تحقيق – بسملة الجمل
لطالما عرفنا أن لكل مكان قداسيته، أن الحرم الجامعي ما هو إلا منار يستشرق به شباب هم أمل غد وطليعة مستقبل، فما كنا أن شهدنا حالات لا نصفها إلا بالنوادر، تحدث داخل الحرم الجامعي، وما يفعلها إلا ناقص عقلٍ ودين، ألا وهى حالات العنف بمختلف أنواعه.
أختلف أسباب العنف والنتيجة واحدة
أصبحت ظاهرة العنف داخل الجامعات تهدد أمن الطلاب، وهنا تساؤلات عدة حول أسباب هذا العنف المتزايد داخل المؤسسات التعليمية، سواء كانت الدوافع خلافات شخصية، ضغوطات نفسية، أو ضعف الرقابة الأمنية، فإن النتائج واحدة، وهو عنف غير مُبرر ولا يغتفر.
جريمة جامعة المنصورة “2022” حادثة قتل تهز الأوساط الجامعية
في يونيو 2022، شهدت بوابة جامعة المنصورة جريمة مروعة لفظت على إثرها “نيرة أشرف” طالبة بالفرقة الثالثة بجامعة المنصورة، أنفاسها الأخيرة على يد زميلها “محمد عادل” طالب في الفرقة الرابعة بنفس الكلية الذي أقدم على قتلها في الشارع، بعدما رفضت الارتباط به، حيث ترصد الجاني للمجني عليها عند وصولها إلى الجامعة، ثم انهال عليها وسدد لها 3 طعنات قبل أن يقوم بذبحها أمام عيون المارة، في مشهد صادم وثقته كاميرات المراقبة.
عقب تقنين الإجراءات تم ضبط المتهم في مكان الواقعة، وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة بدافع الانتقام، وبعد محاكمة سريعة صدر حكم بالإعدام بحقه، ونفذ الحكم في يونيو 2023، حيث أثارت هذه القضية جدلًا واسعًا حول العنف ضد المرأة، ودفعت نحو المطالبة بتشديد العقوبات ضد مرتكبي مثل هذه الجرائم.
جريمة جامعة القاهرة جنون قاتل ينهي حياة موظفة بالرصاص
في مشهد صادم داخل حرم جامعة القاهرة وتحديدًا داخل كلية الآثار، لقت “نورهان حسين مهران” 32 عامًا، مصرعها على يد زميلها “أحمد.ح.” 35 عامًا، وذلك بعدما أطلق النار عليها بدم بارد، ولم يكن الحادث مجرد لحظة غضب عابرة، لا كان تتويجًا لسنوات من الهوس.

طيش شباب وقلة تربية.. العنف داخل الجامعات غير مُبرر وعقوبة لا تُغتفر
كانت البداية عندما تقدم الجاني لخطبة المجني عليها، لكنها رفضته بسبب سلوكياته الغير مستقرة، ولكنه لم يتقبل الأمر فبدأ بمضايقتها وتهديدها، ولم يكن هذا أول مؤشر على خطورته فقد سبق وأشعل النيران في سيارتها.
وفي ذلك اليوم المشؤوم دخل الجاني إلى مبنى رعاية الشباب بكلية الآثار، وتوجه مباشرة نحو المجني عليها ممسكًا بسلاح ناري “مسدس”، وأطلق عليها ست رصاصات التي أودت بحياتها في الحال، وفر الجاني بسيارته هاربًا ، وبعد ساعات من البحث تمكنت الأجهزة الأمنية من العثور على السيارة وبداخلها جثة الجاني والذي كان قد أنهى حياته بطلقة نارية، تاركًا رسالة بجانبه محتواها: “دمرت حياتي، الآن نرحل معًا”.
خلاف على “تيك توك” ينتهي بمحاولة قتل في جامعة حلوان
في 25 ديسمبر 2024، اهتزت جامعة حلوان على وقع جريمة غير مسبوقة داخل حرمها الجامعي، كانت البداية عندما نشب خلاف بين “عمر ناصر” طالب بكلية الحقوق، وزميله “ضياء” طالب بكلية الزراعة، بسبب فيديوهات كان ينشرها “عمر” على إحدى منصات السوشيال ميديا “التيك توك”، حيث سخر الجاني من محتوى هذه الفيديوهات، مما أدى إلى تصاعد المشادة الكلامية بينهما.
