تقرير – سوزان الجمال
ولد الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، عام 1938 في قرية أبنود بمحافظة قنا في صعيد مصر، لأب كان يعمل مأذونًا شرعيًا وهو الشيخ محمود الأبنودي، وانتقل إلى مدينة قنا وتحديدًا في شارع بني على حيث استمع إلى أغاني السيرة الهلالية التي تأثّر بها، وأرملته هى المذيعة المصرية نهال كمال وله منها ابنتان آية ونور.
فتعرف “الأبنودي” على تراث المنطقة وثقافتها، واستمع إلى أشعار السيرة الهلالية وأغانيها التي كان أهل الصعيد يتغنون بها، فتأثر بذلك تأثرَا كبيرًا، لاحقًا، عمل الأبنودي على جمع السيرة الهلالية كاملة وفقًا لما سمعه من شعراء الصعيد، وأصدر هذه السيرة في خمسة أجزاء.
وتلقى عبد الرحمن الأبنودي تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس قنا، ثم انتقل إلى القاهرة فدرس في قسم اللغة العربية ضمن كلية الآداب في جامعة القاهرة، وحاز الشهادة الجامعية، واطلع الأبنودي خلال فترة الدراسة على عيون الشعر العربي قديمًا وحديثًا، وأعجب بعدد من الشعراء وعلى رأسهم أبو العلاء المعري.
وظهر عبد الرحمن الأبنودي في فترة شهدت أثناءها الساحة الأدبية تواجد عدد كبير من شعراء العامية المصرية، وفي مقدمتهم فؤاد حداد الذي يعتبره البعض أب العامية المصرية، وصلاح جاهين، وأحمد فؤاد نجم وغيرهم، بالإضافة إلى ذلك مرت مصر في تلك الفترة بتحولات سياسية مهمة كان لها تأثيرها الكبير على الشعراء، ومن ضمنهم عبد الرحمن الأبنودي، ولذا كان من الطبيعي أن تتناول القصائد الأولى التي ألفها الأبنودي مشاكل بيئة الصعيد التي عاش فيها، وأن تجسد أحلام أهل تلك المنطقة وأمانيهم.
وكان أول الدواوين الشعرية التي ألفها الأبنودي هو ديوان “الأرض والعيال”، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1964، وبعده بعامين تعرض الأبنودي للإعتقال بتهمة الإنضمام إلى أحد التنظيمات الشيوعية، فأمضى في سجن القلعة نحو 4 شهور تقريبًا، وفي عام 1967، صدر ديوانه الثاني “الزحمة”، وتبعه ديوانا “عماليات” عام 1968 و”جوابات حراجي القط” في العام التالي.
وكانت علاقة عبد الرحمن الأبنودي بنظام عبد الناصر مضطربة بعض الشيء، فقد قضى عدة شهور في السجن خلال تلك الفترة، ولكن رغم ذلك، كان الأبنودي يكن احترامًا وحبًا كبيرين لشخص عبد الناصر، بيد أن الحال اختلف اختلافًا كليًا خلال حكم الرئيس أنور السادات، إذ عارضه الأبنودي معارضة شديدة، ولاسيما بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1978، وقد هجاه ببضع قصائد نذكر منها: “المد والجزر”، و”لاشك أنك مجنون”.
وأكمل الأبنودي خلال السبعينيات مسيرة إبداعه الشعري، فألف عدة دواوين شعرية نذكر منها ما يلي: “الفصول” عام 1970، و”أنا والناس” عام 1973، وديوانا “بعد التحية والسلام” و”صمت الجرس” عام 1975، و”المشروع الممنوع” عام 1979 وغيرها، وفي فترة الثمانينيات، حقق الأبنودي أشهر إنجازاته عندما تمكن من إصدار السيرة الهلالية في خمسة أجزاء، والتي جميع فيها أشعار شعراء الصعيد وقصصهم عن بني هلال، وبعدها نشر الأبنودي ديوانا “الاستعمار العربي” عام 1991، والجزء الأول من مختاراته الشعرية عام 1994.
وننشر الأبنودي أيضاً كتاب “أيامنا الحلوة”، وهو مجموعة من القصص التي نشرها تباعًا في ملحق جريدة الأهرام، ويسرد فيها حكايات مختلفة عن قريته في الصعيد، ولم تقتصر مساهمات عبد الرحمن الأبنودي على مجال الشعر قط، بل ألف مجموعة من الأغنيات المشهورة التي ترنم بها مطربو مصر والوطن العربي،
ومن أشهر أعمال الأبنودى، السيرة الهلالية التي جمعها من شعراء الصعيد ولمؤلفها، ومن أشهر كتبه كتاب أيامى الحلوة، ويحكي فيه الأبنودي قصصًا وأحداثًا مختلفة من حياته في صعيد مصر، وله العديد من الدواوين الشعرية.
وغنى الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، كبار المطربين أمثال رشدى والعندليب ونجاة وشادية وصباح ووردة وفايزة أحمد ومحمد منير وعلى الحجار، وحصل الأبنودى على جائزة الدولة التقديرية عام 2001، ليكون بذلك أول شاعر عامية مصرى يفوز بجائزة الدولة التقديرية، كما فاز “الأبنودي” بجائزة محمود درويش للإبداع العربى للعام.
وكتب الأبنودي العديد من الأغاني، لنجوم الطرب من أشهرها، عبد الحليم حافظ: “عدى النهار، المسيح، أحلف بسماها وبترابها، إبنك يقول لك يا بطل، أنا كل ما أقول التوبة، أحضان الحبايب، اضرب اضرب، إنذار، بالدم، بركان الغضب، راية العرب، الفنارة، يا بلدنا لا تنامي، صباح الخير يا سينا، أنا كل ما أقول التوبة، الهوا هوايا وغيرها”.
ولمحمد رشدي: “تحت الشجر يا وهيبة، عدوية، وسع للنور، عرباوي”، افايزة أحمد: “يمّا يا هوايا يمّا، مال علي مال، قاعد معاي”، ولنجاة الصغيرة: “عيون القلب، قصص الحب الجميلة”، ولشادية: “آه يا اسمراني اللون، قالي الوداع، أغاني فيلم شيء من الخوف”، ولصباح: “ساعات ساعات”، ولوردة الجزائرية: “طبعًا أحباب، قبل النهاردة، ولمحمد قنديل: “شباكين على النيل عنيكي”، ولماجدة الرومي: “جايي من بيروت، بهواكي يا مصر”، ولمحمد منير: “شوكولاتة، كل الحاجات بتفكرني، من حبك مش بريء، برة الشبابيك، الليلة ديا، يونس، عزيزة، قلبي مايشبهنيش، يا حمام، يا رمان”.
كما كتب أغاني العديد من المسلسلات مثل “النديم”، و”ذئاب الجبل” وغيرها وكتب حوار وأغاني فيلم شيء من الخوف، وحوار فيلم الطوق والإسورة وكتب أغاني فيلم البريء وقد قام بدوره في مسلسل العندليب حكاية شعب الفنان محمود البزاوي، وشارك الدكتور يحيى عزمي في كتابة السناريو والحوار لفيلم الطوق والأسورة عن قصة قصيرة للكاتب يحيى الطاهر عبد الله.
وفي يوم الثلاثاء شيع الشاعر المصري الكبير عبدالرحمن الأبنودي الذي توفي عن 77 عاماً، منهيا سلسلة شائعات عن موته في الآونة الأخيرة والتي سخر منها ذات مرة وهو في المستشفى قائلا “لن أموت قبل أن أخبركم”، ونقل الجثمان من مستشفى للقوات المسلحة بالقاهرة.
حيث كان الأبنودي يعالج إلى الإسماعيلية حيث أجريت مراسم التشييع، ويقام يوم الأربعاء سرداق العزاء للأبنودي في مدينة الإسماعيلية، على بعد نحو 130 كيلومترا شرقي القاهرة.
ونعت رئاسة الجمهورية في مصر الأبنودي “الشاعر الوطني” وقالت في بيان: “إن مصر والعالم العربي فقداً شاعراً عظيماً وقلما أمينا مواطناً غيورا على وطنه وأمته العربية، أثرى شعر العامية من خلال أشعاره وأزجاله الوطنية، وعبرت عن الوطن في أفراحه وأحزانه وفي انتصاراته وآلامه، وسيظل رمزا وطنياً وعربيا”، وأضاف البيان أن الرئيس المصري عبد الفتاح لسيسي قدم العزاء لأسرة الأبنودي في إتصال هاتفي.
ونعت نقابة المهن السينمائية الأبنودي: “فقيد مصر والأمة العربية، كان رمزاً وتأريخا لمراحل مختلفة من الكفاح والنضال في العالم العربي من المحيط إلى الخليج”، أما المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة الذي وصف الأبنودي بالمناضل الكبير فقال في بيان: “حمل على عاتقه على مدى ما يزيد على نصف قرن هموم وطنه، عبر أحلامه وانتكاساته وأفراحه”.
وكرم الأبنودي في عدد من الدول العربية ونال جائزة الدولة التقديرية في الآداب من مصر 2000، وكان أول شاعر عامية يفوز بها كما نال عام 2010 جائزة مبارك “النيل الآن” في الآداب وهي أرفع جائزة في البلاد.