تقرير – وفاء العسكري
ولد الفنان نجيب إلياس الريحاني ممثل مصرى مشهور يوم 21 يناير من عام 1889، وولد في عائلة مصرية مسيحيه كاثوليكيه، وكان واحد من 3 أولاد لأم مصرية مسيحيه قبطيه كاثوليكيه اسمها “لطيفه” وأب مصري مسيحي كاثوليكي كلداني.
نشأ نجيب إلريحاني في حي باب الشعرية، لأب من أصل موصلي عراقي كلداني مسيحي، يعمل بتجارة الخيل فاستقر به الحال في القاهرة، ليتزوج سيدة مصرية قبطية “لطيفه” أنجب منها.
وعاش نجيب في القاهرة في حي باب الشعرية فعاشر الطبقة الشعبية البسيطة والفقيرة، واتعلم الريحاني في مدارس الفرير “مدرسة سان جوزيف” الفرنسية في القاهره في مصر.
وبحث الفنان عن عمل يساعد به أسرته، فقد كان مولعًا بأمه، أشد الولع وتعلم منها الكثير، فقد كانت هى الأخرى ساخرة مما تشاهده، إبان تلك الفترة التي كانت تعج بالمتناقضات الإجتماعية، وقد تفتحت عينا نجيب الريحاني على أحداث عظيمة كانت تمر بها مصر.
وعندما أكمل تعليمه ظهرت عليه بعض الملامح الساخرة، ولكنه كان يسخر بخجل أيضًا، وعندما نال شهادة البكالوريا، كان والده قد تدهورت تجارته، فاكتفى بهذه الشهادة.
بدأ نجيب يبحث عن وظيفة حتى التحق بوظيفة كاتب حسابات في البنك الزراعي، والتقيى هناك بالفنان عزيز عيد، وكان عيد أنهى دراسته في جامعة لبنان، وشاهد الفن في المسرح الفرنسي، علاوة على أفكاره المتقدمة، فكان معروفًا في الأوساط الفنية في مصر، وبسبب ميل نجيب الفطري إلي الفن.
وجد الريحاني ضالته المنشودة في زميله عزيز عيد، وانضم إلي فرقته، واستيقظ الفن في عروقه، وتفتحت الموهبة، واضطره هذا إلي السهر والتأخر في النوم، والغياب عن العمل، وكانت النتيجة أنه تم فصله من البنك.
ويعتبر المسرح في ذلك الوقت متأخرًا، وأصحاب الفرق معظمهم من الشام، مثل إسكندر فرح، وإخوان عطا الله، وقردامي وغيرهم، يمثلون روايات مترجمة منقولة بعيدة عن الدعامة الفنية، وأقرب إلي الخطابة، وفي هذا الجو الفقير فنيًا عمل عزيز عيد على تغيير تلك المفاهيم.
وبحث الريحاني عن حل لما هو فيه، فالتحق بفرقة سليم عطا الله، ولكن تم الاستغناء عنه، وأصابه الذهول متسائلًا: “هل إجادة الفنان لدوره، ونجاحه يعتبر جريمة عند البعض يعاقب عليها؟”.
وقرر الفنان ترك الفن فعينه خاله بوظيفة كاتب حسابات بشركة السكر، بنجع حمادي في الصعيد، وهذه الشركة كانت ملكًا خالصًا للإقتصادي المصري “عبود باشا”، والذي أنشأ عدة شركات تعمل في كل المجالات، على غرار شركات مصر، التي أنشأها زعيم الإقتصاد المصري “طلعت حرب” في ذلك الوقت.
ولم يعجب نجيب بهذه الوظيفة البسيطة، والتي يتقاضى منها راتبًا شهريًا “6 جنيهات”، وهو مبلغ لابأس به في ذلك الوقت، ولكن تشبع رغبته، فاستقال منها وعاد إلى القاهرة، ليجد أن الأمور قد تبدلت وأصبح الحصول على عمل في حكم المستحيل، وأصبحت لغته الفرنسية التي يجيدها غير مطلوبة، وقدمت لمصر لغة أجنبية ثانية، بعد أن أستتب الأمر للإنجليز، وسيطروا على كل مقدرات مصر.
وبدأ من هنا المشوار الفعلي للفنان مع التمثيل، ولم يجد الريحاني وعزيز عيد سوى مقهى برنتانيا، وهى بمثابة ناد للفنانين العاطلين، وكان يملك المقهى رجل يوناني اسمه “بركلي”، يحب فن التمثيل وكان يجتمع عنده إستفان روستي، وأمين عطا الله وأمين صدقي.
وساعدهم مسيو بركلي واستأجر لهم مسرح الشانزليزيه بالفجالة، ولم يكن مسرحًا بالمعني المفهوم، وإنما أشبه بجراج، وحاولوا تجهيزه بقدر المستطاع، واجتمعت الفرقة وقررت أغرب قرار في عالم المسارح، وهو على المتفرج إحضار كرسيه معه، وانضمت إلى الفرقة ”روز اليوسف”.
وانتعشت حالتهم الاقتصادية بعض الشيء، ففكروا في الانتقال إلي مكان آخر، هو مسرح بريتانيا مكان سينما كايرو بلاس بشارع عماد الدين، فكان نقطة تحول في حياة نجيب، وكون فرقة تمثيلية تحمل اسمه، وانضم إليه ”سيد درويش” و”بديع خيري”.
ولم يستمر عمل نجيب مع فرقته طويلًا، وفشلت التجربة الأولى، وعاد إلى مقهى برنتانيا، وذات يوم جاءه إستفان روستي يعرض عليه عملًا بمسرح إبي دي روزو علي، هذا المسرح ابتكر شخصية “كشكش بيه” عمدة كفر البلاص، وارتبطت الشخصية باسمه.
ثم عمل على مسرح رينيسانس بشارع فؤاد الأول “شارع 26 يوليو حاليًا”، مكانه محلات شيكوريل سابقًا، واقترح الخواجة ديمو كونجاس الفرنسي، بعد أن رفض مالك مسرح رينيسانس تجديد العقد للخواجة ونجيب الريحاني، وكان عليهما أن يشتركا في بناء مسرح فاشتريا مقهى بشارع عماد الدين، مجاورًا لسينما ستديو مصر ”سينما ريتسي حاليًا”.
وقاما بهدم المقهى لإقامة المسرح في شارع عماد الدين، وأطلق عليه مسرح الإجيبيسيانة، الذي أصبح يحمل اسمه فيما بعد، وكانت أول مسرحية تقدم عليه هى “حمار وحلاوة”، وكانت نقطة تحول في تاريخ المسرح الإستعراضي في مصر، والعالم العربي حيث استعان براقصات استعراض أجنبيات.
وقام نجيب وفرقته بجولة إلي تونس، والجزائر لتقديم عروضها وبعد غياب 18 شهرًا، فضل العودة إلي المسرح من جديد، وقدم عددًا من الروايات من تأليف بديع خيري، وكان رفيق نجيب حتى وفاته، ونجحت نجاحًا كبيرًا منها “الدنيا لما تضحك”، “الشايب لما يدلع”.
وابتعد الريحاني لفترة عن السينما، ثم عاد ليقدم “صاحب السعادة كشكش بيه” و”سلامه في خير”، “سي عمر” و”لعبة الست” و”أحمر شفايف” و”أبو حلموس”.
ارتدى الريحاني قناع الضحك وأخفى وجهه الباكي، وامتدت مسيرته الفنية لنحو 30 عامًا، وحصل على العديد من الألقاب، واستحقها عن جدارة، أبرزها “زعيم المسرح الفكاهي”، و”موليير العرب”، و”الضاحك الباكي”، و”ملك الكوميديا”.
وتخللت حياته موجات من الفقد والحزن، ورغم رحيله في عام 1949، فإن أعماله الفنية لا تزال حاضرة في ذاكرة السينما والمسرح العربي، وقدم الفنان حوالي 80 مسرحية، منها “خلي بالك من إبليس” عام 1916، و”ريا وسكينة” عام 1921، و”الجنيه المصري” في عام 1931.
وشارك نجيب أيضًا في العديد من الأعمال منها “الدنيا لمّا تضحك” عام 1931، و”الستات مايعرفوش يكدبوا” و”حكم قراقوش” في عام 1935، و”الدلوعة” الذي عرض في عام 1939، و”إلا خمسة” عام 1943.
ويعتبر آخر مسرحيات نجيب هى “حسن ومرقص وكوهين” التي كانت تعري المجتمع، وتفضح مشاكله في عام 1945، وتعرض هذا التراث المسرحي للإندثار، باستثناء أعمال قليلة قدمتها فرقة الريحاني بعد رحيله، وأيضًا فقد بعض أفلامه السينمائية الأولى مثل “صاحب السعادة كشكش بك” عام 1931، و”ياقوت” في 1934.
ومرض الريحاني بالحمى، وأوصي الطبيب بإحضار الاكتشاف الجديد من الخارج، وهو دواء البنسلين، وكان يلزم إعداده على يد الطبيب المعالج، وأراد نجيب أن يحضر مندوب الشهر العقاري، ليكتب وصيته ولكن تأخر الطبيب عن موعد الحقنة
فألح على الممرضة أن تقوم هى بذلك، وتحت إصرار نجيب، والخوف على حياته قامت الممرضة بحقنه، وفارق نجيب الريحاني الحياة ضحية للبنسلين عام 1949، وفي النهاية لم يمت الأسطورة، وصانع الضحكات والابتسامات، ومازال يضحكنا ويبكينا.