تقرير – حسناء منصور
وسط هول المآساة التي حلت بتركيا وسوريا منذ فجر يوم الإثنين، اجتاحت وسائل التواصل الإجتماعي فيديوهات وصور توثق معاناة الناجين ومشاهد للعالقين أسفل الأنقاض، أمواتًا وأحياء، جراء الزلزال المروع.
رفضت سيدة الخروج من أسفل أنقاض زلزال تركيا، بعد أن ظلت لأكثر من 28 ساعة، تحت الأنقاض مع أطفالها الثلاثة، وعندما وصلت قوات الطوارئ طلبت منهم حجابًا ترتديه قبل خروجها من تحت الأنقاض، وهذا حسب ما ظهر في الفيديو المنتشر على وسائل التواصل الإجتماعي.
وأذهل الجميع وقوات الطوارئ الموجودين من طلبها، ولكنهم حرصوا على تحقيقه، وقام رجل من فريق الإنقاذ بالإسراع لجلب حجاب لها، وبعدما أردتدت الحجاب وغطت شعرها خرجت، ولكنها كانت غير قادرة على رفع ساقها وغير قادرة على الحركة.
وذلك لأنها أصيبت بكسور في جسدها، إثر سقوط المنزل عليها، وردد الموجودون لحظة خروجها “الله أكبر.. الله أكبر”.
وبالإضافة لذلك إلا أن هناك صورة لافتة النظر أربكت جميع مواقع التواصل الإجتماعي، حيث زعم أنها لكلب يجلس بجانب صاحبه العالق ممسكًا بيده أسفل أنقاض الزلزال في تركيا، ويصرخ الكلب من أجل إنقاذ صاحبه من تحت الأنقاض في زلزال تركيا.
غير أن هذا الإدعاء خطأ، فالصورة المتداولة والمنتشرة لم تُلتقط عقب الزلزال في تركيا، وفق “فرانس برس”، فقد مكّن التفتيش عنها بواسطة محركات البحث من العثور عليها منشورة في موقع لتخزين الصور مع الإشارة إلى أنها التقطت سنة 2018، ولم يذكر ناشر الصورة ما إن كانت من حدث حقيقي أم مجرد لقطة تمثيلية، لكن نشرها قبل 6 سنوات ينفي أن يكون لها علاقة بالزلزال الأخير في تركيا.
وبالإضافة إلى حكاية الفتى السوري الذي استسلم للموت ظنًا منه أن رصيده في الحياة قد انتهى، فقام بتصوير مقطع فيديو من أسفل الأنقاض بعد أن انهار المبنى الذي يؤويه في مدينة هاتاي التركية إثر الزلزال المدمر.
وظهر الشاب في الفيديو يشرح أن شعوره لا يوصف، مؤكدًا أن عائلته وعائلات أخرى كثيرة باتت تحت الأنقاض، ولفت إلى أنه يسمع من بين الركام أصوات أناس تستغيث جراء انهيار البناء.
ولا ننسى حال مسعود هانسر، الأب التركي الذي بقي ممسكًا بالجزء الوحيد الظاهر من جسد ابنته إرمك، التي تبلغ من العمر 15 عامًا، والتي قضت إثر الزلزال المدمر في منطقة كهرمان مرعش، رغم إنه يعلم تمامًا أنها رحلت، إلا أنه أبى تركها وحيدة بين ركام منزله المهدم إثر الزلزال الدامي الذي ضرب تركيا.
ويشار إلى أن عدد قتلى الزلزال ارتفعت إلى أكثر من 9800، اليوم الأربعاء، حيث بلغ عدد المصابين نحو 38 ألفًا، وانهارت آلاف المباني السكنية.
وأعلن مسؤولون وعاملون طبيبون، في أحدث حصيلة للضحايا، وأن 7108 من الأشخاص قضوا في تركيا، و2751 شخص في سوريا، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما لا يزال عناصر الإنقاذ يحاولون العثور على ناجين عالقين أسفل الأنقاض.
وقام فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بنعي ضحايا الزلازل المدمرة في تركيا وسوريا، قائلًا في تدوينة له على موقع التواصل الإجتماعي”فيس بوك”: “انفطرتْ قلوبنا ألمًا، بسبب المشاهد المروعة جراء الزلزال العنيف الذي ضرب سوريا وتركيا، أدعو العالمَ للانتفاضة من أجل إغاثة المحاصرين والمنكوبين، وتقديم يد العون والمساعدة للجرحى والمشردين، والإسراع لإنقاذ الأرواح من تحت الأنقاض.. اللهم رحماك بعبادك المستضعفين”.
وفي هذا الإطار واصلت دول العالم، اليوم الأربعاء، تقديم المساعدات إلى ضحايا الزلازل في تركيا وسوريا، حيث أرسلت كازاخستان، طائرة ثانية إلى تركيا تحمل على متنها مجموعة من فرق الإنقاذ والمستلزمات الطبية، للمشاركة بعمليات الإنقاذ والبحث عن ضحايا الزلزال المدمر.
وذكرت وزارة الطوارىء بكازاخستان، أن الطائرة الثانية تضم 60 شخصًا من بينهم أطباء ورجال إنقاذ، مضيفة أن عمليات البحث والإنقاذ ستتركز في أنطاكيا، وأرسلت روسيا فريق إنقاذ إلى تركيا، للمشاركة في أعمال الإغاثة والإنقاذ في المناطق المنكوبة التي ضربها الزلزال المدمر، ويذكر أن فريق الإنقاذ الروسي يعمل بأدوات هى الأحدث على مستوى العالم في مجال الإنقاذ.
وقال دانييل مارتينوف، بدوره مستشار وزير الطوارئ الروسية”إن الفريق يتكون من أكثر من 100 منقذ جميعهم أصحاب كفاءة دولية ولديهم خبرات عمل في جميع أنحاء العالم”، مضيفًا”أن الفريق لديه كافة المعدات اللازمة ومجموعة من المختصين برفقة كلاب مدربة للبحث عن العالقين أسفل الأنقاض” مشيرًا إلى أن الفريق يملك أيضًا مستشفى متنقلة لمساعدة المصابين.
وقامت تركيا بإدخال قوانين بناء جديدة تتطلب أن تكون الإنشاءات الجديدة مقاومة للزلازل، ليس أقلها في أعقاب زلزال إزميت عام 1999 الذي قتل فيه أكثر من 17000 شخص، ولكن غالبًا ما تم فرض هذه القوانين بشكل فضفاض في بلد يتم إنشاء أكثر من نصف المباني فيه بشكل غير قانوني.
وأشار الكثير من الخبراء إلى شدة الزلزالين، وعمقهما الضحل نسبيًا ونوع الزلزال الناتج عما يسمى خطأ الانزلاق على صدع الأناضول الشرقي لقوته التدميرية، فقد رأى آخرون أدلة على ضعف البناء، والذي تسبب في انهيار بعض المباني بشكل كارثي مدمر.
وقال الدكتور هنري بانغ بدوره الجيولوجي وخبير إدارة الكوارث في مركز إدارة الكوارث بجامعة بورنماوث، قائلًا: “انهارت بعض المباني ببساطة على الأرض بينما انهارت العديد من المباني (متعددة) الطوابق مثل حزمة من البطاقات، وهذا دليل على أن معظم المباني لم يكن لديها الميزات ذات الصلة لتوفير الإستقرار أثناء الزلزال”.
وقال رئيس شركة”تيمبلور” لنمذجة الكوارث، روس شتاين، لمجلة “Scientific American”، في أعقاب الزلزال مباشرًة: “العامل الأول هو جودة البناء، جودة البناء تسبق كل شيء آخر من أسباب الكارثة”.
وردد البروفيسور إيان مين، أستاذ علم الزلازل وفيزياء الصخور بجامعة إدنبرة، هذا الرأي قائلًا: “بالنظر إلى بعض صور المباني المتضررة، يتضح أن معظمها لم يكن مصممًا لتحمل الزلازل القوية جدًا ومن الواضح أن العديد من المجمعات السكنية لديها تجربة ما يسمى”انهيار الفطيرة”.
تابع: “يحدث هذا عندما لا يتم ربط الجدران والأرضيات ببعضها بعضا بشكل جيد بما فيه الكفاية، وينهار كل طابق عموديًا لأسفل على الأرضية السفلية تاركًا كومة من الألواح الخرسانية بالكاد توجد فجوات بينها، هذا يعني أن فرص البقاء على قيد الحياة لأي شخص بالداخل ضئيلة للغاية”.
وقال جمال جوكتشي رئيس غرفة المهندسين المدنيين، في عام 2019: “سيعني ذلك تحويل مدننا، ولا سيما إسطنبول، إلى مقابر”، وحذر خبراء البناء في تركيا من أن الترخيص بأثر رجعي للمباني غير القانونية مقابل رسوم سيكون له عواقب وخيمة وكثيرة.
ويشار إلى أن الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا، فجر يوم الاثنين، بلغ قوة 7.8 درجة على مقياس ريختر، مدمّرًا آلاف المباني، ومخلفًا آلاف الجرحى والمشردين والقتلى، وأعلنت منظمة الصحة العالمية أنها تتوقع الأسوأ، وتخشى أن تكون الحصيلة أعلى بثماني مرات من الأرقام الأولى المنشورة.
ويذكر أن خلال الساعات القليلة الماضية، انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي مقاطع فيديو لخروج المياه عن شواطئ مدينة”رأس البر” الساحلية في مصر، الأمر الذي أثار تساؤلات كثيرة، خاصة أنه يتزامن مع زلزال تركيا المدمر والحديث عن”تسونامي” قد تتعرض له مدينة الإسكندرية.