تقرير – وفاء العسكري
ظهرت البدايات الشهيرة للمملكة المصرية المستقلة في عهد أسرة محمد علي باشا عام 1922 حتى فترة المعاهدة الإنجليزية المصرية في عام 1936، وليس شائعًا ما حدث لنقل مصر من مملكة إلى جمهورية.
فتعتبر المملكة المصرية هى الدولة المصرية المستقلة، التي أنشئت بعد إعلان المملكة المتحدة استقلال مصر نتيجة تصريح 28 فبراير 1922، وكانت المملكة مستقلة اسميًا حيث احتفظ الإنجليز بالسيطرة على العلاقات الخارجية للبلد والاتصالات.
إلى جانب السيطرة على الجيش والسودان الإنجليزي المصري، وقد واصل البريطانيون الحفاظ على الوجود العسكري في البلاد، والمستشارين السياسيين بين عامي 1936 و1952 ولكن على مستوى منخفض.
وكان الوضع القانوني لمصر شديد التعقيد بسبب انفصالها الفعلي عن الإمبراطورية العثمانية منذ عام 1805، واحتلالها من قبل بريطانيا عام 1882، ثم تحويلها إلى سلطنة ومحمية بريطانية عام 1914، وتماشيًا مع تغير الوضع من سلطنة إلى مملكة، تم تغيير لقب فؤاد الأول وابنه فاروق الأول من سلطان مصر إلى لقب ملك مصر والسودان.
وتعرضت سيادة المملكة لقيودٍ شديدةٍ من قبل الإنجليز، الذين كانوا يحتفظون بالسيطرة الكبرى على الشؤون المصرية، واستمر وجود جيشهم في قاعدة قناة السويس حيث كان السودان متحدًا رسميًا مع مصر.
ومع ذلك كانت للسلطة المصرية فيه أسمية إلى حد كبير بسبب دور بريطانيا قوةً مهيمنة في السودان الإنجليزي المصري، وأصبح فؤاد الأول الملك الأول للدولة الحديثة، ثم خلفه ابنه فاروق الأول عام 1936، ثم فؤاد الثاني عام 1952 كآخر ملوك مصر بعد قيام ثورة عام 1952، من قبل الضباط الأحرار بقيادة اللواء محمد نجيب التي انتهت بإعلان الجمهورية.
وكان الخديوي عباس حلمي الثاني بجانب الخلافة العثمانية، والقوى المركزية في الحرب العالمية الأولى، فخلعه الإنجليز فور اندلاع الحرب، ونُصّب عمه حسين كامل وأعلِن سلطانًا على مصر وأصبحت البلاد محمية بريطانية.
وتميز عهد الملك فاروق بتزايد السخط القومي على الاحتلال البريطاني، والفساد الملكي، وعدم الكفاءة، والحرب العربية الإسرائيلية 1948 المأساوية، وكل هذه العوامل أدت إلى إضعاف موقف فاروق بشكل نهائي ومهدت الطريق لثورة 1952.
واضطر فاروق للتنازل عن العرش لصالح ابنه الرضيع أحمد فؤاد الذي غدا الملك فؤاد الثاني، في حين انتقل حكم البلاد لحركة الضباط الأحرار تحت قيادة محمد نجيب وجمال عبد الناصر، واستمر عهد الملك الرضيع أقل من عام.
ففي 18 يونيو 1953 ألغى الثوار رسميًا النظام الملكي، وأعلنوا مصر جمهورية ما أنهى قرنًا ونصف القرن من حكم سلالة محمد علي باشا، لتتحول مصر من النظام الملكي للنظام الجمهوري ويتولى محمد نجيب كأول رئيس جمهوري لمصر.
وتعتبر جمهورية مصر العربية هى دولة عربية عابرة للقارات، تمتد على الركن الشمالي الشرقي لإفريقيا والركن الجنوبي الغربي من آسيا، عبر جسر بري شكلته شبه جزيرة سيناء، وقُدِّر عدد سكانها بأكثر من 105.5 مليون نسمة، ليكون ترتيبها الخامس عشر بين دول العالم بعدد السكان والأكثر سكانًا عربيًا وشرق أوسطيًا.
حيث يحد مصر شمالًا البحر المتوسط وجنوبًا السودان، وشرقًا البحر الأحمر ومن الشمال الشرقي قطاع غزة وفلسطين وغربًا ليبيا، وتبلغ مساحتها نحو 1,010,408 كيلومتر مربع، والمساحة المأهولة تبلغ 78,990 كم2 بنسبة 7.8% من المساحة الكلية.
وتُقسَّم مصر إداريًا إلى 27 محافظة، وتنقسم كل محافظة إلى تقسيمات إدارية أصغر وهى المراكز أو الأقسام، ويتركز أغلب سكان مصر في وادي النيل وفي الحضر، ويشكل وادي النيل والدلتا أقل من 4% من المساحة الكلية للبلاد، أي نحو 33000 كم2، وأكبر الكتل السكانية هى القاهرة الكبرى التي بها تقريبًا ربع السكان.
وتليها الإسكندرية كما يعيش أغلب السكان الباقين في الدلتا، وعلى ساحلي البحر المتوسط والبحر الأحمر ومدن قناة السويس، وتشغل هذه المناطق ما مساحته 40 ألف كيلومتر مربع، بينما تشكل الصحراء غير المعمورة غالبية مساحة البلاد بنسبة بين 95% و 96%.
وتشتهر مصر بأنَّ بها إحدى أقدم الحضارات على وجه الأرض، حيث بدأ البشر بالنزوح إلى ضفاف النيل والاستقرار، وبدأ في زراعة الأرض وتربية الماشية منذ نحو 10,000 سنة، وتطوَّر أهلها سريعًا وبدأت فيها صناعات بسيطة وتطوَّر نسيجها الاجتماعي المترابط، وكوَّنوا إمارات متجاورة مسالمة على ضفاف النيل تتبادل التجارة.
وتشهد على ذلك حضارة البداري منذ نحو 7000 سنة وحضارة نقادة “4400 سنة قبل الميلاد – نحو 3000 سنة قبل الميلاد”، وكان التطوَّر الطبيعي لها أن تندمج مع بعضها البعض شمالًا وجنوبًا وتوحيد الوجهين القبلي والبحري.
وبدأ الحكم المركزي الممثل في بدء عصر الأسرات “نحو 3000 سنة قبل الميلاد”، وتبادلت التجارة مع جيرانها حيث تُعد مصر من أوائل الدول التجارية، وكان لابتكار الكتابة في مصر أثرًا كبيرًا على مسيرة الحياة في البلاد وتطورها السريع، وكان المصري القديم مولعًا بالكتابة.
وكذلك شهدت مصر القديمة تطورًا في مجالات الطب والهندسة والحساب، حيث تُعد اللغة المصرية القديمة من أقدم لغات العالم، واستمرت أكثر من 3000 سنة، واخترع المصريون القدماء الكتابة الهيروغليفية، فهى اللغة الرسمية لها، ووفقًا للدستور الدين الرسميّ الإسلام، ونظام الحكم فيها جمهوري ديمقراطي.
وتُعدُّ مصر من الأعضاء المؤسسين لجامعة الدول العربية، ويوجد بها المقر الرئيسي لها، كذلك تعد من الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة حيث انضمَّت لها عام 1945، بالإضافة إلى عضويتها بالاتحاد الإفريقي، وكذلك تُعد مصر عضوًا في العديد من الاتحادات والمنظمات الدولية، ولديها العديد من العلاقات الدبلوماسية مع أغلب دول العالم.
وتعود تسمية مصر إلى مصطلح “AEGYPTOS” والتي تعني معبد روح الإله بتاح “إله الخلق في الديانة المصرية القديمة”، ويظهر على عملة رومانية قديمة، واسم مصر في اللغة العربية واللغات السامية الأخرى نسبة إلى مصرايم بن حام بن نوح، وقالت عنه النصوص الآرامية السوريانية “مصرين”.
ويفسر البعض الاسم بأنه مشتق من جذر سامي قديم قد يعني البلد أو البسيطة “الممتدة”، وقد يعني أيضًا الحصينة أو المكنونة، يعرفها العرب باسم “مِصر” ويسميها المصريون في لهجتهم “مَصر”، وأما الاسم الذي عرف به الفراعنة موطنهم في اللغة هو كِمِيت أو كيمي “ⲭⲏⲙⲓ “.
ويشير مصطلح “ⲭⲏⲙⲓ ” إلى الأرض السوداء، وكناية عن أرض وادي النيل السوداء تمييزًا لها عن الأرض الحمراء الصحراوية دِشْرِت المحيطة بها، “مجر” التي كانت تعني معني “الدرء”، ومعنى البلد “المكنون” أو “المحصور” واشتقت من كلمة “جرو” بمعني الحد.
وتعرف مصر بالأسماء العديدة في اللغات الأوربية مشتقة من اسمها في اللاتينية إجبتوس “Aegyptus” المشتق بدوره من اللفظ اليوناني “أيجيبتوس Αίγυπτος”، الذي يرجع إلى وحي خيال هوميروس في أسطورته، التي ألفها في وقت يقع بين عامي 1600 و 1200 قبل الميلاد.
وأطلق البطالمة لفظ “إيجيبتوس” على مصر وسكانها من وحي أسطورة هوميروس المشار إليها، فقد أطلق الإغريق اسم “آيجوبتوس” على النيل وأرض النيل في آن واحد، ثم قصروه على مصر نفسها وكتبه الرومان بعدهم “آيجيبتوس”، ولعل أقرب المسميات المصرية المحتملة إلى اسم “آيجوبتوس” ومشتقاته هو اسم آجبي ومترادفاته آجب وآجبة، وإجب وإكب.
وتتكون أرض مصر من نواة أركية قديمة فهى جزء من الكتلة العربية النوبية، والتي تُعد جزءًا من الدرع الإفريقي، والذي كان يُمثل قلب قارة جوندوانا في العصر الأركي، وقد تعرّض الدرع الإفريقي بمختلف أجزائه لتأثيرات العديد من العوامل عبر العصور.
لذلك أخذت أرض مصر تنمو صوب الشمال على حساب بحر تيثيس، وبلغت مصر عند منصرم الزمن الجيولوجي الثالث مساحتها الحالية، وتشكلت ملامح سطحها وسواحلها كما هي الآن في الزمن الرابع. وقد تكونت التربة المصرية في وادي النيل ودلتاه من تراكم طمي النيل.
وبعد تعريف مصر ننتقل للتعرف عن حياة أول رئيس جمهوري في مصر، وهو اللواء محمد بك نجيب يوسف قطب القشلان وهو سياسي وعسكري مصري، ويعتبر أول رئيس لجمهورية مصر بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية في “18 يونيو 1953”.
كما يعد “نجيب” قائد ثورة 23 يوليو 1952 التي انتهت بعزل الملك فاروق ورحيله عن مصر، وتولى منصب رئيس الوزراء في مصر خلال الفترة من “8 مارس 1954 ـ 18 أبريل 1954″، وتولى أيضًا منصب القائد العام للقوات المسلحة المصرية ثم وزير الحربية عام 1952.
وولد محمد نجيب بالسودان والتحق بكلية غردون ثم بالمدرسة الحربية، وتخرج فيها عام 1918، ثم التحق بالحرس الملكي عام 1923، وحصل على ليسانس الحقوق في عام 1927، وكان أول ضابط في الجيش المصري يحصل عليها.
وحصل “نجيب” على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام 1929، ودبلوم آخر في الدراسات العليا في القانون الخاص عام 1931، وفي ديسمبر 1931 رقي إلى رتبة اليوزباشي “نقيب”، ونقل إلى سلاح الحدود عام 1934 في العريش.
ثم أصبح “اللواء محمد نجيب” ضمن اللجنة التي أشرفت على تنظيم الجيش المصري في الخرطوم بعد معاهدة 1936، وقد أسس مجلة الجيش المصري عام 1937، ورقي لرتبة الصاغ “رائد” في 6 مايو 1938.
وقدم محمد نجيب استقالته عقب حادث 4 فبراير 1942، الذي حاصرت فيه الدبابات البريطانية قصر الملك فاروق، لإجباره على إعادة مصطفى النحاس إلى رئاسة الوزراء، وقد جاءت استقالته احتجاجًا لأنه لم يتمكن من حماية ملكه، الذي أقسم له يمين الولاء.
إلا أن المسؤولين في قصر عابدين شكروه بامتنان ورفضوا قبول استقالته، ورقي إلى رتبة القائمقام “عقيد” في يونيو 1944، وفي تلك السنة عين حاكمًا إقليميًا لسيناء، وفي عام 1947 كان مسؤولا عن مدافع الماكينة في العريش، ورقي لرتبة الأميرالاي “عميد” عام 1948.
وشارك “نجيب” في حرب فلسطين عام 1948 وأصيب 7 مرات، فمنح نجمة فؤاد العسكرية الأولى تقديراً لشجاعته بالإضافة إلى رتبة البكوية، وعقب الحرب عين مديرًا لمدرسة الضباط، وتعرف على تنظيم الضباط الأحرار من خلال الصاغ عبد الحكيم عامر.
وفي 23 يوليو عام 1952 نفذت الحركة خطة يوليو والتي سميت بـ “الحركة التصحيحية”، وانتهت بتنازل الملك فاروق عن العرش لوريثه ومغادرة البلاد، وفي عام 1953 أصبح نجيب أول رئيس للبلاد بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية.
وبالرغم من الدور السياسي والتاريخي البارز لمحمد نجيب، إلا أنه بعد الإطاحة به من الرئاسة شُطب اسمه من الوثائق، وكافة السجلات والكتب ومنع ظهوره أو ظهور اسمه تمامًا طوال ثلاثين عامًا حتى اعتقد الكثير من المصريين أنه قد توفي، وكان يذكر في الوثائق والكتب أن عبد الناصر هو أول رئيس لمصر.
واستمر هذا الأمر حتى أواخر الثمانينيات عندما عاد اسمه للظهور من جديد، وأعيدت الأوسمة لأسرته، وأطلق اسمه على بعض المنشآت والشوارع، وفي عام 2013 منحت عائلته قلادة النيل العظمى، حيث تلقى تعليمه بمدينة ود مدني عام 1905 حيث حفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، انتقل والده إلى وادي حلفا عام 1908 فالتحق بالمدرسة الابتدائية هناك، ثم التحق بكلية الغوردون عام 1913.
كانت أولى قرارات نجيب هى إنشاء قوات الحرس الوطني، وهى قوة عسكرية قائمة على التطوّع الشعبي، كي تكون عونًا للجيش النظامي الأساسي في الذود عن استقلال البلاد، كان الخلاف على تعيين عبد الحكيم عامر نقطة تحول بالنسبة لنجيب.
حيث وجد أن مقاليد السلطة بدأت تتجمع في يد بعض الشخصيات، وأصبحت تتمتع بنفوذ وقوة كبيرة، مما جعله يفكر في إرساء الحياة المدنية مرة أخرى، وإنهاء سيطرة الجيش على الحكم، وخسر محمد نجيب في معركة مارس 1954، والواقع أنها لم تكن خسارته فقط، وإنما كانت خسارة لمسيرة الديمقراطية في وادي النيل.
وأصر نجيب على الاستقالة لكن عبد الناصر عارض بشدة استقالة نجيب، خشية أن تندلع مظاهرات مثلما حدث في فبراير 1954، ووافق محمد نجيب على الاستمرار إنقاذًا للبلاد من حرب أهلية ومحاولة إتمام الوحدة مع السودان، وفي يوم 14 نوفمبر 1954 توجه من بيته في شارع سعيد بحلمية الزيتون إلى مكتبه بقصر عابدين، لاحظ عدم أداء ضباط البوليس الحربي التحية العسكرية.
وعندما نزل من سيارته داخل القصر، فوجئ بالصاغ حسين عرفة من البوليس الحربي، ومعه ضابطان و10 جنود يحملون الرشاشات يحيطون به، فصرخ في وجه حسين عرفة طالبًا منه الابتعاد حتى لا يتعرض جنوده للقتال مع جنود الحرس الجمهوري، فاستجاب له ضباط وجنود البوليس الحربي.
ولاحظ محمد نجيب وجود ضابطين من البوليس الحربي يتبعانه أثناء صعوده إلى مكتبه، نهرهما فقالا له إن لديهما أوامر بالدخول من الأميرالاي حسن كمال، كبير الياوران، فاتصل هاتفيا بجمال عبد الناصر ليشرح له ما حدث، فأجابه عبد الناصر بأنه سيرسل عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة ليعالج الموقف بطريقته.
وجاءه عبد الحكيم عامر وقال له في خجل إن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية، فرد عليهم “أنا لا أستقيل الآن لأني بذلك سأصبح مسؤولًا عن ضياع السودان، أما إذا كان الأمر إقالة فمرحبا”، وأقسم “عامر” أن إقامته في فيلا زينب الوكيل، لن تزيد عن بضعة أيام ليعود بعدها إلى بيته، لكنه لم يخرج من الفيلا طوال 30 عاما.
وخرج محمد نجيب من مكتبه في هدوء مع حسن إبراهيم في سيارة إلى معتقل المرج، وحزن على الطريقة التي خرج بها فلم تؤدى له التحية العسكرية، ولم يطلق البروجي لتحيته، وقارن بين وداعه للملك فاروق الذي أطلق له 21 طلقة وبين طريقة وداعه.
فعندما وصل إلى فيلا زينب الوكيل بضاحية المرج، سارع الضباط والعساكر بقطف ثمار الفاكهة من الحديقة، وحملوا من داخل الفيلا كل ما بها من أثاث وسجاجيد ولوحات وتحف وتركوها خالية تمامًا، كما صادروا أثاث الفيلا وأوراق “نجيب” وتحفه ونياشينه ونقوده التي كانت في بيته، ومنعه تمامًا من الخروج أو من مقابلة أيا كان حتى عائلته.