وفي لحظة غضب أخرج الجاني سلاح أبيض “مطواة” كانت بحوزته، وطعن بها المجني عليه في جانبه الأيسر متسببًا له في جرح كبير بالكبد، نقل على إثرها المجني عليه إلى مستشفى حلوان العام، وخضع لعملية جراحية دقيقة وتم وضعه تحت العناية المركزة نظرًا لخطورة حالته.
وتمكنت الأجهزة الأمنية من القبض على المتهم الذي حاول الفرار بعد ارتكاب الواقعة، وقررت حبسه على ذمة التحقيقات، مع تحديد جلسة للنظر في تجديد حبسه، وأثارت هذه القضية جدلًا واسعًا حول الأمان داخل الجامعات، وكيفية دخول أسلحة إلى الحرم الجامعي دون رقابة.
طعنة غادرة تنهي حياة طالب داخل المعهد التكنولوجي بالعاشر من رمضان
في حادثة مروعة هزت أرجاء المعهد التكنولوجي العالي، لفظ الطالب “خالد.م.” 19 عامًا، أنفاسه الأخيرة، إثر تعرضه لطعنة نافذة على يد زميله “أحمد.م.ف” 20 عامًا، وذلك عقب الانتهاء من امتحان إحدى المواد الدراسية.
وتعود أحداث الواقعة إلى وجود خلافات سابقة بينهما، حيث أقدم الجاني على تدبير وإعداد كمين للمجني عليه داخل الحرم الجامعي مشددًا له طعنة نافذة، نقل على إثرها المجني عليه إلى مستشفى الغندور التخصصي لتلقي العلاج اللازم، ولكنه فارق الحياة متأثرًا بإصابته الواردة في التحقيقات.
هل الجرائم في الجامعات أصبحت أكثر انتشارًا في الفترة الأخيرة
ومن خلال الحديث مع بعض المواطنين تنوعت آرائهم، فأكد “أحمد السيد” إن وجود تلك الجرائم داخل الجامعات يرجع ذلك إلى تراجع القيم التربوية وانتشار ثقافة العنف بين بعض الفئات التي لا تدرك قيمة التعليم.
مضيفًا “أن دخول أفراد غير مناسبين إلى المؤسسات التعليمية أدى إلى تحويل بعض الجامعات إلى بيئة تتسم بالتوتر والصراعات، حيث يمارس البعض سلوكيات عدوانية بدلاً من التركيز على التعلم”.
كما أشار إلى أن هذه الفئة تستغل غياب الرقابة الصارمة لفرض نفوذها والسيطرة بطرق غير مشروعة، مما يهدد أمن وسلامة الطلاب، مؤكداً أنه من الضروري تعزيز ثقافة الاحترام والانضباط داخل الجامعات، لضمان بيئة تعليمية آمنة تساهم في بناء جيل قادر على تحقيق النجاح، بعيدًا عن أي مظاهر للعنف أو الاستغلال.
ما الأسباب الرئيسية لانتشار الجرائم داخل الجامعات
أوضحت “أميرة علي” أن انتشار الجرائم داخل الجامعات يعود إلى ظهور فئة من الشباب الذين يفتقرون للتربية السليمة والقيم الأخلاقية، حيث يدخلون الجامعات حاملين الأسلحة البيضاء مثل “المطاوي وأدوات التهديد الأخرى”، مما يجعل الحرم الجامعي أكثر عرضة للفوضى والمواجهات العنيفة.
وأضافت أن تعاطي المخدرات والإدمان يلعبان دورًا كبيرًا في تفشي هذه الظاهرة، حيث تؤدي هذه السلوكيات إلى فقدان السيطرة على الأعصاب، وزيادة معدلات العنف، والتصرفات العدوانية تجاه الزملاء وأعضاء هيئة التدريس.
مؤكدة أن الحل يكمن في فرض رقابة صارمة على مداخل الجامعات، وتكثيف التوعية بأهمية الأخلاق والانضباط، مع اتخاذ إجراءات قانونية حاسمة ضد كل من يحاول تحويل المؤسسات التعليمية إلى بؤر للعنف والجريمة.
هل القوانين الصارمة هي السر الخفي وراء الشعور بالأمان داخل الجامعات
أشارت “سلمى هاني” إلى أنها تشعر بالأمان داخل الحرم الجامعي، وذلك بفضل القواعد الصارمة التي تضعها الإدارة للحفاظ على النظام والانضباط، موضحة أن هذه القواعد تضمن بيئة آمنة للطلاب.
حيث يتم فرض رقابة مشددة على مداخل الجامعة، إلى جانب اتخاذ إجراءات حازمة ضد أي شخص يتجاوز الحدود أو يهدد سلامة الآخرين، كما أكدت أن العقوبات الرادعة تلعب دورًا مهمًا في منع انتشار السلوكيات العدوانية.
هل يمكن أن تساهم كاميرات المراقبة وزيادة أفراد الأمن في الحد من الجرائم داخل الجامعات
أكد “هاني منجدي” أن تعزيز الأمن داخل الجامعات من خلال زيادة عدد أفراد الحراسة وتركيب كاميرات المراقبة يمكن أن يكون عاملًا حاسمًا في الحد من الجرائم، والحفاظ على استقرار الأوضاع داخل الحرم الجامعي، موضحًا أن وجود أفراد الأمن المدربين يسمح بالتدخل السريع عند وقوع أي مشكلة، مما يمنع تصاعد الأحداث قبل أن تتحول إلى مواجهات خطيرة.
كما أشار إلى أن “كاميرات المراقبة” تلعب دورًا مهمًا في كشف المتسببين في أي أعمال شغب أو عنف، حيث تتيح للإدارة الجامعية رؤية كل ما يحدث في مختلف أرجاء الحرم الجامعي واتخاذ الإجراءات المناسبة فورًا، مضيفًا أن مجرد علم الطلاب بوجود هذه التدابير الأمنية يجعلهم أكثر التزامًا بالقوانين، مما يقلل من فرص حدوث أي تجاوزات أو اعتداءات.
الانضباط الجامعي الحاسم مفتاح الأمان داخل الحرم
أكدت “ريم محمد” أن دور إدارة الجامعة في مواجهة الجرائم داخل الحرم لاشك أنه أكثر حزمًا وفعالية، من خلال اتخاذ إجراءات صارمة تضمن بيئة آمنة للطلاب، موضحة أن فرض عقوبات رادعة على كل من يرتكب أي تجاوزات سيشكل رادعًا قويًا لمنع تكرار مثل هذه الحوادث.
كذلك أشارت إلى أن زيادة عدد أفراد الأمن الجامعي أمر ضروري لتعزيز السيطرة داخل الحرم، إلى جانب تكثيف عمليات التفتيش والتأكد من هوية كل طالب قبل دخوله الجامعة، مضيفة أن هذه التدابير الأمنية لا تهدف فقط إلى ردع المخالفين، بل تسهم أيضًا في ترسيخ الشعور بالأمان بين الطلاب، مما يسمح لهم بالتركيز على دراستهم دون القلق من أي تهديدات محتملة.
“وعي” الطلاب السلاح الأقوى لحماية الحرم الجامعي
أوضح “أحمد ياسر” أن توعية الطلاب بخطورة الجرائم وطرق الوقاية منها هي خطوة أساسية لضمان بيئة جامعية أكثر أمانًا، مشيرًا إلى أن تعزيز الوعي يمكن أن يقلل بشكل كبير من معدلات الجريمة داخل الحرم الجامعي، كما أكد أن تنظيم حملات توعية مكثفة داخل الجامعة، تتضمن محاضرات وورش عمل حول مخاطر العنف وكيفية التعامل مع المواقف الخطرة، يمكن أن يساعد الطلاب على تجنب الوقوع ضحايا لأي أعمال إجرامية.
مشيراً إلى ضرورة تعريف الطلاب بآليات الإبلاغ عن أي تهديدات أو تجاوزات، سواء من خلال مكاتب الشكاوى داخل الجامعة أو عبر وسائل تواصل مباشرة مع الأمن الجامعي، لضمان التعامل مع أي مشكلة قبل تفاقمها.
هل يكشف الإعلام الحقيقة كاملة أم أن هناك ما يبقى في الظل
أكدت “فاطمة أحمد” أن الإعلام لا يتوانى عن تغطية الجرائم التي تحدث داخل الجامعات، حيث أصبح من الصعب إخفاء أي واقعة مهما كانت بعيدة أو معقدة، موضحة أن منصات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت المعلومات تنتشر بسرعة البرق، فلم يعد هناك مجال للتكتم أو إخفاء الحقائق عن الرأي العام.
دور القيم المجتمعية في الحد من الجرائم الفردية
أكد الدكتور “محمود عبد اللطيف” دكتور بقسم الإعلام كلية الآداب جامعة الزقازيق، أن هذه الجرائم لا ترقى إلى أن تكون ظاهرة أو قضية رأي عام، بل هي مجرد جرائم فردية، ومع ذلك يمكن تحليلها من عدة جوانب، خاصة الجانب الاجتماعي، حيث تعكس انعدام القيم المجتمعية الأصيلة لدى بعض الأفراد، وهذا يستدعي ضرورة ترسيخ تلك القيم من خلال الأسرة، والمدرسة، والجامعة، والمجتمع المحيط، لضمان بناء مجتمع أكثر تماسكًا وأمانًا.

الدكتور “محمود عبد اللطيف” دكتور بقسم الإعلام كلية الآداب جامعة الزقازيق
غياب الوازع الديني شرارة تشعل فتيل الجريمة
كما أشار “الدكتور محمود عبداللطيف” أن الجانب الديني يعد أحد العوامل الأكثر تأثيرًا في انتشار مثل هذه الجرائم، حيث يؤدي ضعف الوازع الديني إلى غياب الضوابط الأخلاقية، مما يدفع بعض الأفراد إلى ارتكاب أفعال تتنافى مع القيم والمبادئ الدينية، ولذلك فإن تعزيز الوعي الديني المستنير يعد ضرورة ملحة للحد من هذه السلوكيات، وذلك من خلال الأسرة، والمؤسسات الدينية، والإعلام الهادف.
الإعلام بين التضخيم والوعي دور محوري في تشكيل الرأي العام
في السياق ذاته، أكد “عبداللطيف” أن الجانب الإعلامي يمثل حجر الزاوية في هذه القضية، حيث يسهم التناول الإعلامي السلبي في تصدير هذه الجرائم إلى ساحة الاهتمام الجماهيري، مما يعطي انطباعًا خاطئًا بأنها ظاهرة اجتماعية، في حين أنها مجرد تصرفات فردية.
ولذلك من الضروري توجيه حملات إعلامية مكثفة لتصحيح هذا المفهوم، مع التأكيد على ترسيخ القيم الدينية والمجتمعية الإيجابية، وتعزيز الموروث الثقافي الأصيل، ورفع روح الولاء والانتماء، للحفاظ على الهوية الوطنية لدى جميع فئات المجتمع المصري.
وفي ظل تصاعد حوادث العنف داخل الجامعات، يبقى السؤال الأهم، كيف يمكن للمجتمع بمؤسساته المختلفة أن يحد من هذه الظاهرة ويحافظ على قدسية الحرم الجامعي كمنارة للعلم والثقافة، لا شك أن الحل يكمن في تكامل الجهود بين الأسرة، والمؤسسات التعليمية، والجهات الأمنية، ووسائل الإعلام، لترسيخ قيم الاحترام والانضباط، وتعزيز الوعي الديني والثقافي، وفرض رقابة صارمة على مداخل الجامعات لمنع دخول أي أدوات تهدد الأمن.
فالجامعات ليست مجرد أماكن للدراسة، بل هي بيئة تشكل شخصية الأجيال القادمة، لذا فإن الحفاظ على استقرارها وأمنها مسؤولية جماعية تستوجب اتخاذ تدابير حاسمة، من سن قوانين رادعة، إلى تنظيم حملات توعوية، لضمان ألا تتحول هذه المؤسسات التعليمية إلى ساحات للعنف، بل تبقى دائمًا رمزًا للعلم والأمان.