكثفًا، ولكن الأتصال بين العقل والعضلات يكاد يكون منقطع، ويمكن القول أن هذا الانقطاع يحدث بسبب منع الحالم للاستجابة الجسدية أثناء الحلم.
وأضافت الطبيبة أن الحالم يقوم بفعل ذلك حتى يمنع إيذاء نفسه داخل الحلم، وعندما يستيقظ الشخص وفي مرحلة “حركة العين السريعة”، تظهر فترة قصيرة من نقص التوتر العضلي، وفي تلك الأثناء يكون العقل مستيقظًا تمامًا، فيعتقد الحالم أنه في حالة شلل.
وبالتأكيد “الجاثوم” لا يعتبر مرضًا، ولكن في حالة تكراره أكثر من مرة في فترات زمنية متقاربة، فهو قد يشير إلى مرض من أمراض اضطرابات النوم، وهو اضطراب عصبي يوثر على الجزء المنظم للنوم في عقلك، ويعاني المريض من النعاس المفرط أثناء النهار، وحالات نوم مفاجئة في أوقات غير مناسبة تمامًا.
ويعتبر من أكثر العلامات انتشارًا للجاثوم عدم القدرة على الكلام، الشعور بالاختناق وعدم القدرة على التنفس، الإصابة بالتخيلات أو الهلوسة البصرية أو السمعية أو الحسية أو الحركية، وعدم القدرة على تحريك الأطراف، والإحساس بوجود شئ ما أو شخص ما عدواني أو مخيف داخل الغرفة، أو شئ ما يجلس على صدرك أو يحاول خنق الحالم.
ويعد الأشخاص الذين يعانون من القلق والتوتر وقلة النوم والأرق، والذين لا ينامون في الأوقات الصحية، هم أكثر عرضة للإصابة بنوبات “الجاثوم”، ومن الأسباب حدوث تلك النوبات، هو التعب والإرهاق والتغيير المفاجئ في الروتين اليومي، والنوم غير المنتظم أو المتقطع.
ويضاف إلي ذلك طريقة النوم، فالنوم على الظهر يعتبر عامل مساعد لحدوث “الجاثوم”، واضطرابات الساعة البيولوجية أيضًا يقوي من حدوث “الجاثوم”، ووضعية النوم الغير مريحة، وتناول أدوية مهدئة أو منومة دون الرجوع لطبيب، وتناول المخدرات يساعد بشكل كبير في حدوثه.
أشارت طبيبة علم النفس إلى أنه هنالك بعض الطرق والنصائح التي تقلل من حدوث الجاثوم، مثل الحصول على النوم بشكل جيد، وبعدد ساعات كافية، وبشكل منتظم، ممارسة تمارين الإسترخاء قبل النوم مباشرًا، عدم تغيير مكان نومك، والإبتعاد عن الأدوية التي تسبب الضغط النفسي او العصبي، وعدم تناول المهدئات.
وأفادت الطبيبة هبه على عدم تناول علاج الاكتئاب دون الرجوع للطبيب، ومحاولة التفكير بطريقة إيجابية، والابتعاد عن الأفكار السوداوية، والتقليل من التفكير الزائد قبل النوم، ومحاولة التفاؤل بالمستقبل، وإذا تكرر حدوث “الجاثوم” أكثر من مرة وعلى فترات زمنية متقاربة، يجب الرجوع لطبيب لتفسير الحالة.
وتجاوز “شلل النوم” الثقافات والعصور، فهو موجود في جميع أنحاء العالم، في الغرب كما في الشرق، ومنذ القدم أثارت هذه الحالة فضول العديد من الكتاب والرسامين والفنانين، وجسدوها في الكثير من أعمالهم الفنية، والروائية، وحتى عن طريق رسم اللوحات.
وانتشرت تلك الحالة كثيرًا حيث أنها تصيب 3 من كل 10 أشخاص، وتظهر في الأغلب عند المراهقين، وإذا أصيب عدة أفراد من العائلة ذاتها، وبصورة مكثفة، فهذا أمر طبيعي، لأنه هنالك دراسات أثبتت أن “الجاثوم” له علاقة بالچينات الوراثية.
وأشارت نتائج المؤسسة الوطنية الأمريكية للنوم، إلى أن واحد من كل 12 شخصًا، يعاني من شلل النوم، ولو لمرة واحدة على الأقل في حياته، ولكن بالنسبة للبعض فهنالك تقريبًا 10% من المصابين، يمكن أن تصبح مشكلة متكررة عندهم، وقد تمنعهم من النوم بدافع الخوف.
وتم إجراء تجربة على العديد من الأشخاص الذين يعانون من الأرق، والإرهاق النفسي والجسدي، وتشير بعض النتائج إلى من يمر بهذه التجربة يشعر بوجود تهديد من شخص ما، أو شخصية مرعبة خيالية، وتكون بجانبهم أثناء الشلل، وذلك لأن الجاثوم يكون مصحوبًا أحيانًا بهلوسات، إذا كانت بصرية أوسمعية أوحسية أوحركية.
وتقول الطبيبة وأخصائية النوم التي أجرت التجربة، إنه أثناء نوبة شلل النوم يتنفس الشخص بشكل طبيعي، ويعتقد أنه مدرك تمامًا لما حوله، ولكنه في حقيقة الأمر، هو في مرحلة ما بين الحلم والواقع، فيتصور الأشياء غير الواقعية.
ويعاني من خداع للحواس، ومن الطبيعي أن يشعر الشخص خلال “الجاثوم” بالألم وبالخوف وأيضًا الذعر، وأظهرت التجربة أن الشعور بالألم من الممكن أن يكون ناتجًا عن التعب العضلي، أثناء الاستيقاظ، أما بالنسبة للهلوسة فهى تعتبر قبضة للذعر، حيث يحاول العقل الذي لا يزال عالق بين اليقظة والنوم، إيجاد تفسير لما يشعر به من خوف.
وأكد بعض الدراسات أن الشلل الحادث أثناء النوم، يعتبر رد فعل طبيعي ناتجًا عن الشعور بالخوف الشديد، بسبب منبهات مهددة في المحيط، وفي هذه المرحلة يتخيل الدماغ الكيان المخيف، أو وجود أشياء غريبة في غرفة النائم، ويمكن أن يتخيل شئ مخيف فكر به قبل النوم، وذلك سيرجع لعقله الباطن.
وتمكن العالم السويسري أنطوان أدامنتيديس، بعد العديد من الدراسات، من اكتشاف الجزء المسؤول في العقل عن النوم الخفيف، الذي يعرف باسم “نوم حركة العين غير السريعة”، والذي قد يؤدي هذا الاكتشاف المثير، إلى اكتشاف تقنيات جديدة تساعد في التعافي من حالة اللاوعي للعقل.
وبعد اكتشاف العالم السويسري يمكن مساعدة المرضى الذين يعانون من اضطرابات في النوم، أو على الأقل يمكنهم معرفة ما يمنعهم من الحصول على نوم جيد، ولكن لم يتم اكتشاف علاج لشلل النوم أو المعروف بـ “الجاثوم” حتى الآن.
ويتوجه الأطباء ببعض النصائح والإرشادات، بسبب عدم اكتشاف علاج مادي، ويرون أما الوقاية أو لتخفيف من تكرار حالات “شلل النوم” أو “الجاثوم” والتأقلم معه بأكثر شكل ممكن، فهو ناتج عن سلوك، ونمط حياة متعب نفسيًا وجسديًا.