تقرير – وفاء العسكري
يصادف يوم 7 يونيه ذكرى رحيل الشيخ إمام، واسمه الحقيقي إمام محمد أحمد عيسى، ولد في 2 يوليو 1918 وتوفي 7 يونيو 1995، ولد في قرية أبو النمرس بمحافظة الجيزة لأسرة فقيرة.
ويعتبر إمام أول من يعيش للأسرة من الذكور حيث مات منهم قبله سبعة، ثم تلاه أخ وأخت، وأصيب في السنة الأولى من عمره بالرمد الحبيبي، وفقد بصره بسبب الجهل واستعمال الوصفات البلدية في علاج عينه.
وقضى “إمام” طفولته في حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ عبد القادر ندا، رئيس الجمعية الشرعية بابي النمرس في ذلك الوقت، وتميز الشيخ إمام بذاكرة قوية مما لفت الأنظار له منذ البداية.
طفولة الشيخ إمام
كان يحلم والده أن يكون ابنه شيخًا كبيرًا لكنه كان قاسيًا في معاملته، أما والدته فكانت النبع الذي ارتوى منه إمام بالحنان في طفولته وعوضه فقد بصره.
حيث عاير الأطفال “إمام” بالعمى مما دفع والدته للبكاء الدائم، وكان إمام يندس في مواسم الأفراح والحج، وسط الحريم ليسمع غناءهن وأهازيجهن، فنشأ صاحب أذن موسيقية.
فصل الشيخ إمام من الجمعية
ولازم إمام حب الاستماع للشيخ محمد رفعت، وكان الاستماع للإذاعة من ممنوعات الجمعية لكونه بدعة، مع أنه كان يستمع للقرآن، إلا أن الجمعية قررت فصله بالإجماع.
وذلك عندما سمع أبوه بما حدث لابنه من فصل من الجمعية، بحث عنه فوجده يقضى نهاره في الحسين وليله في الأزهر حيث كان ينام، فأهانه وضربه وحذره من العودة لقريته مرة أخرى، نظرًا للجريمة التي اقترفها بتسببه في فصله من الجمعية.
وبعدها مباشرة توفيت والدة الشيخ إمام التي كانت أعز ما لديه في الدنيا، والتي كانت الداعم الأول له من وجهة نظره، ولم يتمكن من تشييعها لقبرها، وبالفعل لم يعد لقريته إلا حين مات أبوه.
بداية احتراف إمام الموسيقى
وفى إحدى زياراته لحي الغورية قابل “إمام” مجموعة من أهالي قريته، فأقام معهم وامتهن الإنشاد وتلاوة القرآن الكريم، وكسائر أحداث حياته التي شكلتها الصدفة التقى الشيخ إمام بالشيخ درويش الحريري أحد كبار علماء الموسيقى.
وأعجب به الشيخ الحريري بمجرد سماع صوته، وتولى تعليمه الموسيقى، واصطحب “الحريري” تلميذه في جلسات الإنشاد والطرب، فذاع صيته وتعرف على كبار المطربين والمقرئين، أمثال زكريا أحمد والشيخ محمود صبح، وبدأت حياة الشيخ في التحسن.
وفي منتصف الثلاثينيات كان الشيخ إمام قد تعرف على الشيخ زكريا أحمد، عن طريق الشيخ درويش الحريري، فلزمه واستعان به الشيخ زكريا في حفظ الألحان الجديدة، واكتشاف نقط الضعف بها.
حيث كان زكريا أحمد ملولا، لا يحب الحفظ فاستمر معه إمام طويلا، وكان يحفظ ألحانه لأم كلثوم قبل أن تغنيها، وكان “إمام” يفاخر بهذا، حتى أن ألحان زكريا أحمد لأم كلثوم بدأت تتسرب للناس، قبل أن تغنيها أم كلثوم.
ومن الأغاني التي تسربت “أهل الهوى” و”أنا في انتظارك” و”آه من لقاك في أول يوم” و”الأولة في الغرام”، فشك الشيخ زكريا في الشيخ إمام، وقرر الاستغناء عن “إمام”.
وكان لهذه الواقعة أثر في تحويل دفة حياة الشيخ إمام مرة أخرى، عندما قرر تعلم العزف على العود، وبالفعل تعلم على يد كامل الحمصاني، وبدأ “إمام” يفكر في التلحين، حتى إنه ألف كلمات ولحنها.
وبدأ “إمام” يبتعد عن قراءة القرآن، وتحول لمغن واستبدل ملابسه الأزهرية بملابس مدنية، حتى تتماشى مع ما يغنيه في ذلك الوقت، ولا يتحدث أحد عن ملابسه الأزهرية وهو يتنغم بالموسيقى.
اللقاء بين إمام وفؤاد نجم
وفي عام 1962 التقى الشيخ إمام بأحمد فؤاد نجم رفيق دربه، وتم التعارف بين نجم وإمام عن طريق زميل لابن عم نجم كان جارًا للشيخ إمام، فعرض على نجم الذهاب لإمام والتعرف عليه، وبالفعل ذهب نجم للقاء الشيخ إمام وأعجب كلاهما بالآخر.
وعندما سأل نجم إمام لماذا لم يلحن أجابه الشيخ إمام أنه لا يجد كلامًا يشجعه، وبدأت الثنائية بين الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، وتأسست شراكة دامت سنوات طويلة.
ويُعتبر أن الدور المباشر الذي لعب الشاعر أحمد فؤاد نجم في حِراك الشارع العربي، هو بفضل عبقرية الشيخ إمام، وفي رأي أحمد فؤاد نجم كان الشيخ إمام مثل عبد الوهاب مغنيًا عظيمًا ومتفردًا.
وذاع صيت الثنائي نجم وإمام والتف حولهما المثقفون والصحفيون، خاصة بعد أغنية: “أنا أتوب عن حبك أنا؟”، ثم “عشق الصبايا”، و”ساعة العصاري”، واتسعت الشركة فضمت عازف الإيقاع محمد علي.
فكان ثالث ثلاثة كونوا فرقة للتأليف والتلحين والغناء، وساهم فيها العديد لم تقتصر على أشعار نجم، فغنت لمجموعة من شعراء عصرها أمثال: فؤاد قاعود، وسيد حجاب ونجيب سرور، وتوفيق زياد، ونجيب شهاب الدين، وزين العابدين فؤاد، وآدم فتحي، وفرغلي العربي، وغيرهم.
التحول النوعى في أعمال الشيخ إمام
ومثل غيره من المصريين زلزلت هزيمة حرب يونيو 1967 إمام، وسادت نغمة السخرية والانهزامية بعض أغانيها، مثل: “الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا، يا محلى رجعة ظباطنا من خط النار”، و”يعيش أهل بلدى وبينهم مفيش، تعارف يخلى التحالف يعيش”.
إلى جانب “وقعت م الجوع ومن الراحة، البقرة السمرا النطاحة”، وسرعان ما اختفت هذه النغمة الساخرة الانهزامية، وحلت مكانها نغمة أخرى مليئة بالصحوة والاعتزاز بمصر، مثل “مصر يا أمة يا بهية، يا أم طرحة وجلابية”.
وانتشرت قصائد نجم التي لحنها وغناها الشيخ إمام كالنار في الهشيم، داخل وخارج مصر، فكثر عليها الكلام واختلف حولها الناس بين مؤيدين ومعارضين، في البداية استوعبت الدولة الشيخ وفرقته وسمحت بتنظيم حفل في نقابة الصحفيين.
وفتحت الفرقة أبواب الإذاعة والتليفزيون، ولكن سرعان ما انقلب الحال بعد هجوم الشيخ إمام في أغانيه، على الأحكام التي برئت المسئولون عن هزيمة 1967، فتم القبض عليه هو ونجم ليحاكما بتهمة تعاطي الحشيش سنة 1969.
ولكن القاضي أطلق سراحهما، لكن الأمن ظل يلاحقهما ويسجل أغانيهم، حتى حكم عليهما بالسجن المؤبد، ليكون الشيخ أول سجين بسبب الغناء في تاريخ الثقافة العربية.
فترة هزيمة الثنائي
وقضى الشيخ إمام ونجم الفترة من هزيمة يوليو حتى نصر أكتوبر، ليتنقلوا من سجن إلى آخر ومن معتقل إلى آخر، وكان يغني وهو ذاهب إلى المعتقلات أغنيته المشهورة “شيد قصورك” ومن قضية إلى أخرى، حتى أفرج عنهم بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.
في منتصف الثمانينيات تلقى الشيخ إمام دعوة من وزارة الثقافة الفرنسية، لإحياء بعض الحفلات في فرنسا، فلاقت حفلاته إقبالًا جماهيريًا كبيرًا، وبدأ في السفر في جولة بالدول العربية والأوروبية، لإقامة حفلات غنائية لاقت كلها نجاحات عظيمة.
ولكن بدأت الخلافات في هذه الفترة تدب بين ثلاثي الفرقة الشيخ إمام ونجم ومحمد علي عازف الإيقاع، ولم تنته إلا قبل وفاة الشيخ إمام بفترة قصيرة.
دعم إمام للقضية الفلسطينية
وناصر الشيخ إمام القضية الفلسطينية وغنى لها العديد من الأناشيد، منها “يا فلسطينية”، و”فلسطين دولة بناها الكفاح” وغيرها، وفى منتصف التسعينات آثر الشيخ إمام الذي جاوز السبعين العزلة، والاعتكاف في حجرته المتواضعة بحي الغورية.
ولم يعد يظهر في الكثير من المناسبات كالسابق حتى توفى في هدوء في 7 يونيو 1995، تاركًا وراءه أعمالًا فنية نادرة، ومن أشهر أغانيه بعد حرب 67، وشرفت يا نكسون بابا، له أغنية هى الأشهر في نكسة يونيو وهى “الحمد لله” وفيها: أغنية صباح الخير على الورد اللي فتح في جناين مصر.
أشهر أغاني الشيخ إمام
وتعتبر أغنية يا خواجه يا ويكا من أشهر أغاني الشيخ إمام، إلى جانب يا فلسطينيا على يوتيوب، انادينكم، مصر يمه يا بهية، جيفارا مات، يا بلح أبريم، بقرة حاحا، الحمد لله خبطنا تحت بتطنا، أنا رحت القلعة وشفت ياسين.
إلى جانب أغنية نيكسون بابا، شيد قصورك، وصلات خارجية، بحبك بحبك يا مصر، شرفت يا نكسون بابا، صباح الخير علا الورد اللي فتح في جناين مصر، البحر بيضحك ليه، الجدع جدع، شرم برم، الفول واللحمه، ابوك السقا مات، يا كارتر يا ندل، كلب الست.
بالإضافة إلى أغنية ابوح يا ابوح، الخواجه الأمركاني، يا أم المتطاهر، إيران يا مصر، ديستان الرومانتيكي، هما مين واحنا مين، شيد قصورك، الشحاتين “الحمد لرب مقتدر”، وهبت عمري، اتجمعو العشاق في سجن القلعة، اغنية جايزة نوبل، البتاع، شقع بقع، أغنية سيما، يا عرب، أغنية السلام.
كما غنى الشيخ إمام أغنية عم السيد “فرخة خالتي مباركة”، ع المحطه، مجلس الانس، ده شيعه واحنا سنه، سلام يا أرضنا، قوقه المجنون، حلاويللا، نويت أصلى، دللي الشيكاره، كلمتين يا مصر، أنا الأديب وأنتم ناسي.