تقرير – وفاء العسكري
دولة عربية جديدة نتحدث عنها اليوم، دولة تتميز بمواقع قرطاچ الأثرية دولة اليوم هى تونس دولة حاربت الاحتلال من أجل العيش وممارسة الحياة طبيعية، ودخلت في حروب مع العدو.
إذ تعتبر عملية الساق الخشبية هو الاسم الحركي، الذي أعطي للغارة الجوية لسلاح الجو الإسرائيلي، التي وقعت يوم 1 أكتوبر 1985 ضد مقر القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية، في حمام الشط “تونس”.
حيث استهدفت تلك الغارة خلالها سلاح الجو الإسرائيلي، أحد أهم اجتماعات منظمة التحرير الفلسطيني، في منطقة حمام الشط “تونس”، موقعًا عشرات القتلى من التونسيين، ومن القيادات الفلسطينية السياسية والعسكرية.
وكانت عملية حمام الشط هى إحدى أكبر وأخطر العمليات بحق الفلسطينيين، بعد نزوح منظمة التحرير من العاصمة اللبنانية بيروت عام 1982، ليتمكن جهاز المخابرات الإسرائيلية “الموساد” من تعقب أحد الاجتماعات المهمة في مقر المنظمة في “تونس”.
وذلك لتقوم ثماني طائرات من سلاح الجو الإسرائيلي صباح الأول من أكتوبر 1985، بقصف مقر منظمة التحرير في ضاحية حمام الشط بالعاصمة التونسية، بوابل من القنابل وهو ما أدى إلى سقوط 68 قتيلًا وأكثر من 100 جريح من فلسطينيين وتونسيين.
بالإضافة إلى تدمير المقر بالكامل، وبعض منازل المدنيين في المنطقة، حيث أصدرت إسرائيل في نهاية صيف 1985، قرارًا بتصفية القيادات الفلسطينية من خلال ضربة تنفذها الطائرات الحربية الإسرائيلية، فبدأت قيادة سلاح الجو الإسرائيلي بالإعداد للتنفيذ.
وتمكنت بالفعل من الحصول على صور أقمار صناعية دقيقة، عبر جاسوس لها كان يعمل محللا في المخابرات العسكرية الأميركية، وهو “جوناثان بولارد” كُشف فيما بعد وحكم بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة، وقد أطلقت إسرائيل على هذه العملية اسم “عملية الساق الخشبية”.
وبعد تجهيز سلاح الجو الإسرائيلي لعملية قصف منطقة حمام الشط، بدأ الموساد الإسرائيلي بتجنيد عملاء لتحديد الموعد، الذي يمكنه من اصطياد القيادة الفلسطينية مرة واحدة، وبنهاية شهر سبتمبر 1985، دعا رئيس منظمة التحرير الفلسطيني “ياسر عرفات” القيادة العسكرية لعقد اجتماع بتونس.
وحدد “عرفات” الموعد يوم الأول من أكتوبر، وبدأ أعضاء هذه القيادة من كبار الضباط يتوافدون على تونس، وعندما علم أحد عملاء الموساد بهذه المعلومات قام بإبلاغها إلى إسرائيل، التي زودته بجهاز إرسال عالي الدقة بحجم ولاعة السجائر، لإرسال أية معلومات من أجل وضع اللمسات الأخيرة للعملية.
وفي ليلة الثلاثين من سبتمبر 1985 كان ياسر عرفات في منطقة حمام الشط، قضى ليلته هناك، وخرج صباح الأول من أكتوبر يتمشى على شاطئ البحر، وعند الساعة التاسعة أبلغه مدير مكتبه العسكري بتأجيل الاجتماع.
وذلك لأن عددًا من كبار الضباط، لم يتمكنوا من الوصول إلى تونس بسبب حجوزات الرحلات الجوية، ما حتم تأجيل الاجتماع للمساء، وفي حدود الساعة التاسعة والنصف صباحًا غادر الرئيس عرفات منطقة حمام الشط، متجهًا إلى منطقة رادس جنوب العاصمة التونسية.
لتقديم التعازي إلى عائلة وزير الدفاع التونسي الأسبق “عبد الله فرحات”، والذي توفي قبل أيام، وعلم رجل الموساد أن عرفات أجل الاجتماع، وغادر منطقة حمام الشط، لكن الطائرات الإسرائيلية كانت قد اقتربت من الشواطئ التونسية بقدر يستحيل معه إلغاء العملية.
وفي العاشرة تمامًا أي بعد نصف ساعة من موعد بدء اجتماع القيادة العسكرية الفلسطينية، انهالت 6 صواريخ على مقر قيادة الأركان الفلسطينية، والتي كانت تستأجر منزلًا في منطقة حمام الشط فأزالته تمامًا عن الوجود، كما قصفت الطائرات الإسرائيلية مقر “ياسر عرفات” ومكتبه والمقر الخاص بحراساته.
ليسقط في هذه الغارة 68 قتيلًا وأكثر من 100 جريح من فلسطينيين وتونسيين، وحسب التقرير الرسمي للسلطات التونسية الذي قدمته للأمين العام للأمم المتحدة، فإن تلك الغارة أدت إلى سقوط العديد من التونسيين والفلسطينيين مصرع 50 فلسطينيًا و18 مواطنًا تونسيًا.
وتابع التقرير وجرح 100 شخص، وخسائر مادية قدرت بـ “5.821.485 دينارًا تونسيًا” “حوالي 8.5 ملايين دولار أمريكي”، وكانت الغارة على حمام الشط أكبر ضربة تلقتها منظمة التحرير الفلسطينية، فلو نجحت إسرائيل في تحقيق أهدافها، لأزالت كل القيادة العسكرية الفلسطينية عن الوجود دفعة واحدة.
وقد أعلنت إسرائيل رسميًا مسؤوليتها عن تلك الغارة فور وقوعها، مشيرًة إلى أنها قامت بها “في إطار حق الدفاع عن النفس”، وأصدر مجلس الأمن الدولي في 4 أكتوبر 1985، القرار عدد 573 بعد شكوى تقدمت بها الدولة التونسية ضد إسرائيل.
وتتهمها بإنتهاك سيادتها، والتعدي على أراضيها وسلامتها الإقليمية وقد بين المجلس أنه: يدين بقوة العدوان المسلح، الذي اقترفته إسرائيل على الأراضي التونسية، ومطالبة إسرائيل بالكف عن اقتراف أعمال عدوانية مماثلة، أو التهديد باقترافها.
بالإضافة إلى حث الدول الأعضاء على ثني إسرائيل عن اللجوء، إلى مثل هذه الأعمال العدوانية ضد سيادة جميع الدول وسلامتها الإقليمية، والإقرار بالحق التونسي في الحصول على تعويضات مناسبة عن الخسائر في الأرواح، والأضرار المادية التي لحقت بها والتي اعترفت إسرائيل بمسؤوليتها عنها.
وهدد الرئيس التونسي آنذاك “الحبيب بورقيبة” بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، إذا حاولت استخدام حق النقض “فيتو”، لتعطيل قرار مجلس الأمن عدد 573 ضد إسرائيل، التي قامت بالتعدي على حدود البلاد التونسية.
في 10 آب 1982 شهدت تونس حدثًا مهمًا إذ استقبلت زعيم منظمة التحرير الفلسطينية “ياسر عرفات”، وجميع عناصره الذين كانوا في بيروت إثر الحصار الإسرائيلي المفروض عليها، وذلك بعد الدور الدبلوماسي الذي لعبته تونس عربيًا، وذلك “بعد انتقال مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس عقب اتفاقية كامب ديفيد”.
وفي خلال الأعوام 1985 و1988 و1991 قامت إسرائيل وعملائها، بشن غارات على مكاتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في تونس، اغتالت فيها اثنين من أكبر قيادات المنظمة وهم خليل الوزير “أبو جهاد” وصلاح خلف “أبو إياد”، اتخذت منظمة التحرير الفلسطينية من تونس مقرًا لها طوال نحو عشر سنوات.
وذلك قبل أن يمهد اتفاق للسلام أبرم عام 1993 الطريق أمام عودتها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعتبر منظمة التحرير الفلسطينية أو اختصارًا “م.ت.ف” هى منظمة سياسية شبه عسكرية، معترف بها في الأمم المتحدة، والجامعة العربية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين.
وتأسست “م.ت.ف” في عام 1964 بعد انعقاد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول في القدس، نتيجة لقرار مؤتمر القمة العربي 1964 “القاهرة”، لتمثيل الفلسطينيين في المحافل الدولية، وهى تضم حركة فتح والجبهة الشعبية، لتحرير فلسطين بالإضافة إلى العدد الأكبر من الفصائل والأحزاب الفلسطينية تحت لوائها.
ولكن باستثناءات واضحة مثل حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، التي علقت عضويتها، وعتبر رئيس اللجنة التنفيذية فيها رئيسًا لفلسطين والشعب الفلسطيني في الأراضي، التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى فلسطينيي الشتات.
وكان الهدف الرئيسي من إنشاء المنظمة، هو تحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح، إلا أن المنظمة تبنت فيما بعد فكرة إنشاء دولة ديمقراطية، مؤقتًا في جزء من فلسطين حيث كان ذلك في عام 1974، في البرنامج المرحلي للمجلس الوطني الفلسطيني، والذي عارضته بعض الفصائل الفلسطينية وقتها، حيث شكلت ما يعرف بجبهة الرفض.
وتبت المنظمة في عام 1988 رسميًا خيار الدولتين في فلسطين التاريخية، والعيش جنبًا لجنب مع إسرائيل في سلام شامل، يضمن عودة اللاجئين واستقلال الفلسطينيين على الأراضي المحتلة عام 1967، وبتحديد القدس الشرقية عاصمة لهم.
ولكن في عام 1993 قام رئيس اللجنة التنفيذية بالاعتراف رسميًا بإسرائيل، في رسالة رسمية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك “إسحق رابين”، في المقابل اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، نتج عن ذلك تأسيس سلطة حكم ذاتي فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتُعتبر من نتائج اتفاق أوسلو بين المنظمة وإسرائيل، ويعتبر أحمد الشقيري المؤسس الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وكان للفلسطينيين ممثلون في جامعة الدول العربية منذ تأسيسها عام 1945، بالرغم من وقوعها تحت الانتداب البريطاني، وكان مندوبي فلسطين في تلك الحقبة هم: “موسى العلمي وعبد الكريم العلمي وأحمد حلمي عبد الباقي وأحمد الشقيري على التوالي”.
وفي مؤتمر القمة العربي الأول عام 1964، الذي دعا إليه الرئيس المصري جمال عبد الناصر، أُنشئت منظمة التحرير الفلسطينية لتعبر عن إرادة شعب فلسطين، ولتكون هناك هيئة تطالب بحقوقه وتقرير مصيره، وكلّف المؤتمر ممثل فلسطين “أحمد الشقيري” بالاتصال بالفلسطينيين، وكتابة تقرير عن ذلك يقدم لمؤتمر القمة العربي التالي.
فقام “الشقيري” بجولة زار خلالها الدول العربية واتصل بالفلسطينيين فيها، وأثناء جولته تم وضع مشروعي الميثاق القومي والنظام الأساسي، لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتقرر عقد مؤتمر فلسطيني، وقام الشقيري باختيار اللجان التحضيرية للمؤتمر التي وضعت بدورها، قوائم بأسماء المرشحين لعضوية المؤتمر الفلسطيني الأول.
وأُقيم في القدس بين 28 آذار و2 حزيران من عام 1964، وافتتحه “الملك حسين بن طلال” وعرف المؤتمر باسم المجلس الوطني الفلسطيني الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية، وحضر المؤتمر 242 ممثلًا فلسطينيًا اختارتهم حكومات عربية هى “الأردن وسوريا ولبنان ومصر والكويت وقطر والعراق”.
وقد انتخب هذا المؤتمر أحمد الشقيري رئيسًا له وانتخب كلًا من حكمت المصري من نابلس وحيدر عبد الشافي من غزة ونقولا الدّر من لبنان كنواب للرئيس، وأعلن عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وصادق على الميثاق القومي والنظام الأساسي للمنظمة، وانتخب الشقيري رئيسًا للجنة التنفيذية للمنظمة.
وكلف المؤتمر الشقيري باختيار أعضاء اللجنة الدائمة الخمسة عشر، واختيرت القدس كمقر لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، كما قرر المؤتمر إعداد الشعب الفلسطيني عسكريًا، وإنشاء الصندوق القومي الفلسطيني يرأسه ابن مؤسس البنك العربي، وهو “عبد المجيد شومان” بجمع الأموال من الحكومات العربية ومن اللاجئين.
وطلب من كل منهم الإسهام بربع دينار كل عام “حوالي دولار واحد”، عند تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية تم افتتاح سبعة مكاتب لها، فعُيّن سعيد السبع في الجزائر وشفيق الحوت في لبنان، وجمال الصوراني في مصر، ومصطفى سحتوت في سوريا، وإيماناً بحق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه المقدس فلسطين، وتأكيدًا لحتمية معركة تحرير الجزء المغتصب منه.
وعزمه وإصراره على إبراز كيانه الثوري الفعّال، وتعبئة طاقاته وإمكانياته وقواه المادية والعسكرية والروحية، وتحقيقًا لأمنية أصيلة من أماني الأمة العربية ممثلة في قرارات جامعة الدول العربية، ومؤتمر القمة العربي الأول، نعلن بعد الاتكال على الله باسم المؤتمر العربي الفلسطيني الأول المنعقد بمدينة القدس في 28 أيار 1964.
وقيام منظمة التحرير الفلسطينية قيادة معبئة لقوى الشعب العربي الفلسطيني، لخوض معركة التحرير، ودرعًا لحقوق شعب فلسطين وأمانية، وطريقًا للنصر، والمصادقة على الميثاق القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية وعدد بنوده 29 بندًا، والمصادقة على النظام الأساسي وعدد بنوده 31 بندًا.
بالإضافة إلى اللائحة الداخلية للمجلس الوطني، والصندوق القومي الفلسطيني، وانتخاب السيد أحمد الشقيري رئيسًا للجنة التنفيذية، وتكليفة باختيار أعضاء اللجنة التنفيذية وعددهم 15 عضوًا، وبذلك يصبح المؤتمر بكامل أعضائه، الـ397 عضوًا الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية.