تقرير – سوزان الجمال
اتّفق الفقهاء جميعًا على استحباب وفضل صيام يوم عرفة، وصيامه أفضل من صيام غيره من الأيّام باستثناء صيام فريضة رمضان، ولصيامه فضل عظيم يترتّب عليه، فهو يُوجِب مغفرة الله تعالى للعبد، كما يُستحَبّ في هذا اليوم الإكثار من الأعمال الصالحة.
كالحرص على أداء النوافل، والإكثار من ذِكر الله تعالى، والصدقة في سبيل الله، فللأعمال الصالحة في هذا اليوم فضل عظيم، ويتفضلّ الله سبحانه على عباده في يوم عرفة بعدد من الفضائل، إذ يعتق فيه رقاب العباد من النار، ويغفر لهم.
وتجتمع في يوم عرفة عدّة خصائص من شأنها أن تجعل له مكانة عظيمة، يُعَدّ من أيّام شهر ذي الحجّة الذي هو من الأشهر الحرم، كما أنَّ شهر ذي الحجّة من أشهر الحجّ، ويوم عرفة من الأيّام التي أثنى الله تعالى عليها في القرآن الكريم واصفًا إيّاها بالأيّام المعلومات، فقد قال: “لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ”.
يُعَدّ من الأيّام العَشر التي أقسم الله تعالى بها في سورة الفجر، قال تعالى: “وَلَيَالٍ عَشْرٍ”، وهذا دليل على شرفها وعظمها، يُعَدّ من الأيّام التي لها فضل وميّزة على باقي أيام السنّة، وفيه أتمّ الله نعمته على الأمّة الإسلاميّة، وأكمل لهم دينهم، قال تعالى: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا”.
ومن أدلّة من السنّة على فضل يوم عرفة، هناك العديد من الأحاديث النبويّة التي تبيّن فضل يوم عرفة العظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حديث صيام يوم عرفة: “صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ”.
وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “ما مِن أيَّامٍ العمَلُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللَّهِ مِن هذهِ الأيَّامِ العَشر فقالوا: يا رسولَ اللَّهِ ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ إلَّا رجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ”.
ومن عِظم رحمة الله تعالى فيه، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث: “ما رُئِيَ الشَّيطانُ يَومًا هو فيه أصغَرُ، ولا أدحَرُ، ولا أحقَرُ، ولا أغيَظُ منه يَومَ عَرَفةَ، وما ذاك إلَّا لِمَا يَرى مِن تَنزُّلِ الرَّحمةِ، وتَجاوُزِ اللهِ عنِ الذُّنوبِ العِظامِ”، وقال النبيّ “ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمُ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟”، “إنَّ اللهَ يُباهي بأهلِ عَرَفاتٍ أهلَ السَّماءِ، فيَقولُ لهم: انظُروا إلى عِبادي جاؤوني شُعْثًا غُبْرًا”.
يُعَدّ يوماً للتكبير وهو رُكن الحَجّ، وقال عليه الصلاة والسلام: “الحَجّ عَرَفةٌ أوْ عَرَفاتٌ، فمَنْ أَدْرَكَ عَرَفةَ قبلَ طُلوعِ الفَجْرِ فقد أَدْرَكَ الحَجَّ”، يُعَدّ من أيّام العيد بالنسبة إلى حُجّاج البيت الحرام، وقال عليه الصلاة والسلام: “يومُ عرفةَ ويومُ النَّحرِ وأيَّامُ التَّشريقِ عيدَنا أَهلَ الإسلامِ، وَهيَ أيَّامُ أَكلٍ وشربٍ”.
وتجدر الإشارة في البداية إلى أنّ شروط الصيام واحدة، سواء صيام الفريضة أو النافلة، ولا يوجد ما يسمّى بـ “شروط صيام يوم عرفة”، أمّا حكم الصيام يوم عرفة عند الفقهاء كما يأتي،
ذهبوا إلى كراهة الصوم للحاجّ في يوم عرفة، وقيَّد الحنفيّة الكراهة بشرط أن يُضعِف الصومُ الحاجَّ.
وذهبوا الشافعية إلى جواز صيام عرفة للحاجّ، واشترط الشافعية أن يكون الحاجّ مُقيمًا في مكّة وذهب إلى عرفة في الليل، أمّا إن كان ذهابه إلى عرفة من مكّة في النهار فصيامه مُخالف للأولى، بينما يُسَنّ الفِطْر للمسافر مُطلقاً عند الشافعية، والحنابلة يُستحَبّ عندهم أن يصوم الحاجّ يوم عرفة، إلّا أنّهم اشترطوا أن يكون وقوفه في عرفة في الليل، وليس في النهار، فإن وقف فيه في النهار فصومه مكروه.
ويُشار إلى أنّ السبب في استحباب الفِطر في يوم عرفة، لِمَن كان واقفًا في عرفة أنّ الحاجّ بفِطره يقوى على الطاعة والدعاء، فالصوم قد يُتعِب الحاجّ ويُضعِفه عن الدعاء، والإكثار من الصلاة، والذِّكر، فيوم عرفة يوم ذكر ودعاء، وقد أفطر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم عرفة، قالت لبابة بنت الحارث: “أنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَومَ عَرَفَةَ في صَوْمِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: هو صَائِمٌ، وقالَ بَعْضُهُمْ: ليسَ بصَائِمٍ، فأرْسَلَتْ إلَيْهِ بقَدَحِ لَبَنٍ وهو واقِفٌ علَى بَعِيرِهِ، فَشَرِبَهُ”
يُندَب لغير الحاجّ صيام يوم عرفة، وهو سنّة مؤكدة في حقّه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ”، يستحبّ صيام الأيام الثمانية الأولى من ذي الحجة باتّفاق الفقهاء، والتي تسبق عرفة، سواء للحاج أو غيره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ما مِن أيَّامٍ العمَلُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللَّهِ مِن هذهِ الأيَّامِ العَشر”.
فهناك أدعية لها فضل كبير في يوم عرفة، حيث أن هذه الليلة لها فضل عظيم، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، حيث قال: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير”.
وروى الترمذي عن علي بن أبي طالب قال: “أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في الموقف اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرًا مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي ولك رب تراثي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يجئ به الريح”.
ويوم عرفة هو الركن الأكبر من الحج، وفيه يقف الحجاج على جبل عرفة من شروق يوم التاسع من ذى الحجة بعد عودتهم من منى في يوم التروية حتى طلوع الفجر من ليلة النحر، وهذه أفضل الأيام عند الله، فيباهي الله بأهل الأرض أهل السماء، هو يوم إكمال الدين فلم يكن المسلمون قد حجوا قبل ذلك وإتمام النعمة من الله على عباده بأن غفر لهم فى هذا اليوم.
ويعتبر يوم عرفة هو أحد الأيام الأعظم أجرًا عند الله، وأحد أيام الأشهر الحرم، وهي رجب ومحرم وذى القعدة وذى الحجة، وأنه يوم مغفرة من الذنوب وعتق من النار، ومن الأعمال التى يستحب القيام بها يوم عرفة، الصيام: فقد سئل النبي صلّى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة فقال: “أحتسب عند الله أن يكفر السنة التى قبله والسنة التى بعده”، ولكن يستحب الصيام لغير الحاج.