تحقيق – آلاء هشام
هل من الطبيعي أن يؤثر المكان المحيط بالإنسان على مستواه في الدراسة أو العمل، أم أن ذلك مثلما يقول البعض تلك ليست إلا “شماعة فشل”، لا يحتفظ بها الإنسان في خزانته، بل في عقله، ليعلق عليها فشله.
يبدو ذلك حكمًا قاسيًا على من تغلبه ظروفه، فننتقل إلى نقطة أخرى وسؤال آخر، هل الطبيعي أن يغلب الإنسان ظروفه لتحقيق مراده، أم أن من يتغلب عليها يعد بطلًا خارقًا.
يؤثر المكان المحيط بالإنسان على مستواه، في الدراسة أو العمل، وهذا بسبب إختلاف بيئة كل مكان عن الآخر، وذلك حسب نشأة الإنسان، فإذا نشأ في بيئة خالية من المشاكل والضغوطات النفسية، ستكون دراسته سليمة، وبالتالي سيكون إنتاجه في العمل أفضل.
رأي الطب النفسي حول تأثير المكان على مستوى الشخص في الدراسة والعمل
وفي تصريح صحفي خاص لموقع وجريدة الأنباء المصرية الجديدة، أوضح الدكتور عاطف الشوبكي طبيب نفسي، أنه بالطبع يؤثر المكان على المزاج سلبًا وإيجابًا، فهو كالعدوى ينتشر بين الأفراد.
واستكمل الطبيب كلامه قائلًا: “البيئة والمكان يؤثران حتمًا في النجاح، لتوافر عوامل أهمها القدوة والخبرة والفهم وفي علم النفس، البئية تؤثر على مستوى الفرد، فعادة أبناء الناجحون يكونون في مستوى ذكائي متقدم.
كما أضاف “الشوبكي” أن الوراثة تحدد شيئًا آخر، وهو “upper level” بمعنى أنه عادة الأشخاص الناجحون يكون لديهم أبناء أذكياء في تدرج يشمل محدودي الذكاء ومتوسطي الذكاء ..إلخ، لكن الوراثة تجعل الشخص في أي درجة منهم، بمعنى تجعله أعلى، فإذا كانت الدرجة من 110، إلى 120، فهذه الدرجة نتاج البيئة والمكان، لكن الوراثه تجعله 119 أو 120.
أمثلة لأبطال تحدوا ظروفهم
ولكن على الصعيد الآخر يوجد عظماء تحدوا صعوباتهم من هذا النوع وتغلبوا عليها، ليرتبط إسمهم بالنجاح، فمثلًا الأديب والكاتب الروائي المصري “نجيب محفوظ”، والحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1988.
وكان قد تخرج الأديب والكاتب الروائي المصري من جامعة القاهرة قسم الفلسفة، وقام بالعمل في عدة وظائف، منها أنه عمل في وزارة الأوقاف، وفي إدارة الرقابة على المنصات الفنية، وأنه صار مدير لمؤسسة دعم السينيما، وأيضًا أصبح مستشارًا لوزير الثقافة.
أتظن أن “نجيب محفوظ” لم يتلقي بمشاكل قد تؤثر على دراسته أو عمله؟، بل واجه نجيب نحفوظ صعوبات من هذا النوع، فقد ترعرع “محفوظ” في حي الجمالية في محافظة القاهرة، وهو حي لا يتوفر فيه الهدوء، فهو شعبي وعتيق، وبه أسواق وإزدحام وضوضاء.
ولنتخذ مثالًا إخر، فنذكر جراح القلب المصري العالمي الدكتور “مجدي يعقوب”، وهو جراح قلب وصدر عظيم، كثيرًا ما أنقذ قلوب، وقد تخصص في جراحات زراعة القلب وجراحات تشوهات القلب الخلقية، وهو من رواد جراحة القلب في العالم بأكمله.
وذلك بالإضافة إلى أن الدكتور “مجدي يعقوب” كان أستاذًا في جامعة لندن، وكان جراحًا في مستشفى “هيرفيلد” و”رويال برومبتون”، كما نجد أنه قام بإجراء آلاف العمليات الجراحية، وأنشأ مؤسسة مجدش يعقوب للقلب في محافظة أسوان، وهى مؤسسة تمد المرضى بالرعاية الطبية المجانية، وأيضًا على أعلى مستوى.
وحصل “يعقوب” على لقب سير من ملكة بريطانيا، وذلك عام 1992، بجانب حصوله على جوائز عالمية كثيرة، لما قدمه من إسهامات في الطب، فماذا قد تكون الصعوبات التي واجهت الجراح المصري العظيم صاحب كل هذه الإنجازات.
نشأ الجراح المصري في مدينة بلبيس في محافظة الشرقية، وذلك في حين كانت مصر قد تخلصت من الإحتلال البريطاني، وفي ظل معاناتها من ضعف التعليم والطب، تحديدًا في الريف، وكان أشبه بالمستحيل حينها أن يلتحق شخص عربي أو شخص مصري بمجال الجراحة المتقدمة، وبالأخص جراحة القلب، لصعوبة التخصص وضألة فرصة التدريب.
كما نرى الأديب المصري “طه حسين” وهو ناقد ومفكر أيضًا، وأُطلق علية “عميد الأدب العربي”، وكان أستاذ جامعي في جامعة القاهرة، بالإضافة إلى بعض المناصب، والتي منها أنه كان عميد كلية الآداب بجامعة القاهرة، ووزير التعليم في مصرنا الحبيبة، وحينها ساهم في أن يكون التعليم مجانيًا، وكان عضوًا في مجمع اللغة العربية.
وذلك بالرغم من الصعوبات والتحديات التي واجهته، فنشأ “طه حسين” بقرية في الصعيد، حيث لم تكن المدارس تحتوى على الموارد الكافية أو حتى كتب، بالإضافة إلى أنه كان كفيفًا، حيث فقد حاسة البصر منذ أن كان عمره 3 سنوات، ولم يكن هناك إهتمامًا من المجتمع بالشخص الكفيف.
وقد كانت النظرة السائدة حينها للشخص الكفيف أنه عبء على المجتمع، ورغم ذلك تغلب الأديب المصري على كل الظروف التي واجهته وأصبح كما نعرفه اليوم، الأديب المصري الغني عن التعريف.
وننتقل بالحديث إلى عالم الكيمياء المصري “أحمد زويل” وهو عالم كمياء مصري من دمنهو، بالإضافة إلى حصولة على الجنسية الأمريكية في السبعينيات بجانب جنسيته المصرية، وقد كان متخصص في الكيمياء الفزيائية، كما كان رائدًا بأبحاثه في مجال كيمياء الفيمتو، وهى دراسة التفاعلات الكميائية في زمن يقاس بالفيمتو ثانية، والذي هو جزء من مليون مليار من الثانية، وهو زمن قصير جدًا.
وحصل عالم الكمياء المصري على جائزة نوبل في الكيمياء، كما كان أستاذ في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا “caltech” في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أنه شغل مناصب علمية وإستشارية في مصر والولايات المتحدة.
فقد تظن أن عالمًا بهذا الذكاء والإنجازات لم يلتقي بصعوبات يومًا، فهل أنت جاهز لسماع الجانب الآخر من القصة؟، وُلد “زويل” بمحافظة كفر الشيخ وتحديدًا في مدينة دسوق، والتي كانت مصاردها للتعليم ضئيلة، فبالتالي لم يكن يوجد معامل علمية تتسم بالتطور أو مكتبات ضخمة، ولم تكن البيئة المحيطة به مشجعة على البحث إطلاقًا.