تحقيق – بسملة الجمل
يعيش كثير من كبار السن اليوم عزلة قاسية، بعدما فرقهم القدر عن شريك العمر أو أبعدتهم المسافات عن الأبناء، ويجلس بعضهم في بيوت كانت يومًا عامرة بالأصوات والضحكات، فإذا بها تغدو صامتة لا يسمع فيها سوى أنين الوحدة، وصوت عقارب الساعة التي تذكرهم بأن الأيام تمضي ببطء مؤلم.
ويعيش هؤلاء بين جدران الذاكرة، يتحدثون إلى صور قديمة وذكريات لا ترحل، بينما يفتقدون دفء الونس الذي كان ينسيهم تعب السنين، يفتقد الأبناء أحيانًا إدراك حجم الفراغ الذي يتركه غيابهم في حياة والديهم، إذ يظنون أن المال الذي يرسلون أو المكالمات المتباعدة كافية لطمأنتهم، غير مدركين أن قلوب الأمهات والآباء لا تشبع إلا بالحضور، ولا تهدأ إلا بالأنس.
كما يشيخ الوالد قبل أوانه، وتغالب الأم دموعها كل مساء، في انتظار صوت يعرفان أنه قد لا يأتي اليوم، وتتزايد في مصر حالات كبار السن الذين يعيشون بمفردهم، بعد أن حولت ضغوط الحياة السفر إلى ضرورة، وجعلت الفقد واقعًا لا مفر منه، وتتحول الوحدة من مجرد شعور إلى حالة نفسية خطيرة، قد تقود إلى أمراض جسدية وعقلية.
وذلك في ظل غياب الرعاية النفسية والاجتماعية الكافية لهذه الفئة التي أعطت الكثير ولم تجد المقابل في خريف عمرها، وتبقى الحكايات متشابهة في الوجع، أم تنادي باسم ابن لا يجيب، وأب يراقب الباب كل مساء منتظرًا طرقًا لن يأتي، بين أنين الوحدة ووجع الفقد، يعيش كبار السن فصولًا من الصمت الطويل، عل الغائبين يعودون يومًا ليملؤوا فراغ القلوب التي لم تعرف سوى الحب والعطاء.
سيدة من الشرقية تصارع المرض والوحدة وتحلم بعمرة قبل الرحيل
تعيش السيدة “مؤمنة جلال” في غرفة ضيقة بقرية أبو شعير التابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية، وتفترش الوحدة حياتها منذ سنوات طويلة، وتجالس الصمت الذي يملأ أرجاء المكان، بعدما أنهكها المرض وأثقل كاهلها العمر، وتطل ملامحها الشاحبة لتروي حكاية امرأة صمدت في وجه الحياة، وحملت فوق كتفيها أعباء أسرة كاملة دون كلل أو شكوى.
وتحكي مؤمنة بصوت خافت أنهكته الأيام أنها فقدت زوجها منذ خمسة عشر عامًا، وكان مزارعًا يعمل بالأجرة ويمتلك رأس ماشية كانت الأسرة تعيش من خيرها، وتكافح المرأة العجوز لتتذكر تفاصيل الرحلة الطويلة، فتقول إنها تحملت مع زوجها مشقة الحياة وتربية الأبناء الذين يعملون اليوم في الأراضي الزراعية.
وذلك دون دخل ثابت أو استقرار يخفف عنهم وعنها قسوة الأيام، كذلك تعاني المرأة العجوز من أمراض مزمنة تقعدها عن الحركة أحيانًا، وتعيش على معاش شهري لا يتجاوز ثلاثمائة جنيه، تنفق منه مئتي جنيه على الأدوية التي تبقيها على قيد الحياة، وتكتم أنينها بين الحين والآخر، وتحاول أن تقنع نفسها بأن الرضا نعمة، حتى وإن ضاقت بها الدنيا بما رحبت.
كما تشكر مؤمنة جلال ابن عمدة القرية الذي تطوع وبنى لها غرفة صغيرة بداخلها حمام لتعيش فيها، وتقول إنها تقوم بخدمة نفسها رغم ضعفها ووحدتها، وتكتفي بما قسمه الله لها من رزق، وتحلم “جلال” اليوم بحلم واحد يضيء ما تبقى من عمرها، أن تؤدي فريضة العمرة قبل أن ترحل.
كذلك ترفع يديها إلى السماء وتقول إنها لا تطلب مالًا ولا جاها، بل فقط أن يحقق الله أمنيتها الأخيرة، لتغادر الدنيا وهي مطمئنة القلب، وتدعو الله أن تكون نهايتها في الأراضي المقدسة، وأن تحفظ مصر من كل سوء، فهي كما تقول، “أول دعوة لي هناك ستكون لمصر، فهي وطني وقلبي الذي لا يغيب عنه الدعاء”.
شيخ كفيف ينجو من قسوة الوحدة بعد عقدٍ ونصف من الإهمال
يعيش الحاج “مرسي الشحات” قصة كفاح قاسية تشهد على قسوة الزمن وجحود الأقارب، حيث أنهكه العمر، وفقد بصره، وتراجعت صحته حتى أصبح عاجزًا عن الحركة، بعد أن تركه أقرب الناس يعيش وحيدًا لأكثر من خمسة عشر عامًا داخل غرفة متهالكة، تملؤها القمامة والحشرات.
كذلك تحمل “الشحات” البرد والجوع والمرض في صمت، لا يسمع سوى صدى أنفاسه في بيت بلا حياة، كما تآكلت الأرض من حوله، وتعفنت الجدران، بينما ظل قلبه معلقًا بالأمل أن يمد له أحد يدًا رحيمة، تنقذه من وحدته الطويلة.
وأنقذه القدر ذات يوم، حين عثر عليه في حال يدمي القلوب، جسد نحيل ينام على فراش تغزوه الحشرات، وملابس لم تبدل منذ شهور، وغرفة تفوح منها رائحة الإهمال واليأس، ونقل إلى دار آمنة يجد فيها طعامًا نظيفًا وسريرًا دافئًا، فتنفس للمرة الأولى بعد سنوات من المعاناة.
كما عبر الحاج مرسي عن امتنانه بصوت واهن، موضحًا أنه لا يريد شيئًا من الدنيا سوى الستر وراحة البال، فقد عاش ما يكفي من الألم، ولم يعد يطلب سوى أيام هادئة تعيد إليه كرامة الإنسان، التي كادت تضيع في زحام النسيان.
ومنذ انتقاله إلى مكان آمن، يعيش الشيخ الكبير أيامه الأخيرة في سلام صامت، بعدما وجد أخيرًا من يمنحه الأمان والرحمة التي حرم منها طويلًا، وبين تجاعيد وجهه تختبئ حكاية مؤلمة تذكرنا بأن أصعب ما يواجهه الإنسان في شيخوخته ليس المرض، بل أن يترك وحيدًا ينتظر من يطرق بابه.
رحلة سقوط مؤلمة من المترجم الأنيق إلى المشرد المريض
تحول عم مصطفى في لمح البصر من مترجم للغة الفرنسية في كبرى الشركات إلى رجل يفترش سيارة خردة، يلف جسده النحيل ببطانية رثة فوق مرتبة متهالكة، حيث نال منه المرض حتى صار جلدًا على عظم، وصار السرطان ينهش في جسده بلا رحمة، بينما غابت عنه الرعاية، وتخلى عنه أقرب الناس إليه، فبات يصارع الموت وحيدًا في شوارع المعادي، قبل أن تمتد إليه يد الرحمة أخيرًا لتنقذه من مصير محتوم.
وتلقى أهالي منطقة صقر قريش المشهد بصدمة حين رأوا الرجل المسن يئن داخل سيارة قديمة متهالكة، لا مأوى له سوى الحديد البارد الذي يلف جسده، وتحرك الأهالي بسرعة، واستغاثوا بكل من يستطيع المساعدة، لعل أحدًا ينقذه من مصيره القاسي، حتى استجابت بعض القلوب الرحيمة ومدت يد العون لإنقاذه، ونقله إلى مكان آمن يليق بآدميته.
وانكشف حال عم مصطفى بعدما علم الأهالي أنه يعيش في تلك السيارة منذ شهور طويلة دون مأوى أو طعام أو دواء، رغم أن شقيقته تسكن في المنطقة ذاتها، وتجاهله الجميع، وكأن المرض نزع عنه إنسانيته، وصار الناس يمرون بجواره دون أن يلتفتوا إليه، بينما يردد البعض كلمات باردة، “كل يقول نفسي”، وكأن الرحمة أصبحت رفاهية لا يقدر عليها أحد.
وانهار عم مصطفى بعد رحلة عمر طويلة بدأت بالاجتهاد وانتهت بالخذلان، كان خريج كلية الحقوق، ويتقن اللغة الفرنسية بطلاقة، ويعمل مترجمًا في واحدة من كبرى الشركات، لكن القدر لم يمهله كثيرًا، إذ خسر عمله وتدهورت حالته المادية، واضطر إلى العمل في مقهى، حتى باغته السرطان فأنهك جسده وأفقده القدرة على العمل، وتخلى عنه الجميع، زوجته وأولاده وأخته، وتركوه يواجه قسوة الحياة وحيدًا.
ونقل الرجل العجوز أخيرًا إلى المستشفى بعد أن تبين خطورة حالته الصحية، وبذل الأطباء جهدهم لتخفيف آلامه، وقدم له بعض أهل الخير ما يحتاجه من رعاية ودواء، لكن رغم كل هذا، بقي وجعه الحقيقي في قلبه لا في جسده، وجع الوحدة والخذلان من أقرب الناس إليه، ظل يردد بصوت مبحوح “ما أقسى أن تمرض وحيدًا، وما أوجع أن تعيش بلا أحد يسأل عنك”.
وبالحديث مع بعض المواطنين تنوعت آرائهم، فأكد “أحمد السيد” أن سفر الأبناء للعمل في الخارج يترك أثرًا نفسيًا عميقًا على الأهل، خاصة كبار السن الذين يفتقدون الدفء والونس بعد رحيل أولادهم، موضحًا أن كثيرًا من الآباء يعيشون في صمت ووحدة قاسية، رغم ما يرسله الأبناء من مال، لأن الغياب لا يعوضه شيء، والبيت من غير صوتهم بيبقى “برد ووحشة”، على حد وصفه.
كذلك أضاف “السيد” أن المال قد يسد الاحتياجات المادية لكنه لا يعوض غياب الحنان، مشيرًا إلى أن بعض الأمهات يخفين دموعهن خلف المكالمات الهاتفية حتى لا يشعرن أبناءهن بالذنب، بينما تبقى قلوبهن معلقة بعودة الغائب، ولو لأيام معدودة.
وأوضحت “أميرة علي” أن الآباء والأمهات في الكبر لا يبحثون عن المال بقدر ما يحتاجون إلى الونس والكلمة الطيبة، فالكلمة الحلوة على حد قولها “بتعيش في القلب أكتر من أي حاجة تانية”، مضيفة أن كبار السن يشعرون بالأمان حين يجدون من يسأل عنهم، ويشاركهم الحديث، لأن الوحدة تقتلهم ببطء، مهما توفرت لهم الراحة المادية.
مؤكدة أن الاهتمام المعنوي هو أغلى ما يمكن أن يقدمه الأبناء لآبائهم، موضحة أن المال قد يشتري الدواء، لكنه لا يمنح الدفء، ولا يملأ فراغ القلب، لذلك يبقى الحنان والاهتمام هما الدواء الحقيقي لكل وجع، يشعر به الكبار في العمر.
الطب النفسي يحذر من آثار الوحدة القاتلة على كبار السن
أكد الدكتور محمد الوصيفي أستاذ الطب النفسي وعلاج الإدمان بكلية الطب جامعة المنصورة، أن الوحدة تضعف الروح قبل الجسد، وتترك أثرًا عميقًا في نفس كبار السن، فيشعرون بأنهم عبء على الآخرين، فتتسلل إليهم العزلة شيئًا فشيئًا حتى يصبح الصمت رفيقهم الدائم، وتختفي الرغبة في المشاركة أو الفرح، فيغلبهم الحزن والقلق تدريجيًا.

الدكتور النفسي محمد الوصيفي
وأوضح الدكتور النفسي أن استمرار الوحدة لفترات طويلة قد يؤدي إلى أمراض نفسية حقيقية، أبرزها الاكتئاب، الذي يبدأ بإحساس بالحزن وينتهي بفقدان الرغبة في الحياة، كما تزيد العزلة من احتمالات تدهور الذاكرة وظهور أعراض الزهايمر، لأن العقل مثل العضلة يضعف، حين يتوقف عن التفاعل مع الآخرين.
وأشار محمد الوصيفي إلى أن العلامات التي تكشف معاناة كبار السن نفسيًا تظهر في الصمت الطويل، والعزوف عن الطعام أو الحديث، وإهمال المظهر الشخصي، بالإضافة إلى النوم الزائد أو فقدان الرغبة في الخروج من المنزل، وهي مؤشرات يجب الانتباه إليها قبل أن تتفاقم الحالة.
كذلك بين “الوصيفي” أن كبار السن بعد وفاة الزوج أو سفر الأبناء يصدمهم الفراغ أولًا، ثم الوحدة التي تتسلل ببطء لتملأ حياتهم، فيشعرون بأنهم بلا دور أو صوت مسموع، ويحتاجون في تلك المرحلة إلى دعم عاطفي صادق، أكثر من أي شيء آخر.
كما أكد الدكتور النفسي أن دور الأسرة أو الجيران في دعم كبار السن بالغ الأهمية، فزيارة بسيطة أو كلمة طيبة قادرة على أن تعيد إليهم الأمان والدفء، مشيرًا إلى أن الاهتمام الحقيقي لا يحتاج مجهودًا كبيرًا، بل قلبًا يشعر بالآخرين.
ولفت محمد الوصيفي إلى أن المكالمات الهاتفية أو التواصل عبر الفيديو تخفف جزءًا من الألم لكنها لا تغني عن الوجود الحقيقي، لأن كبار السن يحتاجون إلى اللمسة، إلى نظرة حنان، لا إلى شاشة باردة تواسيهم عن بعد.
وأوضح “الوصيفي” أن ممارسة الأنشطة اليومية والهوايات تمثل علاجًا فعالًا، فهي تنعش الروح وتمنح الإحساس بالقيمة، حتى لو كانت بسيطة مثل الزراعة أو الحياكة أو تربية الطيور، فهي تعيد الحيوية للعقل والجسد معًا.
وأشار الدكتور النفسي إلى أن بعض المسنين قد يشعرون بأنهم منسيون رغم وجود تواصل من بعيد، لأن التواصل الخالي من المشاعر لا يشفي وجع الغياب، موضحًا أن الحنان لا يقاس بعدد الاتصالات، بل بصدقها ودفئها.
وحذر “الوصيفي” من خطورة تجاهل معاناة كبار السن على المدى الطويل، مؤكدًا أن الوحدة المستمرة قد تتحول إلى مرض مزمن يؤدي إلى اكتئاب حاد أو تدهور صحي سريع، لأن النفس حين تهمل تضعف المناعة وتسرع من آثار الشيخوخة.
واختتم الدكتور محمد الوصيفي حديثه، بالتأكيد على أن الأبناء المقيمين بعيدًا عن والديهم يجب أن يجعلوا تواصلهم معهم عادة يومية لا مجرد واجب، مشيرًا إلى أن الكلمة الطيبة والسؤال الصادق والزيارة كلما أمكن، هي أبسط وأصدق دواء لقلوب آباء ينتظرون الحنان أكثر من أي علاج.
الشيخ عبد العال عزت: بر الوالدين ليس مالًا يرسل بل قلب يحن ويظل قريبًا
أكد الشيخ عبد العال عزت أحد علماء الأزهر الشريف، أن رعاية الوالدين في الكبر عبادة عظيمة تقرب العبد من الله، مشيرًا إلى أن الإسلام جعل بر الوالدين فريضة بعد عبادة الله مباشرة، قال تعالى “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”، مشددًا على أن ترك الوالدين يواجهان الحياة وحدهما من أعظم صور الجحود، فالكبير لا يحتاج طعامًا بقدر ما يحتاج حنانًا وسندًا.
وأوضح الشيخ أن إرسال المال وحده لا يكفي لبر الوالدين، لأن البر الحقيقي هو الونس، والسؤال، والمشاركة في تفاصيل حياتهما، فالقلوب لا تشبع بالمال بل بالمحبة، مشيرًا إلى أن الأبناء المقيمين بالخارج يجب أن يجعلوا تواصلهم الدائم عادة لا تنقطع، وأن يسعوا لزيارتهما كلما سنحت الفرصة، لأن الغياب الطويل يترك في القلب فراغًا لا يملؤه شيء.
وبين الشيخ عبد العال عزت أن المجتمع أيضًا له دور في رعاية كبار السن، فالتكافل قيمة إسلامية راسخة، والمسلم الحق لا ينام شبعان وجاره جائع أو مريض أو وحيد، ودعا إلى إنشاء مبادرات مجتمعية تعتني بالمسنين الذين لا عائل لهم، لأن في خدمتهم ثوابًا عظيمًا.
كما أشار العالم الأزهري إلى أن من يحنو على كبار السن يجازى من الله خير الجزاء، فالنبي ﷺ قال “ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا”، فإكرام المسن إكرام للدين نفسه، ومن يسقيهم حنانًا يسقيه الله رحمة في الدنيا والآخرة.
كذلك أكد الشيخ عبد العال عزت أن الوحدة والانعزال ابتلاء عظيم، لكنها فرصة للتقرب من الله بالصبر والذكر والدعاء، وعلى المسن أن يملأ وحدته بذكر الله وتلاوة القرآن، ليشعر بالسكينة التي لا يمنحها بشر.
واختتم الشيخ عبد العال عزت حديثه، ناصحًا الأبناء بألا يجعلوا الدنيا تسرقهم من أجمل واجب في حياتهم، وهو البر بالوالدين، قائلًا “من فقد والديه سيفهم متأخرًا أن لا شيء يعوض دفء دعائهما”، داعيًا المجتمع كله إلى الرحمة بكبار السن، فهم بركة البيوت ومفتاح الرضا من الله.
الحنان والوجود الحقيقي مفتاح راحة كبار السن
في النهاية، تبقى الشيخوخة مرحلة تحتاج إلى دفء أكثر من احتياجها إلى دواء، فالكلمة الطيبة قد تعيد الحياة إلى قلب أنهكه الانتظار، والزيارة قد تطفئ نار الوحدة التي تحرق أرواحهم في صمت، كبار السن لا يطلبون المستحيل، فقط حضورًا صادقًا، وسؤالًا يطمئنهم أنهم ما زالوا في البال، وأن حب الأبناء لم يختف خلف زحام الحياة.
ويبقى بر الوالدين أعظم امتحان للإنسانية، فليس البر مالًا يرسل، ولا مكالمة تؤدى على عجل، بل وقتٌ يمنح، وابتسامة تهدى، ويد تمسك بأخرى مرتجفة، فرفقًا بقلوب أرهقها الغياب، وحنانًا بأرواح وهبتنا الحياة، فربما كانت لمسة حب واحدة كفيلة بأن تعيد الأمان إلى قلوب تنتظر فقط ألا تنسى.