تقرير – حسناء منصور
تُعَدّ صلاة التراويح من شعائر الإسلام العظيمة التي تُؤدّى في شهر رمضان الكريم، وأجمع العلماء على أنّها سُنّة مُؤكّدة، ووردت الكثير من الأحاديث عن فضل هذه الصلاة، منها قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُرَغِّبُ في قِيَامِ رَمَضَانَ مِن غيرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فيه بعَزِيمَةٍ، فيَقولُ: مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، فصلّاها النبيّ وصلّاها الصحابة معه جماعة.
استمر الصحابة في صلاتها منفردين بعد وفاته علية الصلاة والسلام، وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رآهم يُصلّون مُتفرّقين، ورأى أنّ بعضهم لا يحسن القراءة، فجمعهم على إمام، ورأى أنّ ذلك أفضل من صلاتهم مُتفرّقين، وكان ذلك أوّل إجتماع للمسلمين على إمام واحد في صلاة التراويح.
خصص عمر قارئًا للصلاة بالرجال وآخر للنساء، لكن يبدو أن أمهات المؤمنين لم يكنّ نظرًا لمكانتهن الخاصة، يشهدن تراويح النساء العامة، كما يُفهم ذلك من الأثر القائل إن”ذَكْوان أبا عمْرو مولى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، كان يؤمُّها في صلاة التراويح وهو يقرأ في المصحف، كما في رواية الإمام أبي القاسم الأصبهاني الملقب بقوام السُّنة في سِيَر السلف الصالحين.
وحفظت لنا كتب الفقه والتاريخ والتراجم أسماء القُرّاء الذين كلفهم عمر، في أوقات مختلفة، للقيام بهذه المهمة، فذكرت من قُرّاء الرجال: أبيّ بن كعب الأنصاري، الذي كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث، وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد من الركعات، وفقًا لابن تيمية”ت 728هـ/1328م” في مجموع الفتاوى.
عدد ركعاتها
لم يثبت في حديث النبي محمد ﷺ شيء عن عدد ركعات صلاة التراويح، إلا أنه ثبت من فعله أنه صلاها إحدى عشرة ركعة، كما بينت ذلك عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حين سُئلت عن كيفية صلاة الرسول في رمضان، فقالت: ما كان رسول الله يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً، متفق عليه.
جاء من الأدلة الواضحة على أن صلاة الليل ومنها صلاة التراويح غير مقيدة بعدد، حديث ابن عمر أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن صلاة الليل فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: “صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلَّى.
بالإضافة إلى أن هذا الفعل من رسولًا الكريم، لا يدل على وجوب هذا العدد، فتجوز الزيادة، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: له أن يصلي عشرين ركعة، كما هو مشهور من مذهب أحمد والشافعي، وله أن يصلي ستا وثلاثين، كما هو مذهب مالك، وله أن يصلي إحدى عشرة ركعة، وثلاث عشرة ركعة.
يذكر أن هي الصلاة التي تصلى جماعة في ليالي شهر رمضان المبارك، والتراويح جمع ترويحة، وسميت بذلك الإسم لأنهم كانوا أول ما اجتمعوا عليها يستريحون بين كل تسليمتين، كما قال الحافظ ابن حجر، وتعرف كذلك بقيام رمضان.
يرى جمهور الفقهاء أنّ وقت صلاة التراويح يكون من بعد صلاة العشاء، وقبل صلاة الوتر، لأنّها سُنّة تابعة للعشاء، ويمتدّ وقتها إلى قبل طلوع الفجر، لفعل الصحابة، وقد نُقِل ذلك عنهم، ومن صلّاها بعد المغرب وقبل العشاء فإنّها لا تُجزأ عن التراويح، وتكون بمقام النافلة كما يرى المالكية، وفي رواية عند الحنفية أنّها تُجزأ عن صلاة التراويح، لأنّ وقتها جميع الليل واسمها قيام الليل، وأفضل وقتها يكون بعد ثلث الليل أو نصفه عند والشافعية والحنفية.
وجدير بالذكر أن صلاة التراويح في رمضان، هي سُنة وليست فرضًا، فتاركها لا وزر عليه، لكنه يأثم إن عطل بها واجبًا أو أهمل في فرض، وينبغي على الإنسان أن يعبُد ربه كما يريد الله لا كما يريد هو، فلا يسوغ له أن يقدم المستحبات على الواجبات، ولا أن يجعل السُّنَنَ تُكَأَةً لترك الفرائض والواجبات المنوطة به شرعًا أو التزامًا أو عرفًا في شهر رمضان المبارك.
وتستعد المساجد والبيوت، لصلاة التراويح مع بداية حلول شهر رمضان الكريم، في ظل متابعة مستمرة من وزارة الأوقاف للمساجد، وضوابط واضحة للمصلين والأئمة، حول دروس الوعظ وأداء السنن، حيث يتوجه المصلون إلى المساجد لأداء صلاة التراويح من ليلة اليوم الأول لشهر رمضان الكريم.
بالإضافة إلى أن صلاة التراويح لشهر رمضان 2023، ينتظرها المسلمون ليؤدونها بحب شديد تضرعًا لله سبحانه وتعالى، وطمعًا في ثواب أكبر خلال تلك الأيام المباركة، ورغم عدد ركعاتها الأكثر ووقتها الأطول مقارنة بسائر الصلوات اليومية، لكنها لها طابع خاص كونها ترتبط بالشهر الكريم.
وجدير بالذكر أن مدة صلاة التراويح في رمضان 2023، أمر يبحث عنه الكثير من الناس، وهو ما تحدث عنه الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، قائلًا: إن مدة التراويح سيكون أمر مترك للإتفاق بين الإمام والمصليين، كما كان الوضع في فترة تفشي فيروس كورونا، فّسيكون الإتفاق على قراءة جزء كامل في الصلاة فلا بأس، وإن كان غير ذلك فبها أيضًا، فالأمر متروك لرغبة الطرفين.