تقرير – سوزان الجمال
تُعَدّ العَشر الأوائل من ذي الحجّة من الأيّام المباركة في الشرع، وقد حثّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، على استغلالها بالأعمال الصالحة وبجهاد النفس، ووصف العمل فيها بأنّه أفضل من الجهاد في سبيل الله تعالى فقال: “ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذِه؟ قالوا: ولَا الجِهَادُ؟ قَالَ: ولَا الجِهَادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بشيءٍ”.
لم يُقيّد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، الأعمال الصالحة في هذه الأيّام بعملٍ مُعيَّن، وجعل الأمر مُطلَقًا، فالعمل الصالح أنواعه كثيرة، ويشمل ذلك ذِكر الله تعالى، والصيام، وصِلة الرَّحِم، وتلاوة القرآن، والحجّ، ممّا يعني اجتماع أجلّ العبادات في الإسلام وأفضلها في هذه الأيّام.
ولفظ الأيّام الوارد في الحديث المذكور، يدلّ على أنّ العمل الصالح يستغرق اليوم كلّه، واليوم في الشرع يبدأ منذ طلوع الفجر وحتى غروب الشمس، وأفضل عمل يستغلّ به المسلم نهار هذه الأيّام هو الصيام، كما أنّ أفضل ما يُستغَلّ فيه الليل صلاة القيام، أمّا حُكم صيام العشر الأوائل من ذي الحجّة فهو مندوب، بينما حُكم قيام الليل أنّه سُنّة.
ورد أنه قد حافظ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، على صيام العَشر من ذي الحجّة، ودليل ذلك ما ورد في السنّة النبويّة من حديث حفصة رضي الله عنها، قالت: “كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ”.
ورد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، صام التسع الأوائل من ذي الحجة ليعلمنا أن أحب العبادة تشغل كل الوقت بذكر الله والصيام هي العبادة التي تستغرق الوقت الكثير، ومن نوى الصيام الله ففي كل لحظة من اللحظات يرتفع له عند الله أجر، حتى وإن كان نائمًا بالنهار.
كما أن خير عبادة في النهار الصيام، ويستحب أن يجعل له وردًا من القرآن أو أن ينوي ختم القرآن في هذه الأيام، وأعظم ما نستجلب به رحمة الله أن نعود لنصحح ما بيننا وبين الله، من خلال التوبة الصحيحة وتجديد العهد مع الله والمحافظة على الصلاة في جماعة والإكثار من الأذكار.
وذهب الفقهاء إلى استحباب صيام الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة باستثناء يوم عيد الأضحى المبارك، أي يوم النحر، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، إذ يحرم على المسلم أن يصوم يوم العيد باتفاق الفقهاء، الذين استدلوا على ذلك بعموم أدلة استحباب الصوم وفَضله، وكون الصوم من الأعمال التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى غيرها من أيّام السنة من عدّة وجوهٍ، وبيان هذه الوجوه فيما يأتي، أقسم الله عزّ وجلّ، بها في القرآن الكريم، والله تعالى لا يُقسم إلّا بشيءٍ عظيمٍ، قال الله تعالى: “وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ” والمقصود بالليالي العَشر، العشر من ذي الحِجّة على الصحيح ممّا ورد عن المُفسِّرين والعلماء.
وتشمل الأيّام العشر من ذي الحجّة أفضل الأيّام، مثل: يوم عرفة وهو يوم الحَجّ الأكبر الذي تُغفَر فيه الذنوب والخطايا، وتُعتَق فيه الرِّقاب من النار، ومنها أيضاً يوم النَّحر، لقَوْل النبيّ عليه الصلاة والسلام: “إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ ثمَّ يومُ القُرِّ”، تُؤدّى فيها فريضة الحجّ التي تُعَدّ من أعظم الفرائض.
وشَهِدَ لها رسول الله عليه الصلاة واسلام، بأنّها أعظم أيّام الدُّنيا إذ قال: “ما مِن أيَّامٍ أعظَمُ عِندَ اللهِ ولا أحَبُّ إليه مِن العَمَلِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشرِ، فأكثِروا فيهنَّ مِن التَّهليلِ والتَّكبيرِ والتَّحميدِ”، و تجتمع فيها أمّهات العبادت فيها، كما أخرج الإمام البخاريّ عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: “ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذِه؟ قالوا: ولَا الجِهَادُ؟ قَالَ: ولَا الجِهَادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بشيءٍ”.
وهناك عباداتٌ مُستحَبّةٌ في الأيّام العَشر من ذي الحِجّة، يجدر بالمسلم استغلال الأيّام العَشر من ذي الحِجّة بالعديد من العبادات، والأعمال الصالحة، يُذكَر منها أداء شعائر الحَجّ والعُمرة، وذلك أفضل ما يُؤدّى من العبادات في ذي الحِجّة، إذ ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: “العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ”.
ويُخَصّ منه صيام يوم عرفة، وقد ورد في فَضْل صيامه قَوْل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ”، التكبير، والتحميد، والتهليل، والذِّكر، فهي الأيّام المعلومات التي ورد الحضّ فيها على ذلك. التوبة، والاستغفار، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي.
بالإضافة إلى التقرُّب إلى الله بالصلاة، والدعاء، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المُنكَر. الأُضحية، اقتداءً بالنبيّ عليه الصلاة والسلام، إذ ثبت أنّ أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا”.
والحرص على أداء صلاة العيد، أداء مختلف الأعمال الصالحة من الصدقات، وقراءة القرآن، وإكرام الضيف، وصِلَة الرَّحِم، وحِفظ اللسان، وبِرّ الوالدين، والدعاء لهما، والحرص على صلاة السُّنَن الرواتب، وإدخال السرور على قلوب الآخرين، وغير ذلك من صالح الأعمال.
ومن فضل العمل الصالح في عشر ذي الحجة، ورد أن كلَّ عملٍ صالحٍ في هذه العشر محبوبٌ مطلوبٌ، داخلٌ في جميلِ الموعود وكريمِ الفضل، فليستْ هذه العشرُ مقصورةً على لون واحد من التعبُّد، بل هي مضمارٌ لاستباق الخيرات، وميدانٌ فسيحٌ للباقيات الصالحات، يتنافس فيه المتنافسون، ويجتهد فيه المُخبتون، ولهم في سلوكهم إلى الله مسالك شتَّى.
وردت العديد من الأحاديث النبويّة التي تُبيّن فَضْل العمل في العَشر الأولى من ذي الحِجّة، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومنها قَوْله: ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذِه؟ قالوا: ولَا الجِهَادُ؟ قَالَ: ولَا الجِهَادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بشيءٍ”.
إذ دلّ الحديث على أنّ العَشر من ذي الحِجّة أفضل أيّام السنة، وأنّ العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله من العمل في غيرها من أيّام السنة، وقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديثٍ آخر: “ما من عملٍ أزكى عند اللهِ ولا أعظمَ أجرًا من خيرٍ يعملُه في عَشرِ الأَضحى”، وقوله أيضًا: “ما مِن أيَّامٍ أعظَمُ عِندَ اللهِ ولا أحَبُّ إليه مِن العَمَلِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشرِ، فأكثِروا فيهنَّ مِن التَّهليلِ والتَّكبيرِ والتَّحميدِ”.
وعن السؤال هل يجوز الجمع بين نية القضاء ونية صيام العشر من ذي الحجة، قالت دار الإفتاء المصرية، إنه يجوز الجمع بين نية قضاء فوائت رمضان وصيام التسع من ذي الحجة، لأن الصيام هنا يكون عبادة مخصوصة بذاتها وهي صيام قضاء رمضان وليس صيام التسع من ذي الحجة، منوهة بأن الصيام يكون تسعة أيام فقط لأن اليوم العاشر يكون يوم النحر، ويوم عيد وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام ذلك اليوم.
من جانبه قال الشيخ محمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن من كان عليه قضاء أيام من رمضان ويريد أن يصوم العشر الأوائل من ذي الحجة بنية صوم ما عليه من رمضان فيجوز ولا حرج في ذلك، مشيرًا إلى أن صوم يوم عرفة يكفر سنتين “السابقة” و”اللاحقة”